السبت , 28 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

الحجر الصحي الموجّه.. بين سيناريو “الوعي” و”اللاّوعي” بـ”كوفيد-19″

#الناشط_السياسي محمد إبراهمي |

تختلف أزمة فيروس كورونا عن غيرها من الأزمات في كل بلدان العالم مما دفع بالحكومات لإتخاذ تدابير غير مسبوقة للحد من انتشار الفيروس وسببت شلل تام في كل القطاعات، وأجبرت جميع الدول على تطبيق إجراءات صارمة بالحجر الصحي في محاولة لتقليل انتشاره الذي يزداد يوميا ومنعت الدخول إليها أو الخروج منها وهي تعتبر أسوأ أزمة على الإطلاق على جميع الأصعدة إضافة إلى تداعياتها الصحية والإقتصادية والإجتماعية..

تحديات كورونا على تونس ليست صحية فقط إضافة إلى كونها لها تأثير على تحقيق العدالة الاجتماعية والتأثيرات الاقتصادية والصحية والسياسية، ويبدو أن خطة مجابهة كورونا كانت ناجحة نسبيا في البلاد والتصدي للجائحة بإمكانيات متواضعة ولكن بمعنويات عالية بإتخاذها كل التدابير الاحترازية لإحتواء الفيروس بالحجر الصحي التام إلا أنها ألقت بظلالها على المستوى الإقتصادي والإجتماعي المتأزم مما دفع بالبلاد لإتخاذ إجراءات إستثنائية بالحجر الصحي الموجه..

مع دخول البلاد إلى المرحلة الثانية من استراتيجية مكافحة فيروس كورونا، بالانتقال من مرحلة تقييد الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للعودة إلى الحياة الطبيعية، مع استمرار عدد محدود من القيود بالحجر الصحي الموجه..

هذا الانتقال لتخفيف إجراءات الحجر الصحي الشامل يحتاج إلى قدر كبير من التأمل والتقييم على أساس مدى الالتزام بالمعايير التي تقوم عليها قرارات تخفيف الحجر، والقيود على الأنشطة والتنقلات واهمها كيفية وعي او مدى إلتزام هذه القطاعات المعنية بالحجر الصحي الموجه والمجتمع في حد ذاته بهذه القرارات التي تعد في غاية الأهمية من خلال العودة للنشاط التدريجي وتخفيف للإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدف إلى تخفيف عبء الأزمة الراهنة بسبب وباء فيروس كورونا، والحد من تبعات قرار الحجر الصحي الشامل على الشرائح الاجتماعية وعلى النسيج الاقتصادي لعودة نسق الحياة تدريجي بالحجر الصحي الموجه وبالتالي ضرورة الحذر الشديد من تفشي كورونا من خلال هذه الإجراءات التي وضعت الحكومة بين مأزق أزمة كوفيد-19 وتحدياته الإقتصادية والإجتماعية وغليان شعبي وشيك وتململ اصحاب المهن والقطاعات جراء التمديد ومأزق الرفع التدريجي بالحجر الصحي الموجه وتبعاته الصحية ان لم يلتزموا المعنيين بهذه القرارات بالإجراءات اللازمة الوقائية والإحترازية لمنع إنتشار فيروس كورونا خصوصا بعد المرحلة المتقدمة والنجاح النسبي في التصدي للجائحة في تونس..و بالتالي لا يمكن بأي شكل من الأشكال الإستهانة والإستهتار بهذا الوباء حتى لا نعود لمرحلة الخطر وعلى الجميع تحمل المسؤولية حتى تتجنب البلاد ما لا يحمد عقباه..

ستسمح سياسة الحجر الصحي الموجه بالسماح لبعض القطاعات بالعودة إلى النشاط الاقتصادي، وتخفيف قيود الحجر بداية من 4 ماي القادم، وهو ما قد ينعش فيروس كورونا من جديد قبل ان ينعش الإقتصاد إذا لم تلتزم القطاعات المعنية بالعودة لسالف نشاطها وكذلك بعض من فئات المجتمع بالإجراءات اللازمة الوقائية لتفادي إنتشار كورونا.. ويبدو ان الحكومة ستخوض مغامرة صحية فرضها عليها الوضع الاقتصادي بالتزامن مع امكانية ظهور موجة انتشار جديدة، وبالتالي مأزق الأزمة الإقتصادية والإجتماعية يدفع بالحكومة لإتخاذ هذه القرارات التي تستوجب درجة عالية من الحذر واليقظة والإلتزام بالتعليمات الوقائية لمنع تفشي كورونا..

المرحلة الثانية بعد الحجر الصحي الشامل والمرور للرفع التدريجي الموجه لا بد من التقيد بمبدأ التباعد الاجتماعي الإجباري وبالتالي فهو يختلف عن التباعد الاجتماعي في فترة الحجر الصحي التام لأنه لا احد يستطيع أن ينكر الصعوبات التي تمر بها البلاد على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، تزامنا مع تفشي الجائحة وأصبح الوضع حساس ودقيق جدا وخطير ولا مجال للتهاون ولا التعويل على فئة صغيرة قد تعصف بالبلاد ومؤسساتها باللامبالاة واللامسؤولية سواء كانوا من الأطياف السياسية أو المجتمعية..

يبدو أن البعض مستاء من قرارات الحجر الصحي الموجه وتبعاته الصحية والبعض الآخر يدعو بشدة لها، فمطالب العديد من التونسيين أكبر بكثير مما يتصور البعض، في ظل وجود طبقة اجتماعية هشة لا يمكنها تحمل أكثر مما تحملت وكما أن منحة البطالة الفنية لا تكفي، وهناك مخاوف من التمرد على الحجر الصحي، ويبدو ان القطاعات والمؤسسات الخاصة وأصحاب المهن والعمال بنظام العامل اليومي يطالبون بالرفع التدريجي لعودة نسق الحياة وكما ان الوضع الإقتصادي والإجتماعي يواجه العديد من التحديات جراء التمديد في الحجر الصحي الشامل وبالتالي التداعيات ستكون مكلفة على البلاد ان لم تتخذ الحكومة هذه القرارات الجريئة.. وكما انها تخشى من أن يهدد هذا السيناريو جهودها في السيطرة على فيروس كورونا ومحاصرته ويساهم في المزيد من تفشي الوباء وهو السيناريو الأخطر الذي لا يدركه البعض او ربما مجبرين على الدفع نحوه جراء الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المتأزمة والغير مسبوقة بسبب تداعيات جائحة كورونا والحجر الصحي الشامل..

السيناريو المحتمل أثناء الحجر الصحي الموجه هو إذا لم نلتزم بأعلى درجات اليقظة والحذر سيكون له تداعيات وخيمة على الشعب وعلى الدولة في حد ذاتها وهي مسؤولية صعبة ملقاة على عاتق الحكومة لوضع إجراءات وقرارات جريئة ومؤلمة لمجابهة الجائحة ومراقبة كل القطاعات المعنية بالحجر الصحي الموجه ويستوجب حالة وعي من الشعب وتكريس مبدأ التباعد الاجتماعي.. ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺗﺘﻄﻮﺭ ﺑﻨﺴﻖ ﺳﺮﻳﻊ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻧﺘﺸﺎﺭ ﻛﻮﺭﻭﻧﺎ .. لا يمكن الإستهتار بهذا الوﺑﺎﺀ العالمي ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻮﺍﺟﻪ ﺑﻮﺣﺪﺓ ﺻﻤﺎﺀ ﻭﺗﻀﺎﻣﻦ ﻭﺗﻜﺎﺗﻒ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﺩﺍﺕ ﺩﻭﻥ ﺣﺴﺎﺑﺎﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻭﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﻭﺻﺮﺍﻉ على جائحة الأشد فتكا بالبشرية..

بشكل عام التصدي لفيروس كورونا ونجاح الحجر الصحي الموجه يرتبط بمعادلة صعبة بين ” الوعي” واللاوعي “..

فالنجاح ليس فقط أثناء الأزمة الوبائية فحسب بل أيضا لا بد من التفكير في وضع تونس والتحديات الإقتصادية والإجتماعية ما بعد كورونا.. لأن العالم مابعد كوفيد” التاسع عشر ” لن يكون كما قبله

 

 

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024