الجمعة , 27 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

السودان…فلسطين …السلطة والأمن والعسكر قضية ثقافة العنف والهروب الى الامام…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عمت شوارع العديد من المدن السودانية قبل ايام ومن ضمنها العاصمة الخرطوم بعشرات الالاف من المتظاهرين من الشعب السوداني استجابة لقوى نقابية ومنظمات لحقوق الانسان وسياسية مطالبة بإسقاط الحكومة السودانية الانتقالية التي يسيطر العسكر على جميع مفاصلها وقراراتها والانتقال الى الحكم المدني.
وتأتي هذه المظاهرات الضخمة على خلفية أولا وبشكل مباشر تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية للشعب السوداني وبمستويات غير مسبوقة على أثر الفساد المستشري الى جانب “الاصلاحات” والاجراءات التي فرضها صندوق النقد الدولي على البلد من رفع الدعم عن المحروقات والسلع الاساسية ووصول التضخم الى 400%, مما ادى الى الارتفاع الحاد بالاسعار وعدم القدرة على الحصول عليها من قبل الطبقة الفقيرة المعدمة أصلا.
وثانيا: على غياب حريات التعبير والديمقراطية والعدالة وخاصة في عدم تحرك الحكومة المؤقتة لمحاسبة اللذين ارتكبوا مجزرة الخرطوم في 30 يونيو 2019 والتي ذهب ضحيتها مئة قتيل من المحتجين والمعتصمين امام مقر القيادة العامة للجيش على ايدي قوات الدعم السريع شبه العسكرية (يعني بلطجية) المعروفة “بالجنجويد” عندما قامت بفض الاعتصام باستخدام القوة المفرطة وقام البعض من هذه القوات بعمليات إغتصاب لإمراتين الى جانب تحرشات جنسية مع آخرين. وهذه القوات معروفة بوحشيتها في التعامل مع المعارضين منذ عهد الرئيس المخلوع البشير والتي شكلت من اجل ذلك.
وثالثا: على السياسات الغير وطنية والمخالفة لعقيدة الشعب السوداني التي تتبعها حكومة العسكر وعلى رأسها التطبيع مع العدو الصهيوني والتي لعبت الامارات وبالتحديد محمد بن زايد دورا اساسيا في عقد اول لقاء بين الرئيس عبد الفتاح برهان في اوغندا مع المجرم نتنياهو في فبراير 2020 والذي اتبع بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وفتح الاجواء السودانية اما الملاحة الجوية لهذا العدو بما فيها طائراته الحربية مقابل رفع السودان من قائمة الارهاب وبعد دفع الحكومة السودانية مبلغ 850 مليون دولار “لضحايا الارهاب”.
والشعب السوداني ايضا وفي ثورته التي بدأت في ديسمبر من عام 2018 والتي ادت الى عزل البشير عن السلطة كان من مطالبه المحقة سحب القوات السودانية التي ارسلت الى اليمن لمحاربة الشعب اليمني تحت مظلة التحالف الغير مقدس الذي قادته السعودية في حربها المجرمة على الشعب اليمني. ولكن حكم العسكر تراجع عن وعوده للشعب السوداني وبقيت القوات السودانية تحارب على الارض اليمنية وقتل المئات منهم في حرب ليست لهم اية ناقة ولا جمل كما يقول المثل الشعبي. هذا بالاضافة الى بقاء حكم العسكر وعدم الانتقال الى الحكم المدني وهو مطلب اساسي كان وما زال للشعب السوداني.
المظاهرات قوبلت بالقمع من قبل الشرطة والجيش السوداني وفي تصريح رسمي من الحكومة إدعت حكومة العسكر بوجود بعض المندسين والمخربين في هذه المظاهرات المرتبطين بأجندات خارجية والتي تحاول الانقلاب على الحكومة واستلام السلطة.
والجانب الاخر الذي يسترعي الانتباه له هو التعدي الصارخ والمشين والمدان على المرأة كإحدى الوسائل للتخويف والترهيب وتهديد الامن الاجتماعي في مجتمع محافظ لعزل المراة عن الميدان وعدم المشاركة بالثورة او الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية وذلك بإطلاق الزعران وحثالة المجتمع المعقدين نفسيا وإجتماعيا للتعامل مع المحتجين والتركيز على النسوة المشاركين.
ونترك للقارىء الذي نحترم قدراته الذهنية لمقارنة بين الحال في السودان وحالنا في فلسطين والقمع الذي تعرض له المتظاهرين والمحتجين ليس فقط على قتل المعارض الشهيد نزار بنات وبطريقة وحشية وهمجية بالضرب بالهروات وبالعتلات الحديدة أمام عائلته, بل وايضا على سياسات القمع والتضييق على الحريات والفساد المالي والاداري والسياسي والاخلاقي والى التحرش بالفتيات من الصحفيات الفلسطينيات وتهديد بعضهم بالاغتصاب وإطلاق الكلام البذيء والايحاءات الجنسية الغريبة على مجتمعنا المحافظ وعاداتنا وقيمنا, وكل هذا يتم من رجال الامن الفلسطيني والشبيحة باللباس المدني. أما السلطة وفي محاولة بائسة للهروب الى الامام تلقي اللوم على فريق فلسطيني وعلى إرتباط البعض بأجندات خارجية ومحاولة الانقلاب على “الشرعية”.
ولا يسعنا في النهاية الا ان نذكر بأن ديكتاتوريات الفرد في اي بقعة من العالم وكما يشهد التاريخ البشري تربطهم ببعض هذه الميزات والتبريرات للتوحش في قمع الجماهير التي تخرج الى الشارع لتعبر عن غضبها ومطالبة بتحقيق العدالة وحرية التعبير والديمقراطية والعيش الكريم.

كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024