وزيرة الداخلية الإسرائيلية في حكومة بينت–لابيد، التي انهار ركنها الأول وسقط، وأعلن رئيسها نفتالي بينت بعد تسليمه منصب رئاسة الحكومة لشريكه في الائتلاف يائير لابيد، تخليه عن مركزه في زعامة حزب يمينا لصالح نائبته وشريكته في الحزب إيليت شاكيد، تصارع من أجل البقاء وتجاوز نسبة الحسم الانتخابية، بعد أن أظهرت مختلف استطلاعات الرأي السابقة، أنها لن تحصل على أكثر من ثلاثة مقاعد نيابية، وبالتالي فإنها لن تتجاوز نسبة الحسم المطلوبة، وستصبح حكماً خارج الكنيست الإسرائيلي، مما اضطرها للبحث عن شركاء جدد، يتوافقون معها في السياسة، ويشتركون معها في الأهداف، وتنسجم معهم في الرؤية والمشروع.
وجدت إيليت شاكيد ضالتها في يوعاز هيندل، زعيم حزب “ديريخ إيرتس”، واتفقت معه على تشكيل حزب جديد يضمهما معاً، يتضمن أفكارهما ويعبر عن آرائهما، ويدعو إلى تطبيق سياستهما، وأطلقا عليه اسم “الروح الصهيونية”، ليبقى مقتصراً على المؤمنين بالصهيونية والداعمين لها فقط، وليحول دون دخول أو التحاق غيرهم به، وخاصةً الأحزاب العربية التي تتناقض مع مبادئهم، واليسارية التي تؤمن بالتسوية وتشجع عليها، وبإعلان تشكيله يكونان قد ضمنا وفق آخر استطلاعات الرأي حصول حزبهما الجديد على أربعة مقاعد نيابية، بما يعني نجاحهما في تجاوز نسبة الحسم.
لكن يبدو أن إليت شاكيد وشريكها هيندل لن يكتفيا بما حققاه حتى الساعة، بل يتطلعان إلى توسيع تحالفهما، وزيادة تمثيل حزبهما، لا ليتمكنا فقط من تجاوز نسبة الحسم التي ما زالت سيفاً مسلطاً عليهما، بل ليكون حزبهما الجديد قادراً على المنافسة في التشكيلة الحكومية القادمة، وليتمكن من فرض شروطه وإملاء مواقفه، ومنع الحكومة من تقديم أي تنازلات قد تمس جوهر المشروع الصهيوني و”الدولة اليهودية”.
إلا أن المراقبين لحركة تشكيل الأحزاب، وإعادة فك وتركيب التحالفات الجديدة، يرون أن شاكيد ستبقى تصارع من أجل البقاء، وستواجه احتمالات الغرق والعودة مجدداً إلى ما دون نسبة الحسم المطلوبة، اللهم إلا إذا التحقت بها أحزابٌ صهيونية قوميةٌ ودينيةٌ، أو تبرع نتنياهو وحزب الليكود بدعمها وتوجيه بعض الموالين له بالتصويت لحزبها، ذلك أنها مرشحة بقوة لأن تعود إلى صديقها القديم نتنياهو، لتتحالف معه من جديد، لكنها لا تريد العودة إليه ضعيفة، بل تتطلع أن تكون قوية، وتستند إلى تمثيلٍ في الكنيست أكبر، يمكنها من فرض شروطها وتحصين الحكومة ضد أي تنازلاتٍ سياسية أو أمنية متوقعة.
ولما كان نتنياهو في حاجتها، فهو على استعداد لأن يلعب دوراً مباشراً في دعمها، لعلمه أنها أقرب الحلفاء المحتملين إليه، وأنها لن تتأخر في التعاون معه ودعمه، وهي التي عملت لسنواتٍ مديرةً لمكتبه، وهو لا ينسى محاولاتها حمايته وضمان حصانته إبان توليها وزارة العدل، لكنه لن يكون مستعداً أن يدفع لها من رصيده الخاص، بل سيسعى لحصولها وحزبها على دعمٍ من أتباع ليبرمان ويسار الوسط، ومن أعضاء حزب الصهيونية الدينية، الذين قد يغادرون مربعاتهم الحزبية لصالح اليمين المتطرف والصهيونية الصريحة الواضحة.
تأمل شاكيت أن يقوى حزبها مع يوعاز هيندل، وأن يتمكن من التحالف مع الليكود وأحزاب اليمين الدينية والقومية، بعيداً عن “الأصابع العربية”، وبناء ائتلاف قوي يمكنه تشكيل حكومة منسجمة، تكون قادرة على الصمود والاستقرار، وإلا فإن الانتخابات السادسة لن تكون الأخيرة، وهو ما يخيفها ويقلقها.
لكن المتابعين للتشكيلات الحزبية الإسرائيلية، يرون أن أغلبها يهدف إلى تجاوز نسبة الحسم، وأنه بعد الانتهاء من عملية الانتخابات وتوزيع المقاعد، فإن حالة الانقسام والتشظي والاستقطاب السياسي ستعود من جديد، وستفرض الخلافات نفسها على الأقطاب، وكما خرج يوعاز هيندل من عباءة يمينا، وتخلى عن زعيمه ورئيس الحكومة السابق نفتالي بينت، فإنه قد ينقلب على شاكيت ويتركها، خاصةً أنه على غير وفاق مع نتنياهو، ويتهمه بجر الدولة كلها لخدمته شخصياً، وتحقيق منافعه الذاتية منها، ولهذا فهو يشترط للتحالف معه تشكيل حكومة واسعة تضم إلى حزبه والأحزاب اليمينة الأخرى أحزاب يسار الوسط.
حزب “الروح الصهيونية” قد يلقى قبولاً من المستوطنين الإسرائيليين، فهو حزبٌ عنصريٌ يمينيٌ، يدعو إلى إبادة الفلسطينيين أو طردهم، ويرفض الاعتراف بهم أنهم شركاء معهم في الأرض، فضلاً عن أن يكونوا أصحابها، وهو يدعو إلى مواصلة الاستيطان ورفض أي محاولة لتجميده أو وقفه، ولعل شاكيت التي لا تخفي عنصريتها، ولا تتردد في إظهار تطرفها، ستفرض على الحزب الجديد مبادئها التي آمنت بها وناضلت من أجلها، وستبذل أقصى الجهود لاستبعاد العرب وعدم التحالف معهم أو الاعتماد عليهم.
لا يوجد في حزب الروح الصهيونية مكانٌ للدولة الفلسطينية، ولا للتسوية السياسية مع الفلسطينيين، إذ ترفض زعيمته الاعتراف بهم أو تقديم أي تنازلاتٍ لهم، وتعتبر أن الأرض كلها لهم “لليهود”، وأن دولتهم يجب أن تكون دولة قومية يهودية، لا مكان فيها لغير اليهود سكاناً أو ملاكاً، وستقف وحزبها ضد أي تسهيلاتٍ قد تقدم للفلسطينيين بما يهدد هوية الأرض وقومية الكيان.
تعتقد شاكيت أن “الروح الصهيونية” ليست حزباً فقط، بل هي حاجة يهودية وضرورة صهيونية، وهي مطلب قومي وقاعدة دينية، ليتمكن المشروع الصهيوني من استعادة قوته، وفرض مفاهيمه التي انطلق على أساسها قبل أكثر من مائة عام، وإلا فإن التهاون في المبادئ، والتنازل عن الثوابت، والاعتماد على “الغير” في بناء الدولة وترسيخ أركانها، فإنه يعجل في سقوطها وزوال مشروعها.
moustafa.leddawi@gmail.com