يوم 08 أوت 1998 قامت جماعة مسلحة بقتل 10 دبلوماسيين -وصحفي- من إيران في مدينة مزار شريف الأفغانية ، وكان الهدف من هذه العملية هو دفع إيران إلى الغرق في المستنقع الأفغاني والتورط في حرب طويلة الأمد وبلا فائدة….
كان الإستفزاز كبيرا ومحرجا للحكومة الإيرانية ، فهي إما أن تلتزم الصمت فيكون موقفها متخاذلا ، وإما أن تتورط في الحرب وتكون العواقب وخيمة ، إزاء هذين الخيارين الصعبين ، إختارت إيران حلا ثالثا ، وهو تنظيم مناورات كبرى على الحدود الإيرانية الأفغانية لإظهار القوة ، وإمتصاص غضب الرأي العام المحلي ، وفي نفس الوقت صرح المرشد الأعلى الإيراني: ” أن إيران لن تتورط في الحرب كما يريد لها أعداؤها ” .
ونفس الموقف واجهته الجزائر في شهر أفريل من سنة 2012 عندما قامت ” جماعة التوحيد والجهاد ” بإختطاف سبعة دبلوماسيين جزائريين يعملون في القنصلية الجزائرية في مدينة ” غاو ” شمالي مالي ، واشترطت لإطلاق صراحهم أن يتم الحصول على فدية وأن يجري إطلاق بعض المسجونين من أعضاء “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وإزاء رفض الجزائر للمطلبين، من منطلق مبدأها الراسخ في عدم التفاوض مع الجماعات الإرهابية، قام الخاطفون بقتل الدبلوماسي “طاهر تواتي ” طبعا أحد أهداف هذا الإستفزاز كان دفع الجزائر إلى التورط في حرب طويلة واستنزافية في مالي ، لكن الجزائر كانت تدرك طبيعة هذه الأهداف ، فعملت على تحرير باقي الدبلوماسيين، موازاة مع السعي الحثيث والمنهجي لحل سياسي للصراع في مالي ، لكن فرنسا أختارت سنة 2013 برئاسة “فرانسوا هولاند” أن تتدخل عسكريا في مالي فيما عُرف بعملية سرفال عملية أو “القط المتوحش” بتفويض من مجلس الأمن ، بعد طلب من الحكومة المالية لوقف تقدم الجماعات المسلحة نحو العاصمة باماكو ، هذا في العلن أما في الحقيقة فالتدخل الفرنسي كانت له أهدافه ومراميه التي لاتخفى على أحد،. وقد ذكرت تقارير وقتها أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي التي تكفلت بتمويل هذا التدخل الفرنسي في مالي.
آنذاك بذلت فرنسا- مستندة لقرر مجلس الأمن الدولي- جهودا كبيرة لدفع الجزائر للتدخل عسكريا في مالي لكن ذلك ولحسن الحظ لم يحدث ، وتسربت تقارير يومها كشفت عن وجود إدراك لدى القيادتين المدنية والعسكرية لمحاولة جر الجزائر إلى الفخ المالي ، ومايترتب على ذلك من هدر للموارد ، وسلبيات سياسية بعيدة المدى، ولتأكيد عزم الجزائر آنذاك على عدم التورط في مالي صرح مصدر رسمي يومها ” أن الجزائر لاتملك الإمكانيات اللازمة للتدخل “.
ورغم ذلك فقد كانت فرنسا قد نجحت في إنتزاع الموافقة لأول مرة منذ إسترداد السيادة الوطنية سنة 1962 على تحليق طائراتها العسكرية المشاركة في التدخل العسكري بمالي في الأجواء الجزائرية وقد ترك تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية كما نتذكر جميعا في الأجواء الجزائرية مرارة عميقة وإستياء بالغا في نفوس وقلوب ملايين الجزائريين، ومع مرور السنوات ظهر حجم ومدى التورط الفرنسي في مالي ، وعدم جدوى الحل العسكري من الأساس، وقد رأينا جميعاما آل إليه وضع القوات الفرنسية ، وكيف أصبح رحيلها عن البلاد مطلبا وطنيا ملحا من قبل الماليين.
وعلى ضوء هذا ، أنا واثق أن الجزائر لن تقع في فخ الإستفزازات التي يقوم بها الكيان الصهيوني بمساعدة النظام الملكي المغربي إنطلاقا من الأراضي المغربية من استهداف اجرامي متكرر لحياة مدنيين جزائريين في مناطق حدودية صحراوية موريتانية بغرض جر الجزائر إلى حرب تتسبب في هدر الموارد ، وتعطيل مشاريع التنمية ، والوقوع في مطبات تخدم السياسات المعادية، فالذاكرة الجزائرية ليست ذاكرة مراهقة، وما يفكر فيه ويخطط له أعداؤها لايغيب عنها.
يمكن الرد على هذه الجرائم ، لكن بطريقة أخرى غير الدخول في حرب قد تسمح للنظام الملكي المهترئ أن يطيل في عمره بضع سنوات أخرى ، بعد أن أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار تحت وطأة تناقضاته ومفاسده الداخلية، والسخط الشعبي المتصاعد على التحالف مع الكيان الصهيوني الذي يعد في نظر الغالبية الساحقة من أبناء الشعب المغربي عدوا لايمكن البتة التطبيع معه بله التحالف معه تحالفا إستراتيجيا شاملا.
ولكي تبرهن الجزائر أنها قادرة على الرد ، وأن الصبر الإستراتيجي الذي تلتزم به ليس عجزا على الفعل هاهي وفي معرض الرد المشروع على تحرشات الدبلوماسية المغربية التي حاولت في أكثر من مناسبة وبصورة علانية وقحة العمل على المس بوحدة التراب الوطني، وتحريضها لقادة المجلس العسكري في مالي على نهج نفس الأسلوب التحريصي التآمري، تقوم بالترخيص بإفتتاح مكتب للريفيين بالجزائرفي كرسالة واضحة ومحددة بأن اللعب على هذا الصعيد، ستكون له ردود ربما تتجاوز الفعل ذاته، إنه عمل إحتياطي، وإعراب جلي عن الإستعداد الدبلوماسي والسياسي لإستخدام نفس السلاح الذي يراد له أن يكون مؤلماومؤذيا للجزائر.
لست مريضا بنظرية التآمر، ولكن لا أحد بإمكانه أن ينفي وجود التآمر، وكما قال أحدهم: التاريخ ليس مؤامرة، ولكن التاريخ نفسه مليئ بالمؤامرات، مؤامرات قد لا ندرك أبعادها عن قرب لأن هناك من يعمل على إفشالها والتصدي لها في المهد من أجهزة الدولة التي لحسن الحظ لا تقع تحت تأثير العاطفيات الجياشة في عملها.
الجزائر لاتمس بالوحدة الوطنية لأي دولة، ولكن هل هذا يعني أن الآخرين من حقهم أن يمسوا بوحدتها الوطنية، وتبقى هي دون رد بحجة عدم الخروج على مبادئها في عدم التدخل في شؤون الآخرين ؟ بعض الأطراف لم تنبس ببنت شفة عندما كان النظام الملكي المغربي يمارس إستفزازته المتكررة ضد وحدة وسيادة الجزائر على آراضيها، ولكن بمجرد أن قررت الجزائر أن من حق المناضلين الريفيين أن يكون لهم تمثيل في الجزائر نزلت عليهم حكمة الحكماء، وأصبحوا قادرين على أن يستشرفوا الكوارث التي ستحل بالمنطقة جراء هذه الخطوة التي تندرج في الواقع في إطار المعاملة بالمثل.
إن العدوان على الصحراء الغربية وإحتلال آراضيها، والتحالف مع الكيان الصهيوني ومابين ذلك من تفاصيل، هذ الجوانب لايمكن تجاهلها ببساطة ثم التظاهر بالتباكي على العلاقات الأخوية التي تدهورت و…و…ولهؤلاء أقول : لماذا لاتتساءلون عن السبب الذي يجعل العلاقات الجزائرية التونسية، والعلاقات الجزائرية الموريتانية مثلا جيدة وفي أحسن ألأحوال ؟ تتجاهلون قضية الصحراء الغربية ومعاناة الشعب العربي الصحراوي من الإحتلال والظلم، وتتجاهلون كون المملكة المغربية بقضها وقضيضها قد أصبحت قاعدة مفتوحة للكيان الصهيوني ثم تتأسفون لإنقطاع العلاقات !هناك تحالف عسكري بين الكيان الصهيوني والمملكة المغربية فهل هذا التحالف موجه ضد سكان القطب الجنوبي مثلا ؟ البكائيات لاتغني عن الواقع شيئا، فيا أيها العربي، ويا أيها الجزائري لاتترك الحقائق الماثلة أمام عينيك، وتتظاهر بالعاطفية والبكائية على العلاقات مع مملكة إختارت الموقف الخطأ في التاريخ ، وإختارت الأعداء على الأشقاء، كما أن عدم المعرفة ببعض الحقائق التاريخية والسياسية- العلاقات الوثيقة بين القصر والكيان الصهيوني- يقود بعض الجزائريين وغير الجزائريين إلى الإحتماء بأطر ومقولات عاطفية نحترمها، ولكن في إطارها الصحيح، عندما تكون هناك رؤية مشتركة للعلاقات والمصالح المشتركة، وليس في ظل الظروف الراهنة..
* إطار بقطاع الثقافة و كاتب من الجزائر.
..
–