إحجام الدول “المانحة” للسلطة الفلسطينية العربية والأجنبية وبما فيهم الممول الرئيسي الاتحاد الأوروبي لا يعود الى أسباب “فنية” كما يدعي جهابذة السلطة، بل يعود بالدرجة الأولى الى حجم الفساد المستشري في أجهزة هذه الدولة الوهمية التي تعيش على المساعدات واستجداء المعونات المادية من هنا وهناك للمحافظة على مستوى معيشة زمرة لم يشهد العالم بعد معدلات الفساد المستشرية في أجهزتها بالمقارنة مع اية دولة في العالم.
وتهمة الفساد هذه ليس تجني على هذه السلطة او تلفيق تهمة لها، بل هذه هي الحقيقة والوقائع التي بينها أخيرا (صح النوم) تقرير ديوان المراقبة لعام 2020 حيث أشار التقرير الى وجود تجاوزات خطير للغاية وقضايا فساد خيالية في العديد من الملفات سواء في التحويلات الطبية لغير مستحقيها ونهب صندوق “وقفة عز” الذي صرفت معظم أمواله الى الأغنياء والغير محتاجين بدلا من صرفها للأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود والذي من اجلهم وجد هذا الصندوق وكذلك تجاوزات لدى وزارة المالية…الخ. هذا عدا عن الصفقات التي أجريت من تحت الطاولة بشأن ملايين لقاحات الكورونا والسمسرة التي لم تظهر للان نتيجة التحقيق بها.
ولقد وصلت التحذيرات من قبل العيديد من المسؤولين الأوروبيين للسلطة بشأن الفساد المستشري ونهب الأموال المخصصة لمشاريع قائمة الى جانب مشاريع وهمية كما اتضح للمسؤولين المتابعين الأوروبيين على الأرض. وقد صرحت على سبيل المثال لا الحصر وزيرة خارجية السويد ” لن نكون قادرين على دعم التنمية الاقتصادية للفلسطينيين بشكا كامل في ظل مستوى الفساد الكبير الموجود حاليا في السلطة”.
الدول المانحة العربية والأجنبية لم تعد تثق بالسلطة وبسياساتها المالية وبحجم النهب والفساد المستشري المفضوح وبمعدلات لا يمكن قبولها بشكل علني لأنها لا تستطيع ان تبرر لحكوماتها صرف هذه الأموال تحت يافطة “المساعدات والمعونات”. ويجب الإشارة الى ان هذه المعونات تصرف في غالبيتها ليست لأسباب إنسانية، بل لأسباب سياسية محضة وعلى راسها ضمان “أمن” الكيان الصهيوني وإيجاد شريحة اجتماعية في السلطة قادرة على تحقيق ذلك وإيهام العالم ان عملية السلام ما زالت قائمة بينما الكيان الصهيوني يتمدد ويوغل في تمدده واستيطانه على كافة أراضي فلسطين التاريخية وفرض ما يسمى “بالسلام الاقتصادي” وإدارة الصراع على هذا الأساس. والدول المانحة تدرك جيدا لتحقيق ذلك لا بد من القبول لا بل وتشجيع معدل من الفساد المالي في أجهزة السلطة، ولكن من الواضح ان السلطة وزمرتها قد تجاوزت كثيرا معدلات الفساد المقبول لدى الدول المانحة وبالتالي احجمت عن صرف “مستحقات الفساد” لزمرة السلطة وعمدت مؤخرا في تقديم بعض الدعم مباشرة الى بعض القطاعات دون المرور بخزينة الدولة الوهمية. وهذا ما أزعج زمرة السلطة لان هذا لم يمكنها من اقتطاع “مستحقات زمرة الفساد” بمعنى “قطعت ارزاقهم من النهب” إذا جاز التعبير. وعلى سبيل المثال لا الحصر الإصرار الذي تمسكت بها السلطة من رئيسها الى رئيس وزراء الدولة الوهمية ان أموال اعادة الاعمار لغزة يجب ان تمر عبر السلطة وليس مباشرة الى المشاريع في القطاعات المتعددة وتحت رقابة دولية.
وضمن هذا الواقع المتردي ماليا للسلطة وحرمان زمرتها من استقطاع “مستحقات الفساد” تقرر قيام “رئيس وزراء” الدولة الوهمية الى جولة أوروبية “لحث” الاتحاد الأوروبي بدفع هذه المستحقات للخزينة مباشرة بعد ان أصبحت هذه الخزينة شبه فارغة كما صرح قيادي فتحاوي مؤخرا. وتأتي هذه الزيارة بعد فشل كل محاولات الاستجداء التي قام بها “رئيس” الدولة الوهمية عبر الرسائل والمكالمات الهاتفية التي اجراها لرؤساء الدول العربية والأجنبية بهذا الخصوص.
هذا من جانب ومن الجانب الاخر بشرنا السيد حسين الشيخ بأن على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة ان يتحمل موجة الغلاء القادمة عبر الضرائب المباشرة والغير مباشرة على ما يبدو لفقراء الوطن المسلوب لان هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة للرئيس عباس للحفاظ على اسماه “المشروع الوطني الفلسطيني”. وهذه اول مرة في تاريخ الشعوب وعلى مدى التاريخ الإنساني نسمع بهذه الفتوى “ان الأموال ضرورية للحفاظ على المشروع الوطني” كما نفهمه اللهم الا إذا كان المعنى والمقصود هو الحفاظ على مؤسسة الفساد المالي والاخلاقي والسياسي ومستوى معيشة زمرة السلطة في دولتها الوهمية.
كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني