إن الشعوب التي لا تمتلك وسائلها الدفاعية المحلية الصنع، هي شعوب تعيش تحت رحمة وتهديد وابتزاز الدول الغربية، وبالتالي فهي لا تملك القدرة على حماية بلدانها، الا بالمقدار الذي تريده الدول الغربية، وعلى راسها أمركا، وهي اليوم فوق كونها خاضعة لهم اقتصاديا، وتعيش على مديونية مستمرة لا مخرج منها، محتاجة الى اسلحتهم، تطلبها حكوماتهم لحماية أنفسها، فلا يأخذونها الا بالّلتيّا والّتي.
بداية الدّرس لمن يريد ان يستوعبه، بعيدا عن افكاره المسبقة، التي تلوّثت بحملات دعايات التضليل، التي ما انفكت تشنها الدّوائر المعادية لإيران، تبدأ من ثورتها الاسلامية المباركة، التي فاجأت العالم بأسره، بزخمها الثوري الذي لم يسبق له مثيل، فكانت قيادة وشعبا في مستوى التحدّي الكبير الذي لاقته، ونجحت في مختلف مراحلها باجتيازه، وتحقيق انتصار يراه من تتبع أطوار الثورة، فتح باب تطلعات الشعب الايراني الاسلامية على مصراعيه.
ويجدر بي هنا أن أنوّه بحكمة ورشاد القيادة الاسلامية الايرانية، في شخص الإمام الخميني، والذي تجلّى نفاذ بصيرته، في مواجهة التحدّيات التي وضعها الأعداء، في طريق نظامه الاسلامي الناشئ لعرقلة نموّه، فقد استشرف تلك العوائق، وحذّر منها مسؤولي نظامه الاسلامي، ناصحا في مناسبات مختلفة بضرورة الانتباه لها، لتوقّي آثارها في حال الاصطدام بها، ولن يكون ذلك الا بالتوكّل على الله، والاعتماد الكامل عليه أولا، وبعزيمة شباب الثورة الاسلامية، التوّاقين الى التضحية، وبذل كل طاقاتهم من أجل حماية مكتسبات الثورة الاسلامية ثانيا.
محورية هذا التوجّه تمثلت في دعوة الامام الخميني الدائمة الى المسؤولين والشعب الى تعلّم مبادئ الاسلام العظيم والعمل بها، وقد أكّد على وجوب الاعتماد على ثقافة اسلامية نقية من شوائب الافكار المنحرفة:
(ان عملاء الاستعمار، يعلمون بأن سقوط المستعمرين، وقطع ايديهم عن مصالح الشعب والبلدان المستعمرة وزوالهم، سيكون حتميا، بتعرّف الشعوب، سيما الشباب المتعلم، على مبادئ الإسلام المقدسة، انبروا لوضع العراقيل، وهم يسعون للحيلولة دون ظهور الوجه المضيء للإسلام، من خلال نشر الأفكار السامة، وتشويش اذهان الشباب وأفكارهم، وحرف شبابنا عبر العناوين الخدّاعة والمذاهب المختلفة. )
هذا الالتزام المبدئي الذي حرك اليه الامام الخميني قواعده الجماهيرية، قد أفرز مدّا قويا من طلائعها باتجاه تحقيق مكتسبات الثورة على ذلك الاساس من الفكر الاسلامي، وحققوا بفضل ذلك التوجيه الواعي انجازات جبارة في جميع الميادين وكسبوا السبق في مجالات مختلفة من العلوم والتكنولوجيا، وفي مقدمتها مجال بناء القوة العسكرية، التي بدونها لا يمكن للفكر ولا للثقافة ولا للمجتمع ولا للنظام الاسلامي أن يستمر ويبقى في مواجهة التحدّيات التي بدأت تعترضه مذ الأيام الأولى لانتصار ثورته الاسلامية:
(لقد اثبتم ولله الحمد قدرتكم على العمل، وتستطيعون على المدى البعيد أن تعملوا كل شيء، ولي الأمل أن تجعلوا أدمغتكم وعقولكم تعمل، وتحطموا الخوف الذي زرعوه في بلادنا، وتعملوا بكل شجاعة، كما طردتم القوى العظمى بالشجاعة، وتعتمدوا على ثقافتكم، وتقللوا من اعتمادكم على الأجانب. )
تحفّز الفتوّات الاسلامية للشعب الايراني، الى كسب العلوم والمعارف والتكنولوجيا المتطورة، جعلته ينهل منها بسرعة، ويبدي فيها تفوقا وتميّزا، لم يكن يتوقع اعداءه، وعمل على مدى اربعة عقود من الزمن على كبح جماح انطلاقته، لكنه فشل في جميع محاولاته.
واليوم وبعد أن سفّهت كوادر النظام الاسلامي الايراني، تهديدات وتحرشات الرئيس الامريكي ترامب، ووضعته في موقف هزيل بعد اسقاط طائرة تجسسه، وهي مخترقة المجال الجوي الايراني، زاده ضعفا وفداحة، اعلان قوات الدفاع الجوي للحرس الثوري، أنه كان بإمكانها اسقاط طائرة أخرى مرافقة مأهولة، في مرمى صواريخها المحلية الصنع، لكنها لم تفعل، نظرا لأنها لم تدخل المجال الجوي الايراني، بعدما وجهوا لها تحذيرا.
لقد استقرت ايران الاسلامية على مكانة رفيعة، جلبت لها الاحترام، رغم انوف من يكره ذلك، فهي قد حققت اكتفاءها الذاتي في مجال الصناعات العسكرية، ومصانعها اليوم بحمد الله تزود قواتها العسكرية والامنية، بمختلف انواع الاسلحة الدفاعية والهجومية المتطورة، وقد اثبتت كفاءة عالية، في معاركها التي خاضتها ضد الارهاب التكفيري في العراق وفي سوريا، واخيرا وليس آخرا، في مواجهة الانتهاك الامريكي الاخير، الذي حوّل الصاروخ الايراني جولة طائرته المسيّرة، من فسحة صيد معلومات الى صدمة كبيرة، مع التأكيد الايراني أن لديه مزيد، فلا مجال للعب بالنار يا ترامب وبقية فريق الأشرار.
هذا بالطبع درس لبقية الدول العربية والاسلامية، التي تريد شعوبها أن تكون لها العزة بالإسلام، أن ينسجوا على منوال ايران، ارساء ثقافة اسلامية أصيلة، خالية من الخرافة، وبناء الانسان في المجتمع الاسلامي، على اساس قيم دينه، والعمل عليها، بما يوصله الى كسب مختلف المعارف والعلوم، التي توصله الى امتلاك سائله الدفاعية، وتحصين جبهات بلاده الداخلية، من تأثير عبيد الغرب، المهووسين بثقافاته الزائفة ومكانته الوهمية.
الأمريكيون قبل غيرهم – بما فيهم رئيسهم – أصبحوا يدركون جيّدا أن محاولة إيذاء إيران ليست بالأمر السهل، وستكون لها عواقب وخيمة على امريكا نفسها والدّول المحرضة عليها والتي فيها قواعد ومصالح أمريكية، الصواريخ التي صنعتها ايران، وتمتلك منها عشرات الآلاف، لها وزنها في ميزان القوة والدقة والفاعلية، لذلك جاء التراجع الامريكي وعودة ترامب الى تسليط العقوبات مجددا.
وهو في المقابل درس الى امريكا وحلفائها، ومن لاذ بحصن حمايتها، فإذا هو لا يدري بعد الانذار الذي وقع، ما سيحصل من أضرار، وليتهم يفهمون أن عاقبة المعتدي، ومناصر الباطل سيئة جدا في الدينا، وأسوأ منها في الآخرة، ولا اعتقد أنهم سيفهمون ذلك، الا بعد فوات الاوان، وتكون الفأس قد وقعت في الرأس، ولا مفرّ للعملاء حينها من مصير يستحقونه.