منذ خمسينيات القرن الماضي والحزب الشيوعي الصيني نشط في افريقيا، كانت أفريقيا حاسمة بالنسبة لسياسة الصين الخارجية منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في عام 1947. دعمت الصين العديد من حركات التحرر الأفريقية خلال الحرب الباردة، وباستثناء عام واحد، زار وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية دولة أفريقية لأول مرة، وقد أصبحت زيارة الرئيس المنتخب الجديد إلى إفريقيا، تقليدًا لدى الحزب الشيوعي الصيني.
بدأت الصين في أفريقيا مع الدعم المادي والتقني للحركات المعادية للاستعمار، ثم مع حقبة الانفتاح الاقتصادي الصيني في إطار استراتيجية الصين الجديدة، لجأت بكين إلى القارة للمواد الخام والطاقة ثم كسوق لمنتجاتها. واليوم تحتضن إفريقيا مشاريع ضخمة ضمن مبادرة الحزام والطريق. وتعتبر الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا ومصدر أساسي للاستثمارات في البنية التحتية. والشركات الصينية في إفريقيا تمثل قرابة 12% من الإنتاج الصناعي للقارة.
إفريقيا لإعادة ترتيب النظام العالمي
أهمية أفريقيا بالنسبة لبكين تتجاوز هذه العلاقة. تشير طبيعة النشاطات إلى أنّ بكين تعتبر أن افريقيا هي جزء مركزي من جهودها لتعزيز نفوذها وإعادة ترتيب النظام العالمي. بلغت استثمارات الصين في أفريقيا 46 مليار دولار بين 2002 و2020، فضلًا عن عشرات المليارات التي صرفت للقروض ضمن مبادرة الحزام والطريق لتعزيز البنية التحتية في القارة.
لكن الطموح الصيني لا يقتصر على الاستثمار، بحسب مجموعة من الأبحاث لاستراتيجيين صينيين، فإن المجالات ذات الأولوية لاستراتيجية الصين في إفريقيا بالطبع ستدور حول حماية مصالحها والحفاظ على وضع أمني وعسكري مستقر في البلدان التي تقدم لها القروض والمشاريع الاستثمارية، إلا أنّ التفكير الواقعي يحتم أن الصين لديها طموحات أمنية وعسكرية أخرى. أما على المستوى الأيديولوجي، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في منتدى قمة التعاون الصيني الإفريقي في بكين، “قررنا بالإجماع تكوين مجتمع أكثر ترابطًا بمصير مشترك بين الصين وإفريقيا”.
وعليه تبرز أربع مجالات في استراتيجية الصين الجديدة في إفريقيا:
التنمية الاقتصادية: الصين ستبحث عن فرص اقتصادية أوسع في أفريقيا بخلق نظام اقتصادي موازٍ غير مرتبط بالغرب، ما يشمل الاستثمار في البنية التحتية لتحويل القارة الافريقية إلى منصة تصنيع متكاملة منخفضة التكلفة تخدم الصين من ناحية الإنتاج مثلما تفعل مع العالم. وحاليًا وعبر الاستثمارات الصينية ومبادرة الحزام والطريق تتجذر الشركات الصينية في افريقيا وخاصة في مجالات البناء والاتصالات.
الدبلوماسية الصينية: في عام 1971، كانت أصوات الدول الأفريقية مفيدة في الفوز بسيطرة جمهورية الصين الشعبية على مقعد الصين في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن – مما أدى إلى إزاحة ممثلي القوى القومية الصينية، التي هزمت في الحرب الأهلية وتحكم تايوان الآن. في العقود التالية، تحول تركيز الصين في إفريقيا إلى إلغاء كل الاعتراف المتبقي بحكومة تايوان. وحولت بوركينا فاسو وملاوي وليبيريا والسنغال وغيرها اعترافها من تايوان إلى جمهورية الصين الشعبية. إسواتيني هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي لا تزال تعترف بحكومة تايوان في عام 2023. وعليه يمكن لهذه الدول أن تقدم دعمًا معتدًا به للصين في المحافل الدولية.
في مجال الأمن والقدرة العسكرية: فيمكن للصين استخدام القارة السمراء كخط عسكري خارجي لازعاج أو تحويل انتباه الولايات المتحدة، بعيدًا عن المحيطين الهندي والهادئ، كما أنّ استثمارات بكين في الموانئ الأفريقية والجيوب الاقتصادية المحيطة بها يمكن أن تكون مفيدة لعمليات الانتشار البحري في المستقبل. إلى ذلك، تعمل الصين على تعميق علاقاتها الأمنية مع الدول الأفريقية، بما في ذلك مع الجهات الفاعلة المحلية في مجال إنفاذ القانون.
في المجال الأيديولوجي: وعلى الرغم من أنّ الصين لم تبذل جهودًا كبيرة لتصدير الأيديولوجية الشيوعية في أفريقيا منذ انتهاء الحرب الباردة، لاعتبار أن الشيوعية الصينية لا يمكن تكرارها خارج الصين. ومع ذلك، توجد روابط أيديولوجية بين الحزب الشيوعي الصيني وحكام دولة مثل إثيوبيا، التي يعود أصول حزب الازدهار فيها إلى “الديمقراطية الثورية” والماركسية اللينينية. ويقيم المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني علاقات رسمية مع 35 برلمانا أفريقيا، وتقيم إدارة الاتصال الدولي التابعة للحزب الشيوعي الصيني علاقات مع 110 أحزاب سياسية في 51 دولة أفريقية.
موقف الولايات المتحدة
الواقع أن الولايات المتحدة لطالما ركزت على الصين في آسيا بينما تنشط الصين في أكثر الأماكن التي وضعتها الإدارات الأمريكية خارج أولويتها واهتماماتها. تقدم الصين في الدول الإفريقية بديلًا جذابًا في الحكم والاستثمار والمساعدات والتنمية، يختلف مع النموذج الذي تقدمه الولايات المتحدة والغرب بشكل عام للدول النامية، بسبب افتقار الغرب إلى قيم المشاركة، حيث يركز على النهب بدلًا من تركيزه على التنمية وتترك الدول مع القليل من المشاريع الواقعية أو القابلة للتطبيق.
مواقع