الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

السياسة التركية على حدود القوة والإنهيار…بقلم المهندس ميشيل كلاغاصي

على مرّ القرون والعقود , لا يزال البحث عن أعداء تركيا مهمة سهلة بالمقارنة مع البحث عن أصدقائها , حتى أن علاقاتها في محيطها الجغرافي والحيوي والجيوسياسي وتحالفاتها الأطلسية والإستراتيجية , تبدو هشة وحذرة وغير مستقرة وتفتقد دائماً إلى الثقة , واحتاج “عقلها المفكر” داوود أوغلو لإبتكار معادلة “صفر مشاكل” , حفاظاً على دورها ومصالحها وأطماعها و”أحلامها بإستعادة أرض وأمجاد الأجداد”, عدواناً أو استلاباً , في إعتمادٍ شبه كلي على القوة العسكرية ووصول الجيش التركي وأدواتها الإرهابية إلى أبعد ما يكون وفي جميع الإتجاهات , فهل خرجت تركيا عن سيطرة الأقطاب الكبرى في هذا الجزء المعقد من العالم ؟ أم تكتفي بإستعراض عضلاتها في بحثها عن هويتها العثمانية الجديدة ومكانتها في العالم الجديد ؟ , وهذا يدفع للسؤال ماذا تريد تركيا من العالم ؟ وماذا يريد العالم منها؟.

وبالنظر إلى تاريخها , تبدو هيمنة حكم الإمبراطورية العثمانية جليةً على مدى سبعة قرون , بالمقارنة مع فترة حكم الدولة التركية القومية الحديثة (مصطفى كمال أتاتورك ), إلى أن فرض أحمد داود أوغلو رؤيته الجيوسياسية التركية المعاصرة وتبناها الرئيس أردوغان , والتي تحلم وتبحث في جوهرها عن إعتراف العالم بتركيا كقوة أوروبية ، وقوة في البلقان ، وقوة متوسطية ، وقوة شرق أوسطية ، وقوة شمال أفريقية ، وقوة قوقازية ، وقوة في آسيا الوسطى ، وقوة أوروبية آسيوية , من خلال إعلان نفسها كقوة إسلامية تمتلك حقوق ومبررات تاريخية لإدعاءاتها وأطماعها.

إن إعتمادها على الظهور الديني , دفعها للإصطدام بالمملكة العربية السعودية – وليس بإيران كما يعتقد البعض – على خلفية تقديم أردوغان نفسه قائداً للعالم الإسلامي السني المعتدل , بالتوازي مع حكم تركيا كدولة دستور وإنتخابات “ديمقراطية”، وهذا ما لا يُرضي الرياض وإيدولوجية الأسرة الحاكمة وبيئتها الوهابية , ويدفعها للتركيز على الإجماع الدولي وبعضه عربي , بتصنيف الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية”.

لم يجد الرئيس أردوغان صعوبةً لتقديم نفسه كقائدٍ ومتحدثٍ رسمي بإسم العالم الإسلامي في المحيط العربي , نتيجة تشرذم العالم العربي وإنقسامه حول القضايا الجوهرية والصراع العربي – الإسرائيلي , وإلتفافه نحو محفظة النقود السعودية والخليجية عموماً , الأمر الذي دفعه للغرق في فوضى التطرف والتطرف المعاكس , ولغض الطرف عن خطر التنظيم الإخواني وإرهابه في سوريا وليبيا وغير مكان , والتركيز على إستحضار الأحقاد والفتن والمشاركة في المؤامرات على أنظمة بعض الدول العربية , تمهيداً للإنبطاح في الحضن الأمريكي والإسرائيلي والذي تُرجم مؤخراً بتطبيع مذل ومجاني , حفاظاً على العروش والمكانة.

كذلك سعى أردوغان لإستمالة الشعب التركي تارةً عبر الإستفادة من المشاعر التركية التاريخية المناهضة للغرب عموماً , وتارةً عبر شحذ المشاعر القومية التركية , واستطاع إمتلاك القوة للمراهنة على النبضات الإسلامية والعثمانية الكامنة لدى بعض الشعوب ( إيغور , أوزبك , تتار , كازاخ ، قرغيز ، تركمان ، اّذار) , واتكئ عليها لنشر جنوده على امتداد حدود أطماعه , وبات الحديث عن تواجد عسكره وإنكشارييه تكتيكاً جيوسياسياً , يمكّنه من الوصول إلى قبرص واليونان وليبيا ولبنان وفلسطين المحتلة والسودان والقرم والصين , ناهيك عن دول الجوار في سوريا والعراق وناغورني كاراباخ …إلخ.

إن حضور تركيا الأطلسي وفي قلب الناتو , يمنحها مقعداً في الملعب الجيو سياسي الأوروبي , وإمكانية التلاعب بقضية اللاجئين وإثارة قلق الإتحاد الأوروبي المزمن وتحويله إلى أرق دائم … في حين تحافظ روسيا على علاقات عسكرية وسياسية وإقتصادية وسياحية مميزة مع تركيا , وتسعى لتطويرها , إلاّ أنها لا تشعر بالراحة , وتتعامل معها على مضض , حالها كحال الصين , سواء كان الحديث عن مسالك النفط والغاز وطريق الحرير والتجارة والمضائق البحرية .

لا يمكن الحديث عن سياسةٍ خارجية للدولة التركية مع كل هذه الطموحات والمغامرات ، والتي يراها البعض أفخاخاً نصبها اللاعبون الكبار على شكل صواعق قد تنفجر في لحظات , وتصنع الفارق لإنهاء الأرحجة التركية ما بين حدود القوة والإنهيار , فهناك من يراكم أخطائها ويضيق عليها الخناق تدريجياً , ومن يضعها أمام الخيارات الصعبة , كذلك لا يخفى على أحد إنقسام الداخل التركي , وميل الغالبية لتحميل حكومة أردوغان مسؤولية تردي الأوضاع الداخلية والمشاكل الخارجية , بالتوازي مع تاّكل وتدهور شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية , ناهيك عن تفشي الفساد والقمع والإقتصاد المتدهور … أما خارجياً , ومع احتدام المخاض الدولي , وتفاهمات قمة جنيف الروسية – الأمريكية , وإمكانية تبلور صيغ مؤقتة لحقن الصدام , ومع التقاطع الحتمي للمصالح الدولية الكبرى , والإحباط الذي شعر به أردوغان عشية قمة الـ G7 , وكلامه حول: “عدم حصولنا على الدعم الذي توقعناه من المجتمع الدولي سواء في المعركة ضد التنظيمات الإرهابية أو لجهودنا في زعزعة استقرار سوريا” , فقد تنعكس البوصلة لتعيد تركيا و”السلطان” إلى فراش الموت والمرض , ويستغلها التاريخ لتكرار نفسه ثانيةً , بالتوازي مع الرياح الجديدة للعالم الجديد.

شاهد أيضاً

72 ساعة لولادة الشيطان الجديد.. أمريكا بلا مساحيق التجميل…بقلم م. ميشال كلاغاصي

ساعات قليلة تفصل العالم عن متابعة الحدث الكبير, ألا وهو الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, و”العرس الديمقراطي” …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024