من كان يعتقد أنّ تغيير الأسماء على رأس القيادة الأمريكية بين ديمقراطي وجمهوري، واسم هذا أو اسم ذاك الشخص، فليرمي بحجره إلى الأرض، معلنا استسلامه لأمر مقضيّ، فبين المدّ والزجر، تستمرّ سياسة من لقبها الإمام الخميني رضوان الله عليه بالشيطان الأكبر، مهما كان الرئيس الذي يلي سلفه على سدّة البيت الأبيض، وحريّ به واقعا أمام ما نعرفه عليه من انتهاكات، أن يكون بيتا أسود سواء داخل امريكا، بما ركِبها من ميز عنصري، وصل الى اقتراف جرائم قتل بدم بارد من طرف الشرطة، استهدفت الملونين ذوي الأصول الأفريقية، فضلا عن تاريخ تأسيس كيانها العنصري، إلى سلسلة جرائمها بحق شعوب العالم، في اليابان، وكوريا، وفييتنام، وكوبا، وأمريكا اللاتينية، وافغانستان، والعراق، وإيران.
المنظمات الدولية التي صنعتها المنظومة الغربية على المقاس الأمريكي، تعمل فقط من أجل شرعنة السياسة الأمريكية، في مواقفها المنحازة للباطل، والمثال الذي بقي قائما نصب أعين العالم، هو دعمها اللامشروط للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، ووقوفها إلى جانب انتهاكاته الفظيعة، التي تُعتَبر سياسته اليومية التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني، هذا الكيان الذي لو لم تدعمه أمريكا بالأموال والأسلحة المتطورة والحماية ، لما أمكن له البقاء طول هذه المدّة، ولتخلّص الفلسطينيون من وجوده بمفردهم، بما ثبت للعالم من جرأة وشجاعة هذا الشعب الشقيق الذي واجه بشبابه جيشا مدججا بمختلف انواع الاسلحة بأيد خالية من السلاح سوى حجارة أو سكاكين، والنماذج التي رأيناها من استعمال الأسلحة الفردية ضد الصهاينة، تؤكّد أن الفلسطيني سليل شعب الجبّارين، بإمكانه أن ينتصر على الكيان، لو توفر له السلاح الكافي.
إحساس الكيان الصهيوني بالخطر من هذه الناحية، جاء من خلال التطور الذي لمسه في محور مقاومته وفصائله الفلسطينية واللبنانية، وهو ما جعله يستنفر طاقاته وجهوده ويحرّك دهاة سياساته لتطوير منظومته العسكرية والدّفع بالإدارة الأمريكية لتفعيل التزامها الأقصى في ايجاد مناخ بإمكانه أن يفرض واقعا جديدا يزيد من حمايته امام ذلك التنامي السريع، فليس بعد مرحلة التطبيع التي مضت فيها بعض الدول العربية، سوى تشكيل تحالف عسكري قويّ، بعنوان ناتو عربي صهيوني، لمواجهة محور المقاومة، الذي تقوده إيران بكل اقتدار، وثقة تامّة بأنه سيرسي في وقته المتوقّع، على ساحل انتصار مؤزر، يعيد ترتيب الشرق الأوسط بعناوينه الأصلية.
بايدن هو سابع رئيس أمريكي يزور فلسطين المحتلة، محمّلا هذه المرّة بملفات ثقيلة، ذلك أن (جدول أعمال اجتماعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال (يائير لابيد) في أحد فنادق القدس الغربية، سيكون مثقلاً بخمس ملفات ثقيلة إقليمياً ودوليا،ً هذه النقاشات يتصدّرها الملفان الإيراني والفلسطيني، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وتوسيع نطاق التطبيع مع دول عربية وإسلامية، إضافةً إلى الدعم العسكري للإسرائيليين، وإعفائهم من التأشيرات الأمريكية وسيكون بايدن ضيفا لدى رئيس الكيان (اسحاق هرتزوغ)، ليقلّده ميدالية الشرف Medal of Honor(1)هي أعلى وسام أمريكي، نسج الكيان الصهيوني على منواله(2)
وطبيعي أن لا تتضمن زيارة الرئيس الأمريكي توضيحا أكثر، على حقيقة الملفات التي تشغل بلاده، فأسرار السياسة لا تعطى للإعلام لينشرها، من دون استكمال النظر فيها، وقد لا يُفْصَح عن تفاصيلها، وتلك عادة درج عليها ساسة العالم عموما، ما يهمنا هنا في هذه الزيارة المرتقبة وما ستتمخض عنها، من اتفاقات ثنائية أو جماعية مع قطيع التطبيع، الذي ينتظر بفارغ صبر أن يتحقّق شيء منها، يكون في صالح اجراءاتهم التي اتخذوها – بدافع أمريكي- بشأن علاقاتهم مع الكيان الصهيوني، والتي تُعْتَبَرُ أساسا خيانة للقضية الفلسطينية، وإخلالا صارخا بمواثيق الجيرة بين الأشقاء.
هذا القطيع الذي تسوسه أمريكا سوقا حثيثا هذه المرة، بوهم الحماية وعنوان الصداقة والأحلاف، التي لم يعد لها تأثير اليوم على الساحة العالمية، وما يجري في أوكرانيا، دليل على عجز أمريكا زعيمة النّاتو، عن فعل شيء للرئيس الأوكراني (زيلنسكي) أمام الرّوس، رغم تحالف أوروبا معه أيضا.
امّا الملف الأهمّ الذي سيكون له الأولوية على طاولة البحث، وإن كان الأمريكيون قد حسموا أمرهم فيه، فهو الملف الإيراني، والتصعيد فيه اقتصاديا، بمضاعفة العقوبات الاقتصادية على إيران لتعطيل اقتصادها عن النموّ، في محاولة لخلق أزمة داخلية بين أفراد الشعب، بمواصلة الإدّعاء عليها بالعودة إلى جوهر الاتفاق، بينما يأتي تغريد الإدارة الأمريكية نفسها من خارجه، بعدما انسحبت منه سنة 2017 (3)، والأحقّ بالعودة من خرج منه وليس من بقي فيه ولم يحصل على مقابله.
هذا على الصعيد الحرب الإقتصادية، أما على مستوى الإستعدادات العسكرية، فقد نبعت فكرة شيطانية بتأليف حلف ناتو شرق أوسطي جديد، ترعاه الإدارة الأمريكية بالقيادة والتسليح، إلى جانب الكيان الصهيوني، وهو موجّه تحديدا ضدّ إيران، جاء بعد فشل العقوبات المسلّطة عليها، بقيت طريق واحدة مرشحة للدخول فيها، وهي توجيه ضربة أو ضربات عسكرية إلى إيران، قد تكون تقليدية، ولكن من المرجح أن تكون غير تقليدية، بمعنى مجازفة باستعمال السلاح النووي ضدّها، وهذا ما يدفع إليه الصهاينة في المقام الأول، والأمريكيون في المقام الثاني، وعملاؤهم في المنطقة في المقام الثالث، أمّا نتائج ما بعد الضربة، فلا أعتقد أنهم يملكون شيئا عن تداعياتها، وما إذا ستكون كفيلة بردع إيران عن برامجها ومشاريعها التحررية الإقليمية والعالمية.
ما يمكن قوله هنا أن العالم بأسره مقبل على تحولات كبرى، من شأنها أن تقلب أوضاعا سياسية عالمية، ستسقط فيه أنظمة متورطة في هذا الحلف الجديد سقوطا مدوّيا، لم تحسب له هذه الدول حسابا، لفرط ثقتها بقوة أمريكا العسكرية، وعدم الإلتفات إلى أن تحالفا طبيعيا ناشئا بين الدول المستهدفة أمريكيا، سوف يكون له ردّ طبيعي، ولن تبقى هذه الدّول المستهدفة مكتوفة الأيدي، وهي الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية وفنزويلا، متيقنة أنّه في حال حصول عدوان عسكري بقيادة أمريكية على إيران، بأنها ستكون الإستهداف الموالي بلا أدنى شك، فهل وعى قطيع الأعراب هذا الخطر المحتمل بقوّة، مهما كان مبلغ الضمانات التي وسوس بها إليهم الشيطان الأمريكي؟
بسياسات الغطرسة الأمريكية يعيش العالم اليوم على صفيح من حرب اذا ما اندلعت فان نارها ستصيب من أشعلها ومن تورّط فيها، ولن ينفع ندم بعدها، خصوصا قطيعنا العربي، الذي سوف يساق إلى مسلخ لم يكن في حساباتهم، ومن أعماه الاستكبار الأمريكي سيدفع الثمن غاليا، فليعتبر معتبر قبل الإنزلاق بشعبه إلى الهاوية.
المصادر
1 – بايدن في اسرائيل .. 5 قضايا تتصدر أجندة الزيارة تقرير
https://www.aa.com.tr/ar /2635819
2 – ميدالية الشرف
https://stringfixer.com
/ar/List_of_Jewish_Medal_of_Honor_recipients
3 – ترامب يعلن انسحاب بلاده من الإتفاق النووي الإيراني ويعيد العمل بالعقوبات على طهران
https://www.france24.com/ar/20180508-