مع مطلع عام 2019 وفي ظل انتصارات الجيش العربي السوري المدوية على الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تعمل بالوكالة لدى العدو الأمريكي على كامل الجغرافيا العربية السورية، قرّر الأصيل في هذه الحرب استخدام أساليب جديدة للعدوان على سورية بعد فشل مشروعه العسكري، ووجد في ورقة الحصار الاقتصادي التي عرفت بما يسمى «قانون قيصر» إحدى أهم أدوات الحرب، وأعتقد العدو الأمريكي أن ما لم يستطع تحقيقه بالحرب العسكرية على مدار ثماني سنوات يمكن تحقيقه بالحصار الاقتصادي في مدى زمني أقل.
فالشعب العربي السوري الذي زادت ثقته في قيادته السياسية عبر سنوات الحرب يمكن في نظر أمريكا أن يفقد هذه الثقة مع تشديد الحصار الاقتصادي عليه بهدف عدم إتاحة الفرص لحلول اقتصادية سريعة وناجزة من قبل الحكومة أمام المشكلات الناشئة بفعل الحصار مثل غياب بعض السلع الأساسية من الأسواق خاصة المحروقات في ظل استمرار سيطرة العدو الأمريكي على آبار النفط، هذا إلى جانب استهداف العقوبات الاقتصادية العدوانية مجالات استراتيجية حيوية كقطع الغيار في العديد من الصناعات، وسياسة التجويع بتعطيش الأسواق من السلع والمواد الغذائية، ومحاولة مد الحصار ليشمل الأدوية، وفي ظل هذا الحصار ترتفع أسعار السلع تدريجياً، فيؤدي التضخم والغلاء إلى زيادة المعاناة، وبذلك تنفجر الجماهير وتتحقق الفوضى التي لم تحدث أثناء سنوات الحرب، وذلك وفق السيناريو الأمريكي.
وبالطبع، تعتمد سياسة الحصار الاقتصادي للعدو الأمريكي على نظريات عدة في مجال علم النفس الاجتماعي أو علم النفس الجماعي أو علم نفس الجماهير، وهنا يمكن الإشارة لكتاب عالم النفس الفرنسي الشهير جوستاف لوبون «سيكولوجية الجماهير» الذي حاول من خلاله مواجهة الأفكار الداعمة للحركات الاشتراكية والعمالية التي تعتقد أن الحراك الجماهيري واع وعقلاني، إذ يرى لوبون أن كل كوارث الماضي القريب التي مُنيت بها فرنسا وكل هزائمها والصعوبات التي تواجهها تعود إلى هجوم الجماهير على مسرح التاريخ وعدم معرفة مواجهته، ويؤكد أن ضعف النظام الديمقراطي البرلماني الذي تولد عن الثورة الفرنسية يعود إلى الجهل بقوانين علم النفس وطرائق تسيير الجماهير.. لقد كان لوبون يشعر بالاحتقار نحو الجماهير الشعبية ويؤكد أن روح الجماهير مكونة من الانفعالات البدائية التي دائماً ما تكون بعيدة عن المنطق والعقلانية، وكان يؤكد أنه، وكما تخضع روح الفرد دائماً لإيعازات وتحريضات القائد الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها، فإن الجماهير الشعبية تخضع هي الأخرى للقاعدة نفسها إذا تمكنا من امتلاك الأدوات والأساليب التي تمكننا من فرض إراداتنا عليها.
وعبر كتاب سيكولوجية الجماهير وضع لوبون القواعد التي يمكن من خلالها التأثير في الجماهير وتوجيه حركتها، إذ ركز على الخصائص العامة للجماهير والقانون النفسي لوحدتها الذهنية، وعواطفها وأخلاقياتها، وأفكارها وخيالها وآرائها وعقائدها، ومحركي الجماهير ووسائل الإقناع التي يمتلكونها، ومحدودية تغير كل من عقائد الجماهير وآرائها، وأخيراً تصنيف الفئات المختلفة من الجماهير ودراستها، ويحاول العدو الأمريكي استخدام القواعد التي طرحها لوبون على الجماهير الشعبية داخل مجتمعاتنا العربية عامة والمجتمع العربي السوري خاصة.
لكن ما يجهله العدو الأمريكي أن هناك شعوباً مقاومة، وهذه الشعوب لا يمكن أن تنخدع بما يصنعه العدو من أزمات، ومنها الحصار الاقتصادي بهدف فرض إرادته على هذه الشعوب وقياداتها السياسية من أجل (إجبارها على التبعية)، ومن هذه الشعوب الشعب العربي السوري الذي يمتلك سيكولوجية مقاومة نتيجة وعيه وعقلانيته التي يسعى العدو الأمريكي لتزييفها، لكن هيهات أن يحدث ذلك فالقيادة السياسية السورية التي أدارت الحرب العسكرية بما حقق انتصارات كبيرة على الإرهاب خرجت على الجماهير الشعبية لتؤكد لها أن الحرب على سورية بدأت تأخذ شكلاً جديداً أساسه الحصار والحرب الاقتصادية، وبذلك انتبه الشعب لما هو مُقدم عليه، وبدأت تحركات القيادة السياسية بمجموعة من الإجراءات غير التقليدية لمواجهة الحصار الاقتصادي، وهو ما جعل الشعب أكثر ثقةً في قيادته.
ففي الوقت الذي تحرك فيه العدو الأمريكي معتمداً على الحصار الاقتصادي- باعتباره أحد الأساليب التي تحرك الجماهير غير الواعية تجاه قيادتها السياسية – كان هناك تحرك مضاد لكشف مؤامرته من قبل القيادة السياسية الوطنية التي تثق فيها جماهيرها الشعبية، ومكاشفتها بحقائق الأمور.. وهنا تُصنع سيكولوجية المقاومة، ويفشل الحصار الاقتصادي، ويعد النموذج الإيراني أحد أهم النماذج المعبرة عن هزيمة السياسة الأمريكية، فعلى مدار أربعة عقود كاملة من الحصار الاقتصادي لم تنجح الإمبريالية الأمريكية في دق إسفين بين القيادة السياسية والشعب الذي يمتلك سيكولوجية المقاومة، لذلك، يجب على شعوبنا العربية أن تتحلى بسيكولوجية المقاومة، فهي الحل الأمثل في مواجهة سياسات التجويع الأمريكية.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
*كاتب من مصر