جنان العبيدي|
احتضنت مدينة الحمامات امس الخميس 10 ماي 2018 مؤتمرا لتدارس أوضاع العراق بعد 15 سنة من احتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتغيير نضامه بالقوة وما نجم عن ذلك من أوضاع بالغة السوء.
وفي مداخلته قال الدكتور عادل خضير عبد العزيز الدوري، رئيس لجنة الصحة في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات، ان النظام الصحي في العراق قبل ثلاث عقود مضت كان من بين الافضل في الشرق الأوسط مستندا على راس المال من المركز ونظام المستشفيات الصحيح بكل مؤسساته وملحقاته و اعتمدت البلاد بنطاق واسع على استيراد المعدات والادوية الطبية الحديثة آنذاك وقد سعت الدولة في العراق الى تقديم الخدمات الصحية والعلاجية لمواطنيها كافه عبر المؤسسات الصحية العامة مجانا في تلك الفترة.
الحروب المتتالية وانعكاساتها على الوضع في العراق
لقد تاثر الوضع الصحي في العراق بشكل سلبي بالتطورات التي مر بها العراق في الثمانيات وقد تمثلت في ثلاثة حروب كبيرة :
– الحرب العراقية الايرانية -حرب الخليج الاولى 1980-1988
-حرب الخليج الثانية 1991
-الغزو الامريكي للعراق عام 2003
وقال الدوري ،” فضلا عن الحصار الجائر الذي استمر ثلاثة عشر سنة، و تاثيرات هذه الاحداث على الصحة يتجاوز كل الابعاد والمؤشرات المعتمدة تقليديا في هذا المجال الى ماهو اخطر من ذلك بكثير فهي طالت بشكل مباشر الحق في الحياة والبقاء الجسدي لما تسببت به من خسائر بشرية كبيرة في الارواح كذلك لما تسببت به من اعاقات وامراض واصابات طالت مئات الالوف من سكان العراق وللظروف الصعبة التي عاشها المواطن العراقي خلال فترة الحصار الاقتصادي الجائر المفروض دوليا بعد عام 1991 التي اثرت بشكل كبير على حقه في الحصول على مقومات الحياه الاساسية وخاصة من الغذاء والدواء اذ بدأ مؤشر توقع الحياة في تناقص (59عام) كما اظهر المسح الذي اجري عام 1996 .
وان هناك 30 الف طفل من كل 950 الف طفل مصاب بسوء التغذية المزمن كما تضاعفت حالات وفيات الامهات خلال فترة الحصار ثلاث مرات فبلغت 273 حالات وفاة لكل 100 الف من المواليد الاحياء وان 70% من النساء الحوامل في فترة الحصار الجائر يعانين من فقر الدم مما يعرضهم لخطر الوفاة .
و ان نسبة العوق الصحي حسب مسح الاحوال الصحية و المعيشية خلال فترة الحروب الثلاثة والحصار الجائر ارتفعت من 0,9 % من مجموع السكان عام 1977 الى 6% عام 2003 .
على الرغم مما حققه العراق من تحسن نسبي في اوضاع الصحة والمستوى المعيشي الى حرب الخليج الثانية 1991 الا ان الاوضاع الصحية باتت تواجه اخفاقات كثيرة، وشهدت مؤشرات الصحة العامة في مستوى ونوعية الخدمات التي قدمتها تلك المؤسسات الصحية قد تراجع خلال عقد التسعينيات بسبب ما كانت تفتقر اليه المؤسسات الصحية من المستلزمات الصحية والعلاجية نتيجة للحصار الجائر الاقتصادي المفروض دوليا على العراق والذي كان بمثابة حرب اقتصادية سلاحها الحرمان وهدفها الابادة الجماعيه للشعب العراقي .
الوضع الصحي العام بعد الاحتلال : تدهور متصاعد وامراض متزايدة وقاتلة
وبعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وفي لمحة عن الوضع الصحي قال الدوري، “جاء الاحتلال ليقضي على ما تبقى من قدرات هذه المؤسسات في تقديم الرعاية الصحية المطلوبة للمواطن بسبب عدم قيام سلطات الاحتلال بواجبها اتجاه حماية المؤسسات، حيث خسرت هذه المؤسسات معظم قدراتها الفنية نتيجة نهب وسلب كافة محتوياتها ومستلزماتها من الاجهزة الطبية وغير الطبية وباتت عملية ارجاع المؤسسات الصحية الى وضعها الطبيعي ضرب من الخيال وبدأ ذلك بصرف مبالغ كبيرة على اعادة بناء وتأهيل بنايات المؤسسات الصحية وهذا خطأ كبير بحد ذاته لان هذه البنايات اصبحت غير صالحة ليس معماريا او مدنيا فقط بل صحيا وضاعت هذه المبالغ هباءا وكان لتفشي الفساد الاداري في معظم مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة الصحية الحصة الأكبر، حيث ان هذا التراجع في مستوى الخدمات والرعاية الصحية انعكس سلبا على حق الانسان في الحصول على رعاية صحية تؤمن له حياة صحية وصحيحة ولغرض الوقوف على مستوى الخدمات الصحية المقدمة ومسؤلية الدولة القانونية والاخلاقية اتجاه تهيئة بيئة سليمة يتمتع فيها الفرد بحياة سعيدة وسليمة .
وواصل الدوري، لذلك نجد ان الدستور العراقي الجديد الذي تم الاستفتاء عليه عام 2005تضمن هذه الحقوق و اكد على :
1- تكفل الدولة الحق بالرعاية الصحية لكل افراد المجتمع من خلال قيام الدولة بتأمين وسائل الوقاية والعلاج واقامة المستشفيات والمستوصفات ودور العلاج .
2-رعاية الدولة لذوي الفئات الخاصة من المعوقين وتأهيلهم بغية دمجهم بالمجتمع .
3- ان الدولة تكفل حماية البيئه والتنوع الاحيائي والحفاظ عليها .
ان ما اشار اليه الدستور خطوة مهمة بعد ان تعرض الانسان العراقي الى حرمانه من ابسط الحقوق في الحصول على الدواء والعلاج بعد انهيار الدولة العراقية عام 2003 ونهب كل مؤسساته الصحية وتدمير بيئته الصحيه السليمة بعد القصف العنيف والتفجيرات واستخدام جميع الاسلحة الفتاكة بما منها يحتوي اليورانيوم المنظب مع ان الدستور لم يشر الى كيفية تنفيذ حق الفرد بالعيش بظروف سليمة وترك ذلك الى صلاحيات الاتحاد لرسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث وهذا خطأ كبير للتعامل مع الموضوع كانه شيء ثانوي، وتشير بيانات الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات الى ان عدد المؤسسات الصحية العاملة في العراق عام 2006 قد بلغ 904 تقدم خدماتها للمجتمع عبر امكانيات ومستلزمات عمل لا زالت متواضعة.
وأضاف، تأتي المستشفيات في مقدمة المؤسسات الصحية التي تحتضر وتعاني بعد الاحتلال حيث بلغ عددها 204 مستشفى عامة تقدم مختلف الخدمات العلاجية هذا فضلا عن 98 مستشفى اهلي خاص التي اصبحت تقدم خدماتها بشكل واضح نسبيا عما كانت عليه بسبب ما تعاني منه المستشفيات العامة من نقص في التجهيزات والاطباء والكادر الطبي ما انعكس على مستوى الخدمة لاسيما بعد عام 2003 .
ثم مراكز الرعاية الصحية الاولية من خلال مراكز منتشرة في عموم المحافظات العراقية التي بلغ عددها نحو 800، يستقبل المركز الواحد منها نحو 140 مراجعا يوميا مما يشكل ضغطا على نوع الخدمة المقدمة من هذه المراكز وخاصة انها تعاني من قلة الكوادر العاملة فيها ورداءة الابنية التي هي فيها وعدم توفر العلاج الطبي .
ثم العيادات الطبية الشعبية وهي عيادات تقدم خدماتها خارج اوقات الدوام الرسمي وقد بلغ عددها نحو 300 عيادة وهي الاخرى تعاني من تردي ابنيتها ونقص التجهيزات والكوادر والادوية هذا فضلا عن عيادات التامين الصحي تخدم بعض الهيئات والمؤسسات الرسمية الخاصة .
كما ان الملاكات البشرية هي الاخرى كانت قليلة قياسا للمؤشرات الدولية حيث ان الاوضاع الامنية الغير المستقرة والاعتداءات المتكررة على الكثير من الاطباء والكادر الصحي واختطاف عدد كبير منهم مقابل فديه وقتل عدد كبير من الاطباء وعلى رأسهم نقيب الاطباء ورئيس جامعة بغداد الدكتور محمد الراوي داخل عيادته و قد ادى ذلك الى خروج اعداد كبيرة منهم الى خارج العراق مما ادى الى تراجع نسبة الاطباء قياسا الى السكان لتصل 0,6 لكل 10000 فرد من السكان حيث توضح بيانات مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية تراجع عدد الاطباء وكذلك الحال بالنسبة للملاك الصحي الذي لم تزد النسبة عن 1,4 لكل 10000 فرد من السكان.
و نتيجة لهجرة الكوادر الطبية والتعليمية الطبية ادى الى فراغ كليات المجموعة الطبية من اساتذتها اصحاب الخبرة والكفاءات و حملة الشهادات العليا العالمية مما انعكس سلبا على واقع التعليم على طلبة كليات المجموعة الطبية ومستوى خريجيها وبالتالي انعكس سلبا على الفرد العراقي حين يراجع المستشفيات والاطباء فاصبح يعاني من حرمانين الدراية والعناية.
مما ادى الى ذهاب عدد كبير من ميسورين الحال من المواطنين الى خارج العراق للتداوي في ابسط الحالات الطبية وذهاب عدد كبير من المواطنين البسيطين الحال الى خارج العراق لعلاج الحالات المستعصية لعدم ثقتهم بالواقع الصحي العراقي ونشير في ذلك الى ان جميع مسؤولي الدولة بدون استثناء مع عوائلهم يتعالجون خارج العراق في ارقى المستشفيات في الدول المتطورة ولابسط الحالات الطبية وذلك لعدم ثقتهم بعلمية و كفاءة الكوادر العراقية.
ولا ننسى ارتفاع العدد الهائل بين المواطنين في امية التعليم وخاصة في عمر الشباب الابتدائية لتركهم التعليم واتجاههم الى الاعمال المهنية الوقتية مما ادى الى تفشي التخلف الصحي في هذه الطبقه الغير متعلمة .
مؤشرات الصحة العامة
ادت ضروف الاحتلال بعد عام 2003 وتداعياته على المستوى الاجتماعي والصحي الى تراجع بعض مؤشرات الصحة العامة حيث تشير دراسة خارطة الحرمان ومستويات المعيشة التي قامت بها وزارة التخطيط للتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي الى مستوى الحرمان من الخدمات الصحية اذ اوضحت الدراسة ان 31% من الاسر التي شملتها الدراسة كانت محرومة من الخدمات الصحية، اما مستوى الحرمان بالنسبه للافراد فقد بلغ نحو 32% خلال نفس سنة الدراسة مما يشير الى ان 5/1 (خمس) افراد المجتمع العراقي يعانون من حرمان الرعاية الصحية منهم نسبة 8.9% حرمان عالي جدا على مستوى الاسر .
تشمل دراسة مستوى الحرمان المؤشرات التالية :
1 – الامراض المزمنة والمشاكل الصحية .
2 – الحالة التغذوية للاطفال ويتضمن مؤشر الوزن الى العمر للاطفال دون الخامسة ونجد ازدياد نسبة التقزم بالطول نسبة للعمر .اما مؤشر مستوى التغذية فنلاحظ ان 41%من الاسر التي شملتها الدراسة تعاني من الحرمان التغذوي وهذا ما اكدته وزارة التخطيط بانه لا زالت نسبة 42% من سكان العراق يعيشون بمستوى من الفقر حتى نهاية 2012 .
3 – الرعاية الصحية اثناء الحمل ورداءة الخدمات التي تحصل عليها المرأة الحامل .
4- امكانية الوصول الى المستشفى او المستوصف الصحي حيث يستغرق الوصول الى المستشفى اكثر من 60 دقيقة واكثر من 40 دقيقة للوصول الى المركز الصحي، وهذا اصبح وقتا طبيعيا اعتاده المواطن العراقي لكثرة الطرق المغلقة والسيطرات العسكرية والمليشياوية في جميع الطرق وهذا ادى وبدون مبالغة الى ان عدد كبير من المواطنين يفارقون الحياة اثناء نقلهم الى المستشفى .
5- نسبة العوق في العراق وحسب بيانات وزارة الصحة قد بلغ 12% من مجموع السكان اي ان هناك اكثر من 3 مليون فرد معوق بسبب اعمال العنف والاعمال المسلحة والتفجيرات وهذا العدد في ازدياد الى يومنا هذا بسبب الفوضى وانعدام الامن .
الواقع البيئي العام وتاثيره على الواقع الصحي
وعن الوضع قال الدوري، ان التلوث الاشعاعي يهدد سكان العراق بالاورام السرطانية، حيث ان ما شهده العراق من حروب الخليج الثانية 1991 وحرب الاحتلال 2003 والكمية الهائلة من المقذوفات الحربية المتطورة من دول الاحتلال وما تحتويه من اليورانيوم المنضب في ضرب الاهداف العراقية قبيل احتلاله وزيادة مخلفات التلوث الاشعاعي نتيجة لذلك في المدن العراقية بصورة عامة ومحافظة البصرة والمحافظات الجنوبية بصورة خاصة ادى الى زيادة خطيرة في مستويات انتشار الاورام السرطانيه بين المواطنين بنسب غير مسبوقه حيث فاقت 130% في حين يقول المتخصصون في الاشعاعات ان هذه النسبة يجب ان الا تتجاوز 0.3 فضلا عن التشوهات الخلقية لحديثي الولادة مع انعدام الخدمات الصحية الخاصة المحترفة لضحايا الاشعاع الناجم عن الحروب ولترك مخلفات الحروب وهي الاف الاطنان من قطع الحديد المنتشرة في جميع المدن وعدم رفعها او معالجتها او دفنها . وبينت الاحصاءات الصادرة من مستشفى الاشعاع والطب الذري في بغداد ان نحو ثلثي المصابين في السرطان في العراق هم من منطقة البصرة والمناطق المحيطة فيها خصوصا تلك المحاذية للكويت تليها مدينة الفلوجة في محافظة الانبار والتي استخدمت القوات المحتلة فيها اليورانيوم المنضب والفسفور الابيض خلال معركتي الفلوجة الاولى والفلوجة الثانية ثم تليها مدن ذي قار وميسان.
اضافة الى عدم توفر المستشفيات الخاصة للعلاج السرطاني وعدم قدرتها على احتواء هذا العدد ولا توجد ادوية كيميائية ومراكز اشعاع كافية لعدد المصابين .
الطمر الصحي والنفايات واخطاره :
وعن تقاعس الحكومة في اتخاذ إجراءات لازمة لحل مشكلة تراكم النفايات في العديد من مناطق العاصمة العراقية بغداد للحد من ملوثات فيروسية وبكتيرية تودي بحياة المواطنين. قال الدوري، ان مدينه بغداد تعاني من تراكم النفايات في غالبية الشوارع الرئيسة والفرعية منها وخاصة في بعض المناطق الشعبية لتصبح مستنقعات للنفايات تعمل على تشويه وجه بغداد الحضاري وأيضا مصدرا لانتقال الإمراض . وبالنتيجة سبب ذلك تلوثا بيئيا يلحق بالانسان و تلوثا للهواء والمياه والتربة اضافة ان هذه النفايات اثرت على الناحية الجمالية للبيئة .
وان النفايات خلفت الإمراض الوبائية القاتلة كما سببت ظاهرة التلوث المائي ومخلفات المصانع الخاصة والمستشفيات التي تذهب إلى الأنهار تلوثا مائيا بملوثات فيروسية وبكتيرية تؤدي إلى تسمم الإحياء المائية إما بالنسبة إلى مخلفات النفايات الطبية التي تلقى بالقرب من البوابات لمعظم المستشفيات فإنها يمكن إن تنقل البكتيريا و الفيروسات بسهولة، فالإنسان والثروة الحيوانية والاحياء المائية وانخفاض منسوب مياه نهري دجلة والفرات صيفا جعل من مياه الانهر شبه راكدة و ملوثه وانعدام عمليات كري الانهار ونتيجة لرمي مياه الصرف الصحي والمبازل والنفايات فيها ولعدم وجود الرقابة، و قلة عمليات حرق النفايات في بعض المستشفيات فهي تفتقر إلى التحديث في تقنيتها و تؤثر سلبا على حياة الانسان وإذا لم تعالج بشكل مناسب قد تصيب المجتمع بإمراض تودي بحياة المواطنين كما ان مواقع الطمر الصحي في بغداد في أبو غريب والنهروان غير مطابقة للمواصفات الصحية والبيئية العالمية .
المخدرات شبح يفتك بالشباب مصاحبا لمرض نقص المناعة المكتسبة
في هذا الاطار، قال الدوري، ينتشر مرض نقص المناعة المكتسبة الايدز في العراق بعد سنة 2003 بشكل متسارع وسط تفاوت كبير في تقدير اعداد المصابين بالمرض وتقول وزارة الصحة ان حوالي 1500 حالة ايدز سجلت في بغداد وتجمع كافة المصادر حول وجود خلل بالنظام الصحي في العراق وضعف في تطبيق الضوابط الامنية والفحص الطبي خاصة للوافدين الاجانب وما يصاحبه من فوضى ومن جانب اخر انتشار تعاطي المخدرات بشكل كبير بين الشباب وخاصة في المناطق الوسطى و الجنوبية بشكل ملحوظ ومنظم و شبه علني مع ازدياد اعداد تجارها وذلك لعدم وجود رادع من الجهات الامنية و تفشي الفساد الاداري و ظهور مليشيات مسلحة و مافيات مدعومة و متنفذة تدير هذه التجارة الرائدة الان في العراق، ناهيك عن عدم وجود اي مراكز نهائيا لتأهيل المدمنين او برامج لمكافحتها .
الفساد الاداري المستشري في كل مفاصل الدولة سرطان مستفحل
وواصل الدوري من خلال مداخلته، قائلا، الفساد الاداري مستشري في كل مفاصل الدولة و بشكل ملحوظ القطاع الصحي في العراق متمثلا في وزارة الصحة، فعلى الرغم من توفر المال وارتفاع أسعار النفط وتشكيل حكومات ودورات برلمانية متعاقبة، بعد غزو 2003، فإن المؤشرات كلها أكدت استمرار انهيار الوضع الصحي وخدمات البنية التحتية بنحو متواتر، وهو ما يؤكد وجود مخطط متعمد يستهدف القطاع الطبي والصحي والأطباء والأكفاء فيه بتدمير مؤسساته وإنجازاته،وقبل إعلان جورج دبليو بوش الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية انتهاء العمليات الحربية في العراق، كان أكثر من 70 المئة من المستشفيات العراقية، من ضمنها أقسام الطوارئ والإسعافات الأولية، قد دمرت وسرقت.
ولأن الفساد في العراق حالة عامة لذلك لم يكن من المستغرب أن يتغلغل في قطاعه الصحي فمنذ سنة 2003 وحتى سنة2015 أنفقت الحكومة العراقية 17 مليار دولار لخطة تطوير القطاع الصحي في البلاد والنهوض به، إلا أن هذا القطاع لا يزال يعاني من نقص المستشفيات وانعدام الأجهزة وقلة الكوادر الطبية، كما سجّل حالات وفيات قياسية في العامين الماضيين، بالإضافة إلى تلقّي القضاء العراقي ملفات فساد عديدة في المجال الصحي وبناء المستشفيات، من بينها ملف أجهزة السونار والسكانر بقيمة 91 مليون دولار، وملف أجهزة صالات الإشعاع الذري لمرضى السرطان بقيمة 78 مليون دولار. ولم يسلم ملف بناء المستشفيات الجديدة، ومراكز طبية لرعاية الحوامل والأطفال بقيمة 895 مليون دولار من الفساد. وقد ادّعت حكومة العراق، في هذا الصدد، أنها “أعادت إعمار مستشفى غربي البلاد”، قبل أن يتبيّن أن زوجة صحافي ياباني مرافق للجيش الأميركي، قُتل بالعراق، هي من قامت بالتبرّع بقيمة إنشاء المستشفى، وليس كما ادّعت الحكومة، التي ضمنت المبلغ ضمن موازنة الإنفاق لقطاع المستشفيات”.
وعن الفساد الإداري والمالي في وزارة الصحة، واصل قائ،”تم إلغاء قيود وشروط استيراد الأجهزة والأدوية والمستلزمات الطبية وتغيير قوائم الأدوية الأساسية وتصنيفها، مما تسبب في نقص شديد فيها كما ونوعا، ودخلت العراق أدوية غير فاعلة بل ملوثة وسامة أحيانا من كل حدب وصوب وناهيك عن تصنيعها محليا وبدون ترخيص وبيعها على الارصفة”.
واضاف، يرى مختصون في المجال الصحي أن من بين الحقائق الخطيرة أيضا التستر على الفساد المالي والإداري في وزارة الصحة والاعتماد على كوادر غير نزيهة وغير مهنية وفق معايير الانتماء الطائفي والمحاصصة بسبب سلوك سياسة الإقصاء والتهميش، وقلة التخصيص المالي في موازنات الدولة لشؤون الصحة والتعليم والتي لا تتجاوز 3.2 بالمئة من مجمل الموازنة. بالإضافة إلى إهمال خدمات الرعاية الصحية الأولية والوقائية والمراكز الصحية من ضمنها مراكز الأمومة والطفولة وبرامج التلقيحات وتحطيم البنية التحتية للخدمات ذات العلاقة بصحة الإنسان كعدم توفير المياه الصالحة للشرب وغياب الصرف الصحي والتخلص من النفايات ونقص تجهيز الكهرباء وخدمات البنية التحتية، فضلا عن السياسة الدوائية الفاشلة وفقدان الرقابة والتفتيش على الدواء والغذاء وتدهور الصناعة الدوائية. وقد ارجع العديد من المحللون السياسيون للشأن العراقي أن الحريق الذي اندلع في مستشفى اليرموك في سة 2017 وأودى الحريق بحياة 11 طفلا ، الى استفحال الفساد في مؤسسات الدولة وسوء وفساد الإدارة في وزارة الصحة كنموذج مصغر لما يجري في داخلها من عمليات فساد .
ووفقاً للوثيقة، فإن الوزارة، استوردت أجهزة قديمة وغير صالحة لبرنامج علاج مرضى السرطان على نفقة الدولة، ما تسبب في وفاة عدد من أولئك المرضى، بحسب صحيفة “العربي الجديد”.
واضاف، “إن إنتشار الفساد هو إنعكاس لثقافة سلبية منتشرة في البيئة التي يخدمها القطاع الصحي، فقد أظهرت الدراسات أنه هو أقل إنتشاراً في الدول التي تحترم القانون، وتتصف بالشفافية والثقة، والتي يكون القطاع الصحي العام بها ملتزم بإدارة ناجعة بمرجعية إجراءات ونظم أخلاقية موثقة وآليات مسائلة معلنة وواضحة للجميع. و عليه فإن مواجهة الفساد في مجال الرعاية الصحية هو قضية عمومية جوهرية وهي هامة بحيث يمكن إعتبارها مسألة حياة أو موت خصوصا بالنسبة الى الملايين من البشر وخاصة الفقراء منهم الذين يقعون ضحايا مقدمي الرعاية الصحية عديمة الأخلاق والمبادئ. فالطب كمهنة وعلم وسلوك له ارتباط وثيق بالإنسان وصحته وراحته وهنائه وبقائه ووجوده بلا شك، فمن المؤكد أن تحقيق أي فضيلة وإبداع في تقدمه يحسب بكل المعايير أنه نهضة حقيقية بالحياة التي هي جوهر الكون.
واختتم الدوري قائلا، “يقول عُلماء الفلسفة: النقاش في البديهيات “سفسطة” ويقول خبراء الصحة والمحللون السياسيون والاقتصاديون أن فساد القطاع الصحي في العراق دراية وليس رواية.
الامراض الانتقاليه لدى النازحين في مدينة بغداد
غادروا مدنهم وقراهم متجهين إلى المجهول بعد أن حاصرهم الموت من كل جانب. هذا هو حال النازحين العراقيين في 5 مدن شهدت صراعا عسكريا بين القوات المسلحة والمليشيات من جانب وتنظيم داعش من جانب، على حد قول الدوري،مضيفا،” أشارت بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق، إلى أن النزوح في العراق مستمر بالارتفاع وأن النازحين بحاجة إلى دعم شامل. وقد أفادت المنظمة ، أن عدد العراقيين الذين شردهم النزاع في العراق منذ بداية عام الفين واربعة عشر وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين وربع المليون نازح عراقي. واكدت إن النازحين يمثلون أكثر من خمسمائة ألف عائلة عراقية وأن نسبة سبعة وثمانون بالمئة من اللاجئين ينحدرون من ثلاثة محافظات هي الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، والتي سيطر عليها تنظيم داعش الارهابي.
وذكر بيان لبعثة الأمم المتحدة في العراق أن “مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في العراق التي تم نشرها الى بداية سنة 2016 هي ثلاثة ملايين و182 الفاً و736 من الأفراد النازحين داخلياً مؤلفين 530 الفا و456 أسرة.