بعد تصريح “الوزير” الفلسطيني حسين الشيخ المسؤول عن الملف الأمني وحلقة الوصل الرئيسية في هذا الملف بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الصهيوني لم نسمع اي تصريح رسمي من قمة هرم السلطة ولا من” رئيس الوزراء الفلسطيني” ولا من اي مسؤول من تنظيم فتح. ليس هذا وفقط فبحسب بعض الاخبار أنه تم الاتصال بالبعض منهم للتعليق ولكن لم يتجرأ اي منهم للظهور من على شاشة التلفزيون وخاصة على محطة الميادين.
ولا شك ان هذا التصرف يدلل وبشكل واضح سقوط آخر ورقة توت عن عورة السلطة أمام الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وحتى عن بعض كوادر فتح اللذين طالما كانوا يتفاخرون بالماضي المقاوم البعيد نسبيا. ومما لا شك فيه ان بين العديد من كوادر هذا التنظيم هنالك غصة لا يستطيعون بلعها وخاصة بعد ان رفع السقف السياسي والتصريحات أثناء إجتماع الامناء العامين لكافة الفصائل الفلسطينية الذي عقد في بيروت والاجواء الايجابية التي خلفتها لدى الجمهور الفلسطيني وتبيض وجه تنظيم فتح على وجه التحديد بعد ان مشت قياداته السياسية المتنفذة في طريق مدمر منذ اوسلو لغاية الان. كان إجتماع الامناء العامين آخر فرصة حقيقية لعودة قيادة التنظيم الى الحاضنة الشعبية الحقيقية النقية التي لم تتلوث وبقية مخلصة للقضية الفلسطينية ولكن توجه السلطة الان المتمثل بالعودة الى المفاوضات مرة أخرى وبعد كل هذا الفشل الذي إمتد على أكثر من ربع قرن قلب الامر راسا على عقب وفقدت السلطة وزبانيتها طوق النجاة الذي قدمه هذا الاجتماع.
وخارج نطاق ردود الفعل العاطفية يحق لكل فرد من أفراد شعبنا في الداخل والخارج أن يتسائل كيف يمكن لهذه السلطة أن تقنعنا ان ما فشلت في تحقيقه على مدى أكثر من ربع قرن من المفاوضات كيف لها ان تحققه الان؟ وهل فشلها في تحقيق اي شيء ملموس على الارض طيلة فترة زمنية تجاوزت الربع قرن كان بسبب ترامب وبالتالي فإن بذهابه ومجىء بايدن ستتغير الامور؟ ترامب لم يكن متواجدا في مدريد ولم يكن متواجدا عند توقيع اتفاقيات أوسلوا سيء الصيت وما لحقها من إتفاقيات مذلة ومهينة ومقيدة لاي تحركات فلسطينية نحو تحقيق ادنى درجات الاستقلال والسيادة. وترامب لم يكن متواجدا على الساحة طيلة المفاوضات العقيمة تحت الاشراف الامريكي المنحاز للكيان الصهيوني والضغوط التي كانت تمارس على الطرف الفلسطيني فقط والذي قدم تنازلات تاريخية لم يحلم بها اي صهيوني.
الادارات السابقة الجمهورية والديمقراطية تناوبت على رعاية المفاوضات العبثية التي لم تحقق الا مزيد من الضم ومصادرة الاراضي من قبل الكيان الصهيوني وكلا الادارتين لم تقم بالضغط على المفاوض الاسرائيلي على الاطلاق بل كانت وبكل وقاحة متناهية تتبنى كل الطروحات الاسرائيلية. ولم تعير اي إهتمام لاي مطلب فلسطيني وكان همها الاول والاخير هو الابقاء على التنسيق الامني بين السطة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي لضمان أمن الكيان الصهيوني بالابلاغ عن المقاومين وإعتقالاتهم ومنع أي نشاط معادي لقوات الاحتلال سواء إعلامي او ثقافي أو مظاهرات منددة بالاحتلال حتى السلمية منها كانت تقمع من قبل قوات الامن الفلسطيني قبل قوات الاحتلال ومنع اي من التحركات الجماهيرة للوصول الى نقاط التماس أو المستوطنات السرطانية اليهودية.
الادارات السابقة الجمهورية والديمقراطية لم تستطيع ثني الكيان الصهيوني على انشاء المستوطنات السرطانية اليهودية على الأراضي المحتلة عام 1967 وتوسيع المستوطنات القائمة وبايدن الذين تراهنون عليه أمضى 8 سنوات نائبا للرئيس اوباما فماذا فعل طيلة هذه المدة؟ يقول “الوزير” حسين الشيخ الذي على ما يبدو انه هو من استلم الرسائل المكتوبة والشفهية من فراش يعمل في دائرة التنسيق الامني من الطرف “الاسرائيلي” ان ” اسرائيل” ملتزمة بالاتفاقيات وهذا هو السبب الذي ادى ان يعلن “الوزير” ” العودة الى العلاقات مع “اسرئيل” كما كانت عليه في السابق”. بهذه السهولة وهذه السخافة والتسطيح السياسي والفكري وكأن شعبنا سيبلع هذه التفاهة في اسباب العودة الى المفاوضات. والكيان الصهيوني لا يترك اي مجال لتسفيه “محبيه” والمتعاونين معه وإحراجهم والامثلة كثيرة على ذلك وخاصة مع الدول الخليجية عندما قالت القيادة الاماراتية انها تقيم التطبيع مع “اسرائيل” لمنعها من ضم الضفة الغربية. لم يمضي على هذا التصريح الإماراتي اكثر من ساعة عندما رد نتنياهو ان “اسرائيل” لم تتعهد بعدم ضم اراضي فلسطينية كما نصت صفقة القرن. واليوم لم يكن بأفضل من هذا فوسائل الاعلام الاسرائيللية المقربة من نتنياهو ذكرت ان التعهدات التي قدمت هدفها هو إفشال المصالحة بين فتح وحماس. والجميع يدري ان هنالك عناصر في فتح لا تريد هذه المصالحة ان تتم لاسباب عديدة تعود في معظمها الى المصالح الشخصية الضيقة. ولا بد ان نتسائل لماذا قدمت هذه التعهدات هذا إن وجدت الى “الوزير” الذي قام بالاعلان عنها في حسابه على التويتر وليس للرئيس عباس أو رئيس الوزراء؟ نترك هذا للقارىء .
الاولى بالسلطة الفلسطينية ان تسلم المفاتيح لقوات الاحتلال الاسرائيلي إذا بقي بعض من ماء الحياء في وجه زمرتها للعودة الى الاحتلال الغير مقنع وليدرك كل العالم ان الوضع لم يتغير فشعبنا ما زال يعيش تحت الاحتلال الاسرائيلي منذ عقود وأن بناء الدولة الفلسطينية تحت بساطير الاحتلال لا يمكن تحقيقه وما هو الا سراب ركضت وراءه القيادة الفلسطينية المتنفذة لتحقيق مآرب شخصية وتنظيمية ضيقة ومقيتة لانه لم يؤدي الا ضياع مزيد من ارضنا الفلسطينية التاريخية سواء داخل الخط الاخضر او خارجه. هذه الزمرة أخذت المناصب والمكاسب وضيعوا الوطن وآن لهم أن يرحلوا.
* كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني