الجمعة , 22 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الحرب مع إيران ستحل مشاكل ترامب أم ستنهي الوجود الأمريكي في المنطقة؟…بقلم محمد مصطفى العمراني

في الأسبوع الماضي شهدت مياه الخليج توترا بين البحرية الأمريكية والبحرية الإيرانية وقد رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منسوب التوتر حين أمر في 22 أبريل نيسان الجاري ” البحرية الأمريكية بتدمير أي زوارق إيرانية تتحرش بسفن الولايات المتحدة ” وعلى إثر هذا التهديد الأمريكي انطلقت مئات التحليلات التي تحدثت عن مآلات هذا التهديد وهل يمكن أن يتطور إلى حرب أمريكية ايرانية تكون مياه الخليج ساحتها الأولى ؟!

البعض رأوا بأن ترامب وبعد الانهيار الكبير في الإقتصاد الأمريكي بسبب الحجر الصحي اثر تفشي جائحة كورونا في الولايات المتحدة والتي استنزفت الخزينة الأمريكية مئات المليارات إضافة إلى إنهيار أسعار النفط الأمريكي والانتقادات الكبيرة التي وجهت لإدارة ترامب لهذه الأزمات ولذا صارت الحرب مع إيران الخيار الأمثل لترامب حيث سترفع الحرب في حال اندلاعها أسعار النفط الأمريكي والعالمي وتوحد الجبهة الداخلية الأمريكية وتحرف الأنظار عن فشل وتخبط الإدارة الأمريكية في معالجة أزمة كورونا وانهيار أسعار النفط الأمريكي ، وهؤلاء الذين يتحدثون عن خيار الحرب الأمريكية مع إيران يحاولون تعزيز هذا الطرح بأن ترامب قادم على استحقاق انتخابي في العام القادم ويحتاج لنصر حاسم يرفع أسهمه لدى الناخب الأمريكي بعد تزايد الانتقادات الموجهة له وتراجع شعبيته خاصة وأن واشنطن ترى في النظام الإيراني أبرز عامل تهديد للاستقرار في الشرق الأوسط وبات يهدد بشكل كبير وجود القوات الأمريكية في العراق خصوصا ومصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة عموما وأن إيران ماضية في تصعيدها ضد الوجود الأمريكي في العراق والمنطقة وقد أجرت مؤخرا مناورات بحرية وتحرشت بسفن أمريكية في الخليج كما أطلقت إيران في 22 أبريل نيسان الجاري أول قمر صناعي عسكري من صنع إيراني وهو الأمر الذي أغضب واشنطن لأنه جعل قواتها في المنطقة والعالم تحت أعين قادة الحرس الثوري الإيراني وكشف عن تطور  كبير في الصناعات العسكرية الإيرانية رغم كل التحديات والعقوبات الأمريكية التي بلغت حدودها القصوى .

* حقائق هامة عن القدرات البحرية الإيرانية

نتفق مع مجمل ما طرحه هؤلاء الذين يرجحون خيار التصعيد الأمريكي مع إيران ولكن غاب عن أذهان هؤلاء الذين يرون بأن ترامب الذي يحتاج لنصر حاسم وسريع يرفع أسهمه في المعركة الإنتخابية القادمة والذين يتحدثون في الوقت نفسه عن ضربات أمريكية محسوبة ومحدودة لمصالح ايران وحلفائها في الخليج والمنطقة دون أن تتطور لحرب شاملة بين الجانبين وإنما ضربات محدودة ومركزة وعلى أهداف محددة سلفا حيث حددت واشنطن مؤخرا 122 هدفا ايرانيا سيتم ضربها في حال استهدفت ايران مصالحها وأن هذه الضربات المحددة ستؤدي الثمار والنتائج المطلوبة لترامب في هذه الفترة ، ولكن غاب عن أذهان هؤلاء أن واشنطن اذا غامرت وتهورت ودخلت في حرب سريعة ومحدودة مع ايران ستبدأ الحرب ضد إيران لكن إيران وحلفائها هم من سيكتبون نهاية الحرب لأن دخول الحرب أمر سهل لكن الخروج منه هو الأصعب ناهيك عن أن يكون هذا الخروج قد حمل معه الأهداف المرجوة منه .!

واذا استعرضنا التوترات البحرية بين واشنطن وطهران ومنذ الثمانينات إلى اليوم حيث كانت إيران في أوج انشغالها بالحرب مع العراق سنجد بأن واشنطن  قد تحاشت الدخول في حرب ضد طهران في مياه الخليج لكلفتها الباهضة الثمن فقد تسببت الحرب العراقية الإيرانية بإغراق 250 ناقلة نفط بين عامي (1984-1988) كما ردت إيران على الدعم الأمريكي لنظام العراق بزراعة الألغام في مضيق هرمز وأطلقت قواتها قوارب هجومية ضد كل من الناقلات والسفن الحربية الأميركية وتم إغراق الناقلة الأميركية (إس إس بريدجستون) بتاريخ يوليو 1987 بلغم إيراني حيث كانت هذه الناقلة فخر الصناعة البحرية الأمريكية وقد ردت واشنطن حينها بقصف رصيفين بتروليين عائمين تابعين لإيران وأغرقت البحرية الأمريكية 3 سفن ايرانية وأصابت فرقاطتين إيرانيتين أخريين كما قامت بعد ذلك بعمل انتقامي بشع ولا إنساني وهو إستهداف طائرة ركاب مدنية إيرانية مما أدي لمقتل 300 راكب وهي ذكرى مؤلمة لم تنسها إيران حتى اليوم وما حدث حينها من مواجهة ايرانية قوية للبحرية الأمريكية حيث ألحقت أضرارا كبيرة بالبحرية الأمريكية واغرقت أهم سفنها يشكل درسا تاريخيا لواشنطن لن تنساه حتى اليوم وهذا أولا .

* العجر الأمريكي المزمن عن هزيمة إيران

… وثانيا تدرك واشنطن ان البحرية الإيرانية في مياه الخليج كانت قد بلغت في الثمانينات كل تلك القوة والجاهزية وامتلكت الإرادة لمواجهة بحرية أقوى دولة في العالم وذلك أثناء ضعف إيران التي استنزفت قواتها وقدراتها في حرب مدمرة مع العراق ولسنوات طويلة فكيف سيكون الرد الآن بعد أكثر من ثلاثة عقود من تلك الحرب وبعد أن مرت البحرية الإيرانية بمراحل كبيرة من التطور والتحديث والجاهزية القتالية الكبيرة ؟!

لقد تناسى أولئك الذين يحرضون واشنطن على خوض مغامرة الحرب ضد إيران باعتبارها الخيار سيحل مشاكل ترامب ويغطي على فضائحه ويرفع أسعار النفط ويرفع أسهم ترامب الانتخابية ويوحد الجبهة الداخلية الأمريكية ويقضي على التهديد المستمر لمصالح واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط إلى غيرها من المزايا والحلول التي يعددونها لهذه ” الحرب المحدودة ” التي يجهلون نتائجها ويتناسون عواقبها الوخيمة على الجميع في المنطقة وأولهم المصالح الأمريكية والقواعد العسكرية الأمريكية في العراق والخليج وآلاف الجنود الأمريكيين الذين هم تحت سمع وبصر إيران وحلفائها ولن تحميهم منظومة الباتريوت التي تم جلبها إذا حدثت الحرب وتم امطار تلك القواعد بآلاف الصواريخ .

* إيران اليوم غير إيران الثمانينات

واذا كانت واشنطن قد تحاشت الدخول بحرب مع إيران منذ الثمانينات حيث كانت إيران في مرحلة ضعف واستنزاف خلال الحرب مع جارتها العراق وكان محيطها العربي شبه موحد ضد ايران ويقف بكل قدراته خلف العراق وكانت إيران بلا حلفاء في المنطقة فإن الوضع اليوم قد اختلف كثيرا فالنظام العراقي قد انتهى وصارت العراق حليفة لإيران كما انتهى ذلك التحالف العربي ضد ايران التي عالجت آثار الحرب ونهضت وطورت قدراتها العسكرية كثيرا وصار لديها ترسانة ضخمة من الصواريخ البالستية والعابرة للقارات والقادرة على حمل رؤوس نووية والوصول إلى أوربا وصار لديها حلفاء أقوياء بالمنطقة ينضوون تحت لواء محور المقاومة التي تقوده إيران ولديهم قدرات عسكرية كبيرة جدا وقادرون على ضرب العمق الإسرائيلي وضرب المصالح الأمريكية في المنطقة وإيقاف الملاحة الدولية في مضيقي هرمز وباب المندب فضلا عن استهداف مصالح حلفاء واشنطن في المنطقة من آبار النفط إلى أبراج المال ولعل سقوط صاروخ إيراني واحد في دبي وآخر في أبو ظبي كفيل بتحطيم أسطورة الإمارات التجارية والاقتصادية وتحويلها إلى دولة منكوبة وفي ذيل قائمة دول العالم الثالث أما السعودية فقد ادركت فداحة استهداف حلفاء إيران لشركة أرامكو وكيف جعلها هذا الاستهداف توقف تصدير نفطها وتخفض إنتاجها إلى النصف أو أكثر لفترة طويلة رغم ان هذا الاستهداف كان بطائرات مسيرة وليس بقصف صاروخي مكثف وبصواريخ متطورة .

* خسائر واشنطن في حروبها كافية لمنع اي حرب

قلت سابقا وأعيد اليوم قولي بأن ”ترامب تاجر يتقن الحلب ولا يجيد الحرب” والتاجر ورجل الأعمال يحسب ألف حساب للمكاسب والخسائر وفي هذه المقامرة التي استبعدها فإن الخسائر ستكون مؤكدة والنتائج وخيمة وكارثية بكل تأكيد فواشنطن خسرت في حربها في أفغانستان نحو تريليون و70 مليار دولار إضافة إلى مقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي وإصابة عشرات الآلاف بجراح وتشوّهات، وإعاقات دائمة وها هي تنسحب وتسلم أفغانستان لطالبان وفي العراق خسرت واشنطن في العراق ترليون و800 مليار دولار واكثر من 33 ألف قتيل من الجيش الأمريكي المرتزقة وما يقارب ربع مليون جريح وهذا بحسب تقرير اللجنة الاقتصادية المشتركة التابعة للكونغرس الأميركي وكذلك الدراسة الرصينة التي نشرها كل من البروفسور جوزيف ستيغليتز عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، والدكتورة ليندا بيلميز الأستاذة في جامعة كولومبيا، واعتمدا فيها على عشرات الوثائق الرسمية وبمعاونة جمعية المحاربين القدامى الأمريكية وقد نشر هذا التقرير في ”الجزيرة نت” بتأريخ 5 مايو أيار 2009م تحت عنوان ”الحصاد المر .. الخسائر الأمريكية الحقيقية في العراق” وفيه أرقام صادمة وإحصائيات مفزعة فهال ستخوض واشنطن الآن الحرب ضد ايران وهي عاجزة عن مواجهة وباء كورونا وفي حالة انهيار اقتصادي وهناك أكثر من 25 مليون أمريكي فقدوا وظائفهم بسبب وباء كورونا؟!

* الموسسات الأمريكية ضد الحرب مع إيران

واذا كانت إدارة ترامب ستقامر فعلا وتخوض هذه الحرب ضد إيران فإن المؤسسات الأمريكية الرسمية باتت تدرك مخاطر مثل هذه الحرب على المصالح الأمريكية أولا وعلى السلم العالمي ولذا  أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بتأريخ 14 فبراير شباط الماضي تشريعا يحد من قدرة الرئيس دونالد ترامب على شن حرب على إيران دون موافقة الكونغرس حيث أعتبر الكونجرس الأمريكي هذه الخطوة ستجعل الولايات المتحدة أقل أمانا أمام إيران.

وقد أقر الكونجرس هذا التشريع بعد ساعات من إعلان البحرية الأمريكية أنها حجزت أسلحة على مركب إيراني في بحر العرب.

كما صادق مجلس النواب الأمريكي بتاريخ 11مارس اذار الماضي على قرار يحد من قدرة ترامب على شن عمل عسكري ضد إيران .

وهذا التقييد لصلاحية ترامب ضد اي قرار له بشن الحرب ضد إيران يأتي لإدراك المسؤولين الأمريكيين لخطورة مثل هذه الحرب على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط مع أن أوضاع واشنطن  كانت حينها أفضل بكثير من الآن حيث بدأت بالتحول لدولة منكوبة ومن دول العالم الثالث تستجدي المساعدات الصحية ولا تمتلك سوى الوعيد والتهديد .

وختاما نؤكد بأن التوتر الأمريكي الإيراني في الخليج ليس وليد الأمس القريب بل هي منذ عقود وكل ما سيحدث هو تحركات مدروسة من إيران وحلفائها لدفع واشنطن لسحب قواتها من المنطقة واثبات هيمنة البحرية الإيرانية على مياه الخليج وتحكمها بمضيق هرمز وخطوط الملاحة بالخليج وفي حال حدوث استهداف للبحرية الأمريكية سترد واشنطن بالتهديد والوعيد وفي أسوأ الأحوال سيكون الرد الأمريكي محدود جدا ولن تنجر إلى الملعب الإيراني لتهزم إلا اذا أراد الله أن تكون نهاية الوجود الأمريكي في المنطقة على أيدي قوات إيران وحلفائها فهذا أمر آخر ولله الأمر من قبل ومن بعد .

 

* باحث في الشأن الإيراني

شاهد أيضاً

حرب من ضدّ من !؟

حين تسارع “محميات” الخليج، التي تنتشر على أراضيها وفي موانئها عشرات القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024