الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

السياسة الخارجية لادارة ترامب وإرتباطها بالدوائر الانتخابية في الولايات المتحدة

بقلم الدكتور بهيج سكاكيني |

المتابع والمدقق للسياسة الخارجية الامريكية لادارة ترامب يستطيع ان يستشف العلاقة العضوية والوثيقة بينها وبين الدوائر الانتخابية في الولايات المتحدة والتي ستلعب الدور الحاسم في الانتخابات الرئاسية 2020.

ومن هذا المنطلق يمكن للمرء ان يراهن على أن ادارة ترامب ستعمل على تقديم مزيد من التنازلات التي يتم منحها لاسرائيل ورئيس وزرائها المجرم بنيامين نتنياهو وذلك للحصول على أصوات الجالية اليهودية والاهم من ذلك المال. ومن المثير للاهتمام والملاحظة كيف يساهم القلة من اليهود الامريكيين مثل الملياردير شيلدون اديلسون بعشرات الملايين من الدولارات للسياسيين وحملاتهم الانتخابية والذين بدورهم يقومون منح دافع الضرائب في الكيان الصهيوني عشرات الملايين من الدولارات في المقابل هذا عدا عن الدعم السياسي والدبلوماسي لهذا الكيان في خرقه كل القوانين والاعراف الدولية وكأنه فوق القانون الدولي. والجميع يدري ان رشوة السياسيين والوكلاء والوسطاء هو أكبر استثمار اليوم في الولايات المتحدة.

قبل مدة وجيزة اسدى بولتون زيارة الى اسرائيل ربما لتلقي أوامره من نتنياهو وكيفية الدفع في إتجاه التصعيد مع إيران. أما نائب الرئيس بنس فقد ابدى حماسة منقطعة النظير وتأييد غير محدود او متحفظ لاسرائيل عندما تحدث في الاجتماع الذي عقد في اورلاندو في وقت سابق وهو يطلق حملة ترامب الرئاسية لعام 2020 . أما الرئيس ترامب فقد اتهم النائبة في الكونغرس الهان عمر بأنها معادية للسامية لدعمها لحركة المقاطعة والعقوبات ضد اسرائيل لسياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين. أما غرينبلات فقد صرح مؤخرا ان اسرائيل هي “ضحية” الصراع وأن الضفة الغربية ليست اراضي محتلة وذلك في البحرين على هامش الاجتماع الاقتصادي التي عقد في المنامة عاصمة البحرين بهدف بدأ التطبيع الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني. بمعنى ان اللعبة قد بدأت فعلا وبتناغم من قبل ركائز إدارة ترامب.

الى جانب هذا الدعم الغير محدود للكيان الصهيوني وسياساته التي تشابه في مجموعها السياسة التي كانت تتبعها المانيا النازية تجاه اليهود وغيرهم فإن إدارة ترامب ايضا وقفت الى جانب السعودية في قضية مقتل الصحفي السعودي الخاشقجي ورفض ترامب توجيه اي إتهام الى ضلوع الامير محمد بن سلمان في مقتله والتشنيع في جثته بتقطيع اوصاله وعدم الكشف عن اين دفنت اوصاله بعد تقطيعها واستغل هذه الحادثة ليقوم بمزيد من الحلب للسعودية. كما وان الدعم اللوجيستي والعسكري والسياسي للسعودية في حربها العدوانية على اليمن ازداد اضعافا بمجيء هذه الادارة والتي تقف لغاية الان ضد ادانة الجرائم والمجازر التي ترتكبها السعودية في اليمن والتي اصبحت مدانة من قبل العديد من الاطراف الدولية بما فيها الدول والمنظمات الحقوقية والانسانية. وإدارة ترامب ما زالت تصر على بيع الاسلحة وبكافة انواعها واشكالها وحتى تلك المحرمة دوليا الى السعودية ووقفت ضد قرار الكونغرس الذي نادى بوقف بيع الاسلحة الى السعودية مستخدما حق النقض الي يتيح للرئيس تجاوز هذه القرارات وذلك لثلاثة مرات لغاية الان.

وهذا يأتي ارضاء للمجمع الصناعي العسكري الذي يحقق ارباحا طائلة من بيع هذه الاسلحة ومن المعروف ان هذا المجمع يلعب دورا كبيرا في الانتخابات في امريكا وخاصة الانتخابات الرئاسية. ولا بد لنا هنا من الاشارة الى ان وزير الدفاع الجديد مارك اسبر الذي تم تعيينه من قبل إدارة ترمب له علاقات وثيقة بمجمع الصناعات العسكرية سواء بالعمل ضمن مجموعات الضغط في عالم صناعة الاسلحة أو من خلال تعينه بشركة رايثون كأحد كبار المتعاقدين في مجال الاسلحة. وتعتبر شركة رايثون من اكبر الشركات للصناعات العسكرية في الولايات المتحدة وقد قامت بالتبرع بأكثر من 3 ملايين دولار في انتخابات عام 2016 وقد سبق وأن صرح المدير التنفيذي لهذه الشركة عام 2017 أن إدارة ترامب قد فتحت العديد من الابواب للشركة لبيع مزيد من الاسلحة.

والمجمع الصناعي العسكري يشكل إحدى الدوائر الانتخابية الهامة في أمريكا وهذا المجمع بحاجة ملحة للدعم من قبل الرئاسة وخاصة ضمن بيع الاسلحة الامريكية في الاسواق العالمية وخاصة للحلفاء والادوات في ظروف تنامي الصناعات العسكرية الروسية المتطورة والتي اثبتت في بعض الميادين على الاقل على تفوقها على التكنولوجيا الامريكية. وربما خير مثال على ذلك عقد الصفقات مع كل من الهند وتركيا مؤخرا على شراء صواريخ س-400 المتطورة وهنالك حديث يدور على انتاج س-500 الاكثر تطورا. هذا الى جانب المشاكل التقنية التي توضحت في طائرة الجيل الخامس الامريكية ف-35 وتمكن الدفاعات الجوية السورية من اسقاط طائرة ف-16 بصواريخ طورتها سوريا وليس باستخدام اس-300 الروسية. وتقوم إدارة ترامب منذ فترة بالضغط على الهند بعدم شراء منظمة صواريخ اس-400 الروسية في مقابل توريد منظومة “ثاد” الامريكية المضادة للصواريخ الى جانب بيعها طائرات ف-35. ولكن الهند رفضت العرض الامريكي ومصممة على إكمال صفقة اس-400 مع روسيا التي اصبحت منافسا قويا للصناعات العسكرية الامريكية وخاصة المتطورة منها والتي تستخدم تقنيات عالية. وقد قامت الهند بشراء 250 طائرة سو-30 من روسيا في بداية هذا العام. وقد عرضت روسيا على تركيا شراء سو-35 بدلا من ف-35 بعد ان رفضت الولايات المتحدة تسليمها لتركيا على أثر إكمال صفقة شراء اس-400 مع روسيا في سابقة ملفتة للنظر لدولة من دول حلف الناتو.

أما الجبهة الاخرى التي عملت وتعمل عليها الادارة الامريكية هي القاعدة الشعبية الشعبوية المهمشة في الولايات المتحدة والتي تمكن ترامب من تحشيدها لصالحه في الانتخابات الرئاسية والتي اوصلته الى البيت الابيض. وهنا يكمن التحرك على الشعارات التي رفعها ترامب اثناء حملته الانتخابية من “جعل امريكا دولة عظمى مرة اخرى” وكذلك العمل على خلق فرص عمل داخل الولايات المتحدة والعمل على الحد من الهجرة والمهاجرين وكأن ترامب ليس من اصول مهاجرة, ولكن المقصود هنا بالمهاجرين ذوي البشرة البنية والسوداء على وجه التحديد. والعمل على هذه الجبهة والدائرة الانتخابية بذل ويبذل ترامب اقصى جهده ليبقى على هذه الدائرة الانتخابية وولائها له في الانتخابات القادمة.

وفي هذا الاطار كان تصميم ترامب على بناء الجدار الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة للحد من الهجرة عبر هذه الحدود وقامت الشرطة بملاحقة المهاجرين الغير شرعيين وتم فصل الاطفال عن امهاتهم ووضعهم في مراكز ايواء تحت ظروف قاسية وغير إنسانية على الاطلاق مما اثار إستنكار العديد من المنظمات الحقوقية والعاملة في مجال حقوق الانسان. وتبع ذلك تسليط جم غضب ترامب على السيدات التي وصلن الى الكونغرس من اصول مهاجرة تمثل الاقليات, وخاصة الهان عمر متهما اياها بأنها ضد الولايات المتحدة وتعمل ضد اسرائيل وعلى انها معادية للاسامية وقد وصل به حد الى مطالبتها بالعودة من حيث اتت.

والذي يبدو ان ترامب قد قرر ان يتخذ من الهجوم على هؤلاء النواب الديمقراطيون الجدد اللواتي ينتمون الى الاقليات مادة رئيسية في حملته الانتخابية للرئاسة ضد الحزب الديمقراطي. حيث يصفهم بأنهم اشتراكيين او شيوعيين وتحريف انتقاداتهم للممارسات الوحشية لاسرائيل تجاه الفلسطينيين باتهامهم بمعاداة السامية وانهم كارهين لامريكا واسرائيل. ولا شك ان هذه الاستراتيجية التي بدأ ترامب فعلا بتطبيقها والتي تجمع بين التوجهات العنصرية والكراهية للمرأة والمناهضة للمهاجرين والمسلمين قد عملت بشكل جيد مع ترامب حتى الان في اوساط القاعدة الشعبوية التي يرتكز عليها كدائرة انتخابية هامة للوصول مرة اخرى الى البيت الابيض. ولقد لاقت تصريحات ترامب العنصرية المتكررة ” هم يكرهون بلدنا” و “لماذا لا يعودون الى بلادهم؟ اذانا صاغية لدى دائرته الانتخابية. ويكفي ان نشير هنا الى هتافات أنصاره ” اعدها الى بلادها” عندما اتى على ذكر إلهان عمر أثناء الحشد الانتخابي لترامب بولاية نورث كارولينا قبل فترة. إثارة النعرات العرقية والعنصرية في المجتمع الامريكي ومبدأ “تفوق البيض” والكراهية لذوي البشرة البنية والسوداء اصبحت سمات مميزة لعهد ترامب وركيزة اساسية من حملته الانتخابية.

أما إتباع سياسة متشددة وعدوانية ضد بعض الدول مثل إيران وفنزويلا وكوبا وسوريا وكوريا الشمالية وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على هذه الدول في محاولة تركيعها او تغيير الانظمة بها فيأتي ضمن إعطاء الانطباع ان ترامب عمل ويعمل على “إعادة القوة والهيبة” لامريكا على الساحة الدولية تحت الشعار الذي رفعه اثناء حملته الانتخابية ” لنجعل امريكا قوية وعظيمة مرة اخرى”. ومن هنا جاء إعلان انسحابه من الاتفاقية الموقعة بين الدول الست الكبرى وإيران على برنامجها النووي والاصرار الذي تبديه ادارته للعمل على تغيير الاتفاقية الموقعة لصالح الكيان الصهيوني والاذناب في المنطقة وتكبيل الدور والنفوذ الايراني في المنطقة كقوة إقليمية . ويدخل ضمن هذا الاطار ايضا العقوبات المفروضة على روسيا وتصعيد الحملات الاعلامية ضد الرئيس بوتين في الصحافة الامريكية وتحميل روسيا مسؤولية عدم الاستقرار في المنطقة وذلك بدعمها لكل من إيران وسوريا. أما الصين فلم تستثنى من السياسة العدوانية الامريكية وخاصة في المجال الاقتصادي عن طريق فرض رسوم إضافية وجديدة على البضائع الصينية وتحميلها الجزء الاكبر للتعنت الذي تبديه كوريا الشمالية ورفضها للضغوط الامريكية للاستسلام والتخلي عن برامجها النووية وبرنامج الصواريخ الباليستية التي شكلت للان قوة ردع ضد العدوان الامريكي المباشر على اراضيها .

بمعنى ان ترامب يقود حربا مباشرة او غير مباشرة من عسكرية وإقتصادية وسياسية وإعلامية على بلدان العالم التي ترفض ان تقف تحت المظلة الامريكية كوسائل “لاعادة القوة والعظمة الامريكية” التي فقدتها وذلك لليونة التي ابداها من سبقوه من الروؤساء وخاصة الرئيس أوباما من وجهة نظره. وهو بالتأكيد قد فشل فشلا ذريعا في هذا التوجه ولكنه يريد ان يعطي الانطباع للداخل الامريكي ولقاعدته الانتخابية انه يقوم بتنفيذ ما وعدهم به.

في النهاية نود ان نؤكد ان سياسة أدارة ترامب في المرحلة القادمة المقبلة تأتي متطابقة ومتناغمة ومشابهة في الشكل والمضمون مع سياساته السابقة التي اوصلته الى البيت الابيض وذلك بالتركيز على ثلاثة محاور مرتبطة بالدوائر الانتخابية داخل الولايات المتحدة الا وهي الحصول على دعم الجالية اليهودية في امريكا بالاصوات والمال, وكذلك دعم المجمع الصناعي العسكري الامريكي الى جانب الدائرة الانتخابية من أصوات الامريكيين البيض المهمشين والتي لعبوا دورا حاسما في إيصاله الى البيت الابيض. ومن يراقب السياسات المتبعة لادارة ترامب وزبانيته وتصريحاتهم يرى أنها موجه الى الثلاثة دوائر انتخابية التي ذكرناها.

 

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024