تُعْرَفُ الثورات ونُظُمُ حكمها بما حققته من إنجازات، فما كانت معبّرة على طموحات شعبها، ومستجيبة لأهدافه في الحرّية والمساواة والعدالة، ستكون الأكثر شعبية واحتضانا جماهيريا، وما لم تكن كذلك بانحراف طرأ عليها، فهي مجرّد مطيّة، ركبها من له مصلحة في الحكم، بعنوان الثورة تمويها وتدليسا.
والثورات العالمية الكبرى التي سبقت الثورة الاسلامية الايرانية في القرن العشرين كالثورة البلشفية والثورة الصينية قد احدثت تغييرا فكريا وسياسيا كبيرين عادا على الرّوس وعلى الصينيين بفوائد كبرى، أهّل الدولتين لتبوئ موقعا متقدّما في العالم، لهذا فهما ثورتان ناجحتان تماما، بفضل قيادة حازمة ومؤمنة بأفكار مؤسسيها، ومتفانية في تطبيقها حرفيا دون تغيير.
لذلك فإن من لم يواكب مراحل تنامي الثورة الإسلامية الايرانية منذ أن انطلقت سنة 1963، إلى عشرة فجر انتصارها (1/2/ إلى11/2/1979)، يصعب عليه أن يحيط بها تاريخا، ويعطيها حقها نتيجة، فهي من حيث المبدأ ثورة شعبية أصيلة قيادة وهدفا، فمن جهة قيادتها، تصدى لها الإمام الخميني، وهو رجل دين عالم ومجتهد ومجدّد، استطاع بحكمته أن يقود سفينتها باقتدار ودراية نادرين، بما مكنها أن ترسى على هدفها الأول، وهو اسقاط نظام الشاه الفاسد العميل لأمريكا والصهيونية، ومضى بعد توفيق الله له ولشعبه – قوم سلمان المحمدي- إلى نيل الهدف الثاني، المتمثل في إقامة نظام إسلامي محمّدي، يعتمد على أحكام الله وقيمه الإسلامية، وحقق ذلك باستفتاء شعبي، نال الأغلبية الساحقة موافقة له، وقد أثبت هذا النظام جدارة واستحقاقا في قيادة الشعب الإيراني، وحسن معالجة قضاياه الداخلية والخارجية على جميع المستويات، بالشفافية والصدق الذي يمكن أن يجتمع فيه بمؤسساته المنتخبة.
بداية يجب أن نستعرض أهداف الثورة الإسلامية الإيرانية، التي أعلنها قائدها الإمام الخميني منذ البداية، فهي تلخصت في تمكين الشعب الإيراني، من مجال واسع من الحرية الواعية، تمكنه من التعبير عن همومه ومشاغلة، والمساهمة بشكل فعال في حسن اختياره لمن يمثله في السّلطة، بما يحقق انجاح تسييرها وحسن تصريف مشاريعها التنموية، بما يعود بالنفع العميم لكافة ابناء الشعب الإيراني، فليس هناك عامل داعم لاستقرار وبقاء أي نظام حاكم بغير منح الحرية للشعب، وقد قدّم الشعب الإيراني وقادته من أجل ذلك آلاف الشهداء(1)، ولو أن تلك التضحيات الجسام وقعت لنظام آخر، لكان سقط من ثقلها رزئا عليه.
أهداف الثورة الإسلامية تجاوزت حدود إيران إلى قضايا الأمة، فقد تبوّأت القضية الفلسطينية موقعا رئيسيا في أولويات النظام الاسلامي، وقد رآها الإمام الخميني مستحقة ذلك، باعتبار ما يمثله الكيان الصهيوني من خطر جسيم على جميع الشعوب الاسلامية، يتهدّدها في دينها وحريتها ومستقبلها وقد عبّر قائد الثورة الاسلامية على ذلك، بطرد طاقم سفارتها من إيران، قطعا مع سياسة متمالئة مع الصهيونية، مضى فيها الشاه، استجابة لأوامر امريكا في التطبيع مع الكيان الصهيوني، في سبق جاء في أوّل قيام الكيان الغاصب، لم تقم به غير دولتان، هما تركيا العلمانية وايران الشاهنشاهية.
وطبيعي أن يكون النظام الإسلامي في إيران، داعيا لبقية الاستحقاقات الإسلامية الثورية، خصوصا ما تعلق منها بعامل تحقيق القوة والقدرة، كالوحدة الاسلامية، والتعاون بين شعوب أقطارها، فلم يبخل يوما في سبيل تحقيق هذا الهدف القرآني، من خلال دعواته ومؤتمراته لكبار العلماء، ومن خلال بعثاته الى الحج، ونداءاته السنوية المتكررة فيه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) (2) (ان هذه امتكم أمة واحدة ) (3)
وكان لإحياء المصطلحات القرآنية، وتأسيس معانيها في ثقافة الأمة، وتثبيت عمقها العقائدي في نفوس أفرادها، مسألة الولاية والبراءة، وهي من المسائل الأساسية التي تقوم عليها سياسات الأمة، وتظهر من خلال المعاملات انظمتها مع دول العالم، فما كان مسلما فتعاملها على أساس الولاية باعتبار ما دعا إليه القرآن بقوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (4)، والولاية ركن راسخ في التعاون بالبرّ والتقوى بين المسلمين، وعلى أساس أن البراءة من اعداء الله مهما كانت سطوتهم وجبروتهم، كما رسم سياسة ايران الاسلامية الخارجية، فشعار (لا شرقية ولا غربية)، كان اعلنه الامام الخميني منذ انتصار الثورة الاسلامية، وباشر النظام الاسلامي بتطبيقه من خلال حركة الشعب الثورية التي اذلّت أمريكا باحتجاز طاقم جواسيسها سنة وبضعة اشهر، وطرد البعثة الدبلوماسية الصهيونية، واعطاء مقرها لمنظمة التحرير الفلسطينية حينها حركة ايمانية لمباشرة العمل على تطبيق هذه المواقف.
من بين خطب الامام الخميني ونداءاته جاء فيها: (علينا أن نعلم أنّ حكمة هذا الكتاب الأبدي الخالد الذي مزل لإرشاد البشر من كل قوم ولون، وفي كل قطب وقطر والى قيام الساعة، هي ابقاؤه المسائل الحياتية المهمة، سواء ببعديها المعنوي أو المادي حيّة وإفهامه أن مسائل هذا الكتاب أبدية لا تخص بزمان أو مكان، وإن قصد ابراهيم وموسى ومحمد عليهم وعلى الهم السلام ليس مختصا بزمان خاص، ونجاء البراءة من المشركين ليس مختصا بوقت خاص بل هو امر خالد.) (5)
لقد كان النظام الاسلامي في ايران موفّقا وناجحا في توجيه شبابه رجالا ونساء الى العلوم بشتى فروعها، وتجلى نجاحه في مخططاته بالمكاسب الجمة التي حققها شعبه، في مجال التطور العلمي بفروعه الصناعية والتقنية، المدنية والعسكرية، وقد أكسبه هذا التطور مناعة وقوة ألجمت أعداءه من التفكير في شن عدوان عليه، وقد امتلك العناصر المادّية للدفاع عن نفسه، زيادة على الملكات الروحية التي ترسّخت فيه عقيدته الاسلامية.
ايران الاسلامية بفضل نظام حكمها ومؤسساته، دخلت في منافسة دول الغرب في كافة مجالات العلوم، التي كانت حكرا عليها مثل البرامج النووية، والصاروخية المتيحة لمجال الدفاع واستكشاف الفضاء، وما يثلج الصدر هنا ثبات هذا النظام على مبادئه ومواقفه الراسخة، بشأن استحقاقاتها الداخلية والخارجية، مما سيجبر الغرب بما فيهم أمريكا على الانصياع له، والنزول عند حقوقه المشروعة، وهذا ما ستؤكده الأيام.
المراجع
1 – حادثة تفجير مقر الحزب الجمهوري الاسلامي فضح تيار النفاق
http://www.taghribnews.com/ar/report/338863
2 – سورة آل عمران الآية 103
3 – سورة الأنبياء الآية 92
4 – سورة التوبة الآية 71
5 – صحيفة الامام ج20ص 93/94