عندما هبطت طائرة الشهيد، صلاح خلف (أبو إياد) في مطار دبي في وقت ما زمن السبعينات، تم إبلاغه قبل الترجل من الطائرة، بأن أحد مسؤولي الخارجية الإماراتي ينتظره في الإستقبال، على غير العادة التي كانت دارجة في استقباله من قبل أحد الوزراء والخارجية بالذات. أبلغهم القائد الفلسطيني حينها، أنه عائد من حيث أتى. ثم ما لبثت أن ضجت الخارجية الإماراتية، وعلى وجه السرعة صاغرا توجه الوزير إلى المطار، وهكذا كان!
بالأمس القريب أنهى أمناء الفصائل الفلسطينية العامين، الإجتماع الذي تداعوا إلى عقده، للبحث في سبل التصدي لجميع المشاريع الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، حيث كان واضحا من خلال الكلمات التي القيت في بداية المؤتمر، بعض التباين في وجهات النظر والمواقف والطروحات، التي تراوحت بين إعادة البعض من “جديد” تمسكه في “المفاوضات”، القائمة على “اللاجديد”، من أسس الشرعية الدولية والمبادرة العربية (سعودية الأصل) العتيدة، وتأكيدهم على ضرورة إلتزام “الجامعة العربية” بها، حتى حين لم تفضي عن أي نتيجة، بعد سنوات من الجولات الفاشلة العديدة! أما على الجانب الآخر فقد جاءت كلماتهم، بحيث لم تضف شيئا من “جديد” في مضمونها، على صعيد “اللاجديد” من الثوابت الوطنية المعروفة والمجمع عليها، منذ إنطلاقة الثورة قبل عقود! إلا أن الأهم في الموضوع الذي أثلج صدورنا على الرغم منه، هو ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر، الذي أشار إلى الإتفاق على قيادة وطنية ميدانية، تتمثل فيها جميع القوى النضالية الفلسطينية، والعمل على تشكيل آلية فعالة لتحقيق الوحدة وإنهاء الإنقسام، وعلى إنجاز رؤية متفق عليها وتطبيقها، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، كما لخصها في بضع كلمات أحد القادة المجتمعين.
عندما سئل الشهيد الرمز، ياسر عرفات يوم خروجه من بيروت عام 1982. إلى أين أنت ذاهب يا أبو عمار، فرد بكل ثقة وبساطة إلى فلسطين، وعندما عاد إلى فلسطين بعد عقد من الزمان، توجه إليه المناضل والمفكر الفلسطيني الكبير، المرحوم هاني الحسن غير مقتنع ومستفسرا منه، عن الدافع من وراء قبوله أوسلو، بعد تضحيات العشرات من السنين، على درب الكفاح الطويل والمرير، فما كان من الختيار حينها وهو يبوح إلى رفيق دربه الطويل بكل إصرار وأريحية، حتى نكون أقرب في المواجهة المباشرة مع عدونا، وأسهل في صعود الجبال علينا، حتى صدقت عام 2000 إثر إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية المسلحة بالفعل لا بالقول رؤيته، وفرض عليه الحصار على إثرها، الذي كان أقسى من تسلق الجبال، دون أن تنال منه عزيمة أو أن تلين له قناة!
أما وقد افتضح اليوم أمر ما كان يسمى بالجامعة العربية، وكشفت الأنظمة العربية العميلة عن أنيابها بكل صراحة وعلانية، وأصبحت الهوة بينها وشعوبها، أعمق من أن تردمها مظاهر الأوسمة المخادعة وشعاراتها الرنانة الكاذبة، ولما صار اللعب على المكشوف، من “الخليج الكبير” إلى “بلاد الشام الجديدة”، وحتى “الأردن الجديد”، فلعله من باب المسؤولية التاريخية بالقيادة الفلسطينية، مالم تترجم قراراتها الأخيرة على أرض الواقع، إلى أفعال قادرة على مواجهة التحديات، أن تبادر في التنحي عن الأمانة ويسقط أوسلو من بعدها، وهو شرف عظيم سوف يسجله التاريخ لها، حتى تتيح المجال إلى غيرها من الجيل الشاب، كي يأخذ دوره ويمارس حقه في تقرير مصير مستقبله، وهو يتشبث بخصوصيته وإرادته الوطنية الفلسطينية المستقلة، يؤازره كل عربي مسيحي ومسلم وحر في العالم يعتز بهويته النضالية الفلسطينية، ذلك أن مشروعنا نحن يتجاوز الدونية والتبعية والعمالة، الذي لا يقل عن العيش بشرف وكرامة، في وطن تسوده الحرية والمساواة والعدالة، حتى تعود بنا الأيام ونستقبل على غرار القادة الكبار الأحرار، مهما قصر أو طال الزمان، ما دامت فلسطين هي بوصلتنا منذ البداية وحتى النهاية، كما سعى إليها رحمه الله، شهيدنا الختيار.