لا حديث هذه الأيام إلا عن الإنتخابات الرئاسية الجزائرية والعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة التي انقسم حولها الشارع الجزائري بين رافض ومؤيد ولكل أسبابه. فالجزائر دولة محورية في المنطقة وتمثل صمام أمان في ظل الأوضاع الإستثنائية التي يعيشها المغرب العربي بفعل تفشي الإرهاب واستهداف بلدين مغاربيين بمشروع الفوضى الخلاقة أو الربيع العربي ناهيك عن قضية الصحراء الغربية التي لم تجد طريقها إلى الحل.
لذلك تحبس الأنفاس أمام ما يحصل في بلد المليون شهيد الذي يعرف تحولات يقال انها عميقة ويشهد مرحلة مهمة في تاريخه الحديث لا تقل أهمية عن مرحلة الإستقلال وبناء الدولة وعملية إعادة الأمن والإستقرار بعد العشرية السوداء. ويخشى من تدخلات خارجية ومؤامرات دولية وإقليمية قد تعبث بأمن واستقرار البلد المترامي والغني بالثروات الطبيعية من الموارد الطاقية والمنجمية.
نضج ومسؤولية
ولعل اللافت في الحراك الرافض للعهدة الخامسة هو سلمية الإحتجاجات، حيث أظهر الشعب الجزائري أنه شعب ناضج ومسؤول يحفظ ممتلكاته العامة والخاصة ويبتعد عن الفوضى قدر المستطاع. كما رفض الجزائريون أي تدخلات خارجية سواء من فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وتم رفع شعارات ترفض أي تدخل على غرار ما حصل في ما يسمى “ثورات الربيع العربي” التي سمحت حتى للصهاينة على غرار برنار هنري ليفي بالركوب على الحدث.
ولعل وقوف الجيش الجزائري على مسافة واحدة من فريقي المعارضة والموالاة ساهم في عدم خروج هذه الإحتجاجات عن السيطرة وفي عدم دخولها إلى الحلقة المفرغة من العنف والعنف المضاد. يضاف إلى ذلك الخشية الجماعية لدى عموم الشعب الجزائري من تدهور الأوضاع التي قد تعود به إلى تلك العشرية السوداء الدموية التي لم تعد هناك رغبة في تكرارها.
استجابة السلطة
ويحسب للرئيس بوتفليقة اتخاذه لقرار عدم الترشح للإنتخابات الرئاسية التي تم تأجيلها في كل الحالات في انتظار الإعداد لمرحلة انتقالية يشارك فيها الجميع في صياغة مستقبل الجزائر ودون إقصاء لأي طرف. ولعل اعتبار البعض أن بوتفليقة قد أنقذ الجزائر مرتين، مرة بإخراجها من العشرية السوداء ومرة بقطع الطريق على المتربصين بها والهادفين الى زعزعة امنها واستقرارها يؤكد على أهمية هذه الخطوة التي أقدم عليها ساكن المرادية الذي ناضل ضد الإستعمار الفرنسي وساهم في بناء الدولة مع الراحل الهواري بومدين ثم أنقذ الجزائر من عشريتها السوداء الدموية.