رؤساء دول ما كان لهم أن يتنسموا سلطات بلدانهم، ولا أن يتقلد أحدهم مسؤولية صغيرة على عدد قليل من الناس، لولا غباء من منحوهم أصواتهم، ليفسحوا لهم مجالا ليحكموا في شعوب بأكملها، فيها من الكفاءات ما يفي بحاجة قيادة بلدانها كأحسن ما تكون القيادة، إلى هذا المستوى المتردّي وصل بدولنا الحال في ظل ديمقراطية كاذبة ومزيفة لم تقدّم الى اليوم مثالا صالحا حتى نطمئنّ إلى نتائجها، خصوصا بالنسبة لعالمنا الإسلامي الذي تؤمن شعوبه بقرآنها وما جاء فيه من ذمّ لأغلب الناس، بسبب اتباعهم سبيل الظنّ والكذب (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون)(1).
ولم يبتلى العالم بالسوء والانحراف بقدر ما افرزته الديمقراطيات الكاذبة التي انخرطت فيها شعوب ودول كثيرة ظنّا منها بأنها وجه من الشورى الشعبية في اختيار القادة بالانتخاب الديمقراطي، وهو في حقيقة الأمر تحيّل على الناس، واسقاط لتكافئ الفرص أمام الفقراء والكادحين مهما بلغت مستوياتهم العلمية.
البلد الوحيد الذي خرج من فخّ ديمقراطية الغرب المزيفة هي ايران، فقد شكّلت ثورتها الإسلامية، منعرجا سياسيا جديدا لم يعهد من قبلُ، أقام قائد ثورتها الامام الخميني نظاما إسلاميا بناه على رؤيته في دور الفقيه ليشمل الولاية العامة لشؤون المسلمين، ومنطقيّا فإن دور الفقيه لا يجب أن يقتصر على اصدار الفتاوى والأحكام الخاصة والعامة، ويكون في نفس الوقت تحت سلطة نظام يرى في الإسلام مجرّد انتماء شكلي، لا يرقى إلى التطبيق الكامل لأحكامه، وفي نفس الوقت يلجأ إلى قوانين غربية لسنّها على مجتمعاته، وولي الفقيه الذي افتتح مرحلته الامام الخميني رضوان الله عليه أثبت أنه جدير بالقيادة الرشيدة الصالحة خلال 43 عاما، ولم ينغّص تلك المدّة سوى مؤامرات أمريكا والغرب وعملاءهم في المنطقة، وكان هدفهم اضعاف النظام الإسلامي أو اسقاطه، وبذلوا من أجل تحقيق ذلك قصارى جهودهم فلم يفلحوا.
لم تنتهي أعمال أمريكا العدوانية وحلفاؤها تجاه النظام الإسلامي، حيث لم يعد امامهم خيار آخر، فالقضية بالنسبة اليه حياة أو موت، ونجاح النظام الإسلامي في إيران في قيادة بلاده نحو مستقبل تزدهر فيه، وتتفوق حتى على الدول الغربية التي سبقت في هذا المجال، وقد بدأت تباشير هذه الإنجازات تلوح في أفق الجمهورية الإسلامية، لتزيدها تألّقا زاد في عداء أمريكا، وجعلها تخرج عن إرادة التحكم في تصريحات رؤسائها، كلما سقط لها مشروع فتنوي في إيران، وكانت تأمل منه الإضرار بالنظام الإسلامي.
بعد فشل الإضطرابات الأخيرة التي ركِبَها محرِّكُوها على خلفية موت (مهسا أميني)، ولم يعد لعدّ الأسابيع على أنها استمرار للإضطرابات فائدة تذكر، فقد عالج النظام الإسلامي هذا الملفّ بكل حكمة وتعقّل، مما جعل تلك الاحتجاجات تتقلص وتصبح مجرّد محاولات مشاغبين الاستمرار في أعمالهم دون أن يكون لهم هدف سوى نقل صورة كاذبة للعالم الخارجي عن إيران، وهذا ما طُلِب من هؤلاء المغرّر بهم أن يفعلوه مع تصوير اعتداءات معزولة على مقرات سيادية وعامة وخاصة.
الرئيس الأمريكي جو بايدن في آخر ظهور له، تفتّقت قريحته بما أفادنا، أنّه أصبح يغرّد خارج السّرب كأنّما أفاق من حلم ولم يسترجع مداركه العقلية، فقال(أمام حشد في كاليفورنيا، مساء الخميس: “لا تقلقوا، سوف نحرر إيران، سوف يحررون أنفسهم قريبًا”. وغداة تصريح الرئيس الأمريكي، أوضح البيت الأبيض أن بايدن “كان يعبر عن دعمه لحركة الاحتجاج ولا يشير إلى نهج جديد”.
وقال جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي: “(بايدن) كان يعبر، مرة أخرى، عن تضامننا معهم”، مضيفا: أن القيادة الإيرانية تواجه مشاكل من صنعها. وتابع كيربي بالقول: “كان الرئيس واضحًا جدًا بشأن هذا الأمر… سنواصل البحث عن طرق لمساءلة النظام عن الطريقة التي يعاملون بها شعبهم”. ورغم تصريح بايدن، قال كيربي: إن الولايات المتحدة ليس لديها مؤشرات على أن النظام الإيراني على وشك التغيير.(2)
ما تجاهله الرئيس الأمريكي تماما، هي الذّكرى التي يعتز بها كل موال لولاية الفقيه، وهي من القيمة المعنوية العالية، بحيث يجب أن تذكر في كل مناسبة يقارع فيها الشيطان الأكبر، فهو اليوم الذي تحررت فيه إيران تماما من وكر الجاسوسية في طهران، بفضل عزائم طلبة الجامعة من الإسلاميين، المتحمّسين للقطع النهائي مع عدوّ لدود، طالما جثم على مقدّرات شعبهم وامتهنهم، وتحكم فيهم بما لا يرضاه كل حرّ في إيران، ويعتبر اقتحام مقر السفارة الأمريكية بطهران، حدثا لم يكن يتوقعه أحد خارج ايران (4/11/1979)، فمن يجرؤ على أميركا غير أبناء الإمام الخميني رضوان الله عليه، ولم يمضي على انتصار ثورتهم وإسقاط نظام الشاه العميل سوى عشرة أشهر تقريبا، ضربة أسقطت هيبة أميركا من نفوس الإيرانيين أولا، ثم تجرأ عليها من تجرأ من دول أمريكا اللاتينية، ليدخل العالم في زمن سحب البساط من تحت أرجل قادة البيت الأبيض، ويستمرّ الحبل على الغارب حتى السقوط النهائي، وهي نتيجة كل أحمق لا يقيم وزنا لغيره.
وجاء ردّ السيد إبراهيم رئيسي يوم الجمعة في خطاب له، إحياء لذكرى إذلال أمريكا أمام الجماهير الغفيرة، التي اجتمعت أمام المقر السابق للسفارة الأميركية وسط طهران، لإحياء “يوم مقارعة الاستكبار العالمي”، أي ذكرى اقتحام السفارة من قبل طلاب مؤيدين للإمام روح الله الخميني، واحتجاز 52 رهينة، أفرج عنهم بعد 444 يوما من الإعتقال، ومسك آلاف الوثائق السّرّية، التي كان داخل السفارة قبل اتلافها، من طرف عملاء المخابرات الأمريكية، في هذه الذكرى وبتلك المناسبة، وردّا على كلام الرئيس الأمريكي بايدن، قال الرئيس الإيراني مذكّرا بايدن على وجه الخصوص:”إيران تحررت قبل 43 عاما ولن تكون أسيرتكم”. وشدد على أن “الشعب الإيراني العظيم لن يركع أمامكم “.وأضاف الرئيس الإيراني ساخرا أن تصريحات بايدن جاءت “على الأرجح بسبب شرود الذهن الذي يعاني منه”.(3)
إنّ الثورة التي قادها فقيه إيران، واسفرت على اختيار الشعب لنظام ولاية الفقيه الإسلامي، بنسبة بلغت 98.2%، يحلُمُ من يريد إسقاطها بشرذمة من العملاء، ولن يبلغ التشويه الإعلامي وتزوير ما حصل في إيران على أنّه ثورة، أي مستوى من شأنه أن يهدد نظاما عتيدا بمؤسساته، له حاضنة شعبية قوية جدّا، مستعدّة لفدائه بكل ما تملك، ولو سُمِح لها بأن تتدخل أمام هؤلاء الهمج الرعاع لكنستهم بلمح البصر، ولكن حكمة القيادة ترى التعامل مع عملاء الغرب واعداء النظام الإسلامي بكامل التسامح باستثناء من تورطوا في اعمال التخريب والقتل، فليحلم بايدن كما يشاء لأنّ الواقع خلاف أحلامه.
المراجع
1 – سورة الأنعام الآية 116
2 –”سنحرر إيران”.. البيت الأبيض يوضح تصريح بايدن
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2022/11/04/white-house-biden-free-iran
3 – رئيسي يستنكر تصريح بايدن حول “تحرير” إيران مع دخول الاحتجاجات أسبوعها السابع
https://arabic.euronews.com/2022/11/04/raisi-dismisses-biden-free-iran-pledge-after-protest-surge