لعل من أهم ما تحتاجه البشرية الآن المزيد من التعاون بين الدول العظمى لحل المشكلات العسكرية والسياسية والسكانية التي تفضي لحل النزاعات المسلحة وما نتج عنها من تدمير لمقومات التنمية وتنامي حالات اللجوء والفقر والتراجع البيئي وعمليات التفتيت والاقتتال بين الدول وبين مكونات الدولة الواحدة، وفي هذا المجال تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الأكبر ليس لأنها تمتلك أكبر قوة اقتصادية وعسكرية على مستوى العالم فقط، بل لأنها ساهمت من خلال سياسة الاستباحة التي تمارسها في إشعال الحروب وتغذية الخلافات وإيجاد بؤر التوتر، والمضي في فرض العقوبات الاقتصادية على جميع الدول التي لا تقف معها في تنفيذ تلك السياسات المدمّرة.
قبل يومين فقط طلب وزير الخارجية الأمريكي من روسيا التعاون في مجال تنفيذ العقوبات على كوريا الديمقراطية كمقدمة لانسحاب أمريكا من الاتفاق الذي لم يجف حبره بين الرئيس الأمريكي وبين رئيس كوريا الديمقراطية، ولا يزال الرئيس الأمريكي ومسؤولو إدارته يطالبون بالتعاون لفرض المزيد من العقوبات على الشعب الإيراني بعد انسحابهم من الاتفاق النووي الإيراني الذي تمّ التوصل إليه من خلال تعاون الدول الكبرى مع الإدارة الأمريكية السابقة وبعد انسحابهم من اتفاقية باريس للمناخ، وبعد فرضهم للعقوبات على روسيا ذاتها، وبعد إشعال حرب اقتصادية ضد الصين وضد حلفائهم في أوروبا.
لقد بات العالم بحاجة إلى التعاون المثمر في مكافحة الإرهاب وفي عمليات إعادة بناء ما دمّرته الحروب وتعزيز مقومات التنمية المستدامة، وفي حل مشكلات ملايين اللاجئين السوريين والعراقيين والليبيين والأفغانيين واليمنيين والأفارقة، وإنهاء التدخل المباشر لأمريكا وحلفائها في شؤون سورية والعراق واليمن وهذا ما لا تطلب أمريكا التعاون من أجله، فالتعاون الأمريكي المطلوب هو من أجل تعقيد المشكلات وزيادة الفقر وإيجاد بؤر توتر جديدة والتملص من الاتفاقات التي وقعتها أمريكا سابقاً مع الدول الأخرى، وكل هذا وذاك بات مكشوفاً ومفضوحاً وبات يؤرق حلفاء أمريكا قبل أن يؤرق غيرهم.
إن التعاون الدولي بات حاجة ملحة، وربما يكون التعاون من أجل إنهاء سياسات الهيمنة الأمريكية هو الأهم لإنقاذ البشرية من الكوارث الاقتصادية والبيئية والسكانية التي فاقمتها عواصف الاستهتار الأمريكي بمستقبل كوكب الأرض وساكنيه!.