في سياق ما يدور في المنطقة من إعادة تموضع سياسي وإجراءات يمكن ان تدخل ضمن نطاق محاولة تهدئة الأوضاع في المنطقة لحين ترتيب الأمور في البيت الأبيض والتي تتمحور بشكل رئيسي لمجابهة المارد الصيني وتحشيد أكبر عدد من الدول الغربية في هذا التوجه الى جانب مواجهة روسيا أيضا، ينشط النظام المصري بالوساطة بين حركة حماس والكيان الصهيوني على امل إيجاد تسوية الأوضاع بما يكفل “هدنة طويلة الأمد” قد تمتد الى خمسة سنوات.
والذي يبدو ان الحوار يدور حول ستة مفاصل رئيسية هي وقف “إطلاق النار” الشامل فتح المعبر إدخال مساعدات طبية وإنسانية ومواد تموينية وتبادل أسرى ومفقودين وإعادة بناء البنى التحتية التي دمرت نتيجة العدوان الإسرائيلي الهمجي بشكل مكثف ودون تمييز وربما سيطرح موضوع بناء ميناء ومطار. هذه هي العناوين الرئيسية على ما يبدو دون التفاصيل.
ما نريد ان نشير اليه بهذا الخصوص هو الاتي:
أولا: ان هذه النقاط وسواء تم الاتفاق او لم يتم حولها فإنها لا تحمل أي شيء جديد فقد سبق وان نوقشت هذه النقاط المشابهة عام 2014 بعد العدوان الصهيوني آنذاك على قطاع غزة وبالرغم من الوعود التي قدمت لحماس حينها سرعان ما تبخرت وعاد الكيان الصهيوني بالتراجع عن التفاهمات التي ابرمت مع النظام المصري.
ثانيا: المماطلة من قبل الكيان الصهيوني وكذلك النظام المصري وخاصة في قضية إعادة ما دمرته الالية العسكرية الصهيونية كانت وما زالت تهدف الى الالتفاف حول ما حققته المقاومة في سيف القدس والتعاطف والتأييد العالمي الغير مسبوق لقضية الشعب الفلسطيني العادلة من ناحية حجم التحركات والمظاهرات في معظم المدن الرئيسية في العالم الا جانب خسارة الخطاب السياسي للكيان الصهيوني والاعلامي على الساحة الدولية وخروج العديد من النخب السياسية والأكاديمية والفنية وغيرها عن صمتها بوصم الكيان الصهيوني على انه كيان عنصري ونظام ابرتهايد بشكل غير مسبوق مما أصاب النخب السياسية والإعلامية في الكيان بصدمة كبيرة.
ثالثا: إن التركيز على “الهدنة الطويلة الأمد” مع الكيان الصهيوني ومحاول شراء المواقف عن طريق “تحسين” الأوضاع المعيشية والاقتصادية لأهلنا في قطاع غزة دون استراتيجية واضحة للعمل على القضاء على الاحتلال الذي هو السرطان المسبب لكل هذه المعاناة وعلى جميع الأصعدة لشعبنا يعني ببساطة القبول بالسلام الاقتصادي الذي يعطي الاحتلال نوع من الاريحية الى جانب شرعية الوجود. وفي هذا الاطار يلعب النظام المصري دورا محوريا لطبيعته كأداة من أدوات استراتيجية الصهيو-أمريكية في المنطقة الى جانب تثبيت دوره الإقليمي الذي فقده منذ عشرات السنين لصالح الدول الخليجية للسعودية والامارات.
رابعا: وحتى إذا ما طبق كل هذا من إعادة اعمار ما دمر وحتى إذا ما ذهبنا بعيدا في بناء ميناء ومطار …الخ نذكر بما قاله احد كبار العسكريين الإسرائيليين للمعارضين في التفاهمات التي ابرمت بعد العدوان 2014 ” دعوهم يعملون على بناء الميناء والمطار فنحن لدينا القدرة على تدمير الاثنين في اقل من ساعة” وهذا حقيقة تبقى قائمة. أما قضية تبادل الاسرى فلقد جربت سابقا أيضا فبعد الافراج عن بعض السجناء أعيدت عملية اعتقالهم او تصفيتهم ميدانيا
هذا من جانب الكيان الصهيوني اما من الجانب المصري فمهما يطلق من وعود بفتح معبر رفح وتنشيط الحركة التجارية مع القطاع والسماح بتصدير البضائع والمنتوجات الزراعية من غزة الى العالم العربي من خلال معبر رفح فإنها لا تتعدى كونها كما اثبتت التجارب السابقة الا وعود جوفاء لان النظام المصري لا يمتلك مقومات السيادة عندما نأتي على فتح المعبر حتى لا نقول أكثر من هذا. فهذا المعبر أساسا لا يفتح الا أيام معدودات في السنة وللحالات الطارئة في معظم الحالات هذا بالإضافة الى انه لا يفتح الا بالتنسيق وأخذ الاذن من السلطات الإسرائيلية.
من كل ما ورد من النقاط يمكننا الاستخلاص إن التفاهمات أو الاتفاقيات سمها ما شئت لن تكون أكثر من استراحة محارب لا غير والاستعداد الى جولة جديدة قادمة.
كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني