بقلم: محمود كعوش |
ترى لماذا يُجيز المجتمع الدولي للمغتصبين الصهاينة والمستعمرين الأمريكيين ما يرتكبونه من جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين خاصة والعرب عامة منذ 71 عاماً، هي عمر اغتصاب فلسطين وتحويلها إلى كيان صهيوني مسخ في عام 1948!!؟
ولماذا تقوم الدنيا ولا تقعد عندما يقتل مواطن فلسطيني جندياً أو مستوطناً صهيونياً وعندما يقتل عربي جندياً أو مرتزقاً أميركياً، ولا يحرك أحد في هذا المجتمع ساكناً عندما يرتكب جيشا الاحتلال الصهيوني والأمريكي المجازر والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين والعرب هنا وهناك في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج؟
وهل حقاً أن كل هذا يحدث بمثل هذه الكيفية البربرية والمنافية للحق والعدل اللذين أجازهما القانون الدولي “لأن الدماء الصهيونية والأمريكية أطهر وأنقى وأغلى ثمناً من الدماء الفلسطينية والعربية بشكل عام”، وفق ما اعتاد الترويج له قادة الكيان الصهيوني العنصري في تل أبيب والمحافظون الجدد الأشرار في واشنطن!!؟
أجزم بعدم صحة هذه المقولة الخرافية والحمقاء، لأن الدماء الفلسطينية والعربية عامة بمسلميها ومسيحييها والإسلامية بشكل عام أطهر وأنقى وأغلى ثمناً ملايين المرات من الدماء الصهيونية والأميركية النجسة على حد سواء.
أذاً لماذا يستمر الإرهابيون الصهاينة في مغالطة أنفسهم وهم الذين يحتلون الأرض الفلسطينية بالإرهاب والقتل والبطش والسحل والإبادة الجماعية والتدمير وفي وضعٍ مُخالفٍ ومغايرٍ للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة منذ ما يزيد على 72 عاماً، فيوجهون تهمة الإرهاب هكذا جوراً وبهتاناً للفلسطينيين؟
ولماذا يستمر الإرهابيون الأمريكيون في مغالطة أنفسهم أيضاً وهم الذين احتلوا أراض عربية لسنوات عديدة وعاثوا فساداً ولا زالوا في أراض عربية أخرى تحت شتى الشعارات الواهية وبالإرهاب والقتل والبطش والسحل والإبادة الجماعية والتدمير وفي وضعٍ مخالفٍ ومغايرٍ للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة أيضاً منذ الولادة القيصرية لقاعدتهم الصهيونية التي أقيمت على أنقاض فلسطين في عام 1948!؟
لا أعتقد أن في المغالطتين شيئاً من الصحة، بل أجزم قاطعاً أن المحتلين الصهاينة والأمريكيين هم الإرهابيون الحقيقيون. فالفلسطينيون يدافعون عن عرضهم وأرضهم ويناضلون من أجل الحفاظ على العرض وتحرير الأرض أملاً في نيل الاستقلال والعرب الآخرون هنا وهناك في الوطن العربي يدافعون أيضاً عن عرضهم وأرضهم ويناضلون من أجل الحفاظ على العرض وتحرير الأرض سعياً لاستعادة الاستقلال.
أسئلة وتساؤلات وعلامات استفهام عندما تتم الإجابة عليها أو يُصار إلى تعليلها أو سرد مبرراتها “توافقاً” أو “تعارضاً” مع القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية وقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة، لا يمكن حصرها في غير دائرة واحدة مفادها أن أصحاب القرار في كل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يتعاملون مع الفلسطينيين خاصة والعرب عامة وفق نهج الإرهاب وشريعة الغاب وسياسات الإمبراطوريات الاستعمارية التوسعية التي سادت العالم ما بين القرون الوسطى ونهايات القرن التاسع عشر. ففي إطار نهج الإرهاب وتلك الشريعة والسياسات، كان يحق لسلطة الاحتلال ضم الأراضي المحتلة إلى أراضيها أو بيعها أو تأجيرها أو التنازل عنها لدولةٍ أخرى. ومع انعقاد مؤتمر بروكسيل عام 1874م وتمخضه عن اتفاقية خاصة بالطبيعة القانونية للاحتلال الحربي، أُسقط هذا الحق عن دولة الاحتلال.
وفي عام 1913م أوضح “الوجيز الفرنسي للقانون الدولي” ذلك في نصٍ واضحٍ جاء فيه “أن الاحتلال لا ينقل أي حقٍ من حقوق السيادة إلى القائم به، لكنه ينقل بعض مظاهر ممارسة هذه السيادة فقط، مع ضرورة الحفاظ على الأمن والنظام في الأراضي المحتلة من قِبل سلطة الاحتلال إلى حين زوال الاحتلال”. وبمعنى آخر تتمتع سلطة الاحتلال – مثل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية – بسلطةٍ مؤقتةٍ ومحدودةٍ ترتبط بشرط الضرورة لحماية الأمن والنظام فقط لا السيادة الشرعية. ومهما يطول الاحتلال “لا يجوز بحال من الأحوال ضم الأراضي المحتلة إلى أراضي سلطة الاحتلال أو إقامة حكمٍ مدني فيها”. وَتَمَ تأكيد ذلك في المادة “47” من اتفاقية جنيف الرابعة في نصها القائل “أن الاحتلال الحربي حالة مؤقتة تنتهي مع إيجاد تسويةٍ سلمية بما يترتب على ذلك حتى التبعات القانونية”. كما وأضافت المادتان الأولى والثانية من البروتوكول الإضافي لعام 1977 الملحق بالاتفاقية مزيداً من التأكيد في القول “أن السكان المدنيين والمحاربين يبقون تحت حماية ومفعول حياد القانون الدولي – لا القانون الصهيوني أو الأميركي – ويُطبق ذلك في حالة النزاع المسلح حين يناضل الشعب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال المعادي والأنظمة العنصرية ومن أجل حقه في تقرير مصيره”، وهي أمور تم تثبيتها في ميثاق الأمم المتحدة وضمانها من قبل القانون الدولي.
هذا في ما يتعلق بالطبيعة القانونية للاحتلال الحربي، أما في ما يختص بالعدوان فإن “المعنى يقع في قلب الشاعر” كما يقول المثل الشعبي الشائع، إذ أن كلمة العدوان تُعرف نفسها بنفسها. فالعدوان عبارة عن اجتياح الأراضي من قبل دولة أو قوات أجنبية كغزو الأراضي بالطرق البرية أو الجوية أو البحرية أو اجتياحها أو قصفها أو محاصرة شواطئها، وهذا ما ينطبق تماماً على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. وهذا التعريف ورد في معاهدة “بريان – كيلوغ” التي صدرت قبل أكثر من ثمانية عقود، وأكده ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي تمَ توقيعه عام 1945 على خلفية الحربين الكونيتين الأولى والثانية.
وفيما يتصاعد العدوان الصهيو – أمريكي على الفلسطينيين والعرب عامة بشكل يومي، وفيما تتصاعد المطالبة بمحاكمة أشرار تل أبيب وواشنطن أمام محكمة دولية، نستذكر ما جاء في المادة السادسة “أ” من الميثاق في تعريف نظام المحكمة الدولية للعدوان “إنه جريمة ضد السلام”. أما جوهر العدوان فيتلخص في ضم أو اغتصاب أرض الغير ونهب واستعباد الشعوب الأخرى وإبادة السكان المدنيين بالجملة وإبعادهم وتهجيرهم. ووفقاً لأحكام القانون الدولي المعاصر تعتبر “أرض الدولة حُرمة لا تُمس ويجب أن لا تكون عرضة للاحتلال الحربي المؤقت أو للضم وبسط سلطة دولة أخرى عليها”. وتُضيف أحكام هذا القانون “أن الشعب هو مالك أرضه وصاحب الحق الأعلى في التصرف بها”.
ونبقى في إطار العدوان فنضيف أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عَرَّفت الفعل العدواني في ثماني موادٍ واضحة عام 1974 ننتخب منها فقرةً واحدةً فقط تنص على “أن التخطيط والتجهيز والإعداد لشن حرب عدوانية من قبل دولة على دولة أخرى جريمة ضد السلام تتنافى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية” تماماً كما “أن جرائم القتل والإبادة الجماعية والتعذيب والتهجير والإبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية تندرج تحت عنوان الجرائم ضد الإنسانية”، وهذا ما انطبق وينطبق على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة في كل من فلسطين والعراق وأقطار عربية أخرى. وقد أرَّخَت “محكمة نورمبرغ” التي أنشئت بموجب اتفاقية لندن عام 1945 لمثل هذه الجرائم في القرن الماضي وفي مقدمها جرائم الحرب التي ارتكزت على انتهاك قوانين الحرب، بانتظار أن يُصارَ إلى تشكيل محكمةٍ مماثلةٍ لتؤرخ للجرائم الصهيونية والأميركية في كل من فلسطين والعراق. نُذَكّر بأن نورمبرغ كانت العاصمة الروحية للرايخ الثالث.
ولا يفوتنا أن نؤشر إلى أن كل ما يرتكبه جيشا الاحتلال الصهيوني والأمريكي في فلسطين وبعض البلدان العربية يتنافى تماماً مع معاهدة فرساي 1919 واتفاقية لندن 1945 واتفاقيات جنيف 1949 والاتفاقية الخاصة بمنع وقوع جرائم الإبادة والمعاقبة عليها التي أقرت عام 1948 وأُدخلت حيز التطبيق عام 1951. فالاتفاقية الأخيرة تقول في مادتها الأولى بأن “الإبادة الجماعية بغض النظر عن ارتكابها في زمن السلم أو زمن الحرب تُعتبر جريمة تخرق قواعد القانون الدولي، وتلتزم الدول أطراف الاتفاقية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع وقوعها ومعاقبة مرتكبيها في حال حصولها”.
ما من أحد ينكر أن الكيان الصهيوني في تل أبيب يحظى “بسمعة طيبة في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان” في الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، باعتبار “أنه جزء من هذا الغرب وامتداد حضاري له”!! وفي هذا الإطار يمكن الإقرار بأن مظاهر الديمقراطية وحقوق الإنسان تبدو في هذه الكيان اللقيط واضحة في مجال محاسبة ومساءلة وإدانة المسؤولين في المستويات العليا للسلطتين السياسية والعسكرية عندما يتعلق الأمر بالفساد المالي والأخلاقي. ومسلسل المحاسبة والمساءلة والإدانة لكبار الموظفين والوزراء ورؤساء الحكومات ورئيس الدولة نفسه والذي كان أبرز حلقاته مساءلة رئيس الوزراء السابق دافيد أولمرت ومن قبله سلفه آرئيل شارون ونجليه وبنيامين نتنياهو وآخرين غيرهم يدلل على صحة ذلك.
لكننا نرى أنه عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين فإن الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذا الكيان توضع على الرف أو تُركن جانباً، ويستعاض عنها بجميع الأدوات والآليات التي تكرّس العدوان وتخدم استراتيجية التوسع الاستعماري الاستيطاني.
وما يُقال عن الكيان الصهيوني ينسحب تماماً على الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين أيضاً والعرب والمسلمين بشكل عام. ولعل ما حصل ولم يزل يحصل في أفغانستان منذ عام 2001 وما حصل في العراق لعدة سنوات بعد عام 2003 وما يحصل في سورية وغيرها من البلدان العربية تحت يافطة “الربيع العربي” المزعوم منذ عام 2011 حتى يؤكد ذلك!!
ففي حال توفر “التوافق” بين السياسات والاستراتيجيات الصهيونية والأمريكية والقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة يُظهر الكيان الصهيوني وكذلك الولايات المتحدة حرصاً بالغاً على هذه مجتمعةً أو منفردة. أما في وضعية “التعارض” فيتجاهل كلاهما هذه مجتمعة أو ما يتعارض منها مع سياساتهما واستراتيجياتهما. وقد يصل الأمر في أحيان كثيرة حد التجاوز والخرق والتحدي السافر، كما هو الحال مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة الخاصة بخصوص قضية الصراع العربي ـ الصهيوني والعدوان المستمر على أفغانستان والعديد من البلدان العربية والإسلامية.
ما من شك في أن القراءة المبسطة للمقتطفات التي اجتزأتها من القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها للاستشهاد بها، ومحاولة فهم كيفية تعاطي تل أبيب وواشنطن مع هذه المقتطفات والقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية بشكل عام يُظهران لنا بكل بساطة مدى عمق “التعارض” القائم وَحِدَتِهِ، الأمر الذي يؤكد بأن العاصمتين تنطلقان في تعاملهما مع الفلسطينيين والعرب مسلمين ومسيحيين والمسلمين بشكل عام من نهج الإرهاب الذي أسس له المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897 ومن شريعة الغاب وسياسات الإمبراطوريات التي سادت العالم بين القرون الوسطى ونهايات القرن التاسع عشر. فأصحاب القرار في العاصمتين عادة ما يشكلون وجهين “لعملة” واحدة بالية وقذرة تجاوزها الزمن وأصبحت من مخلفات العصور الغابرة. ومن هنا كان ذلك التناغم الدائم بين نهج الإرهاب وشريعة الغاب في العاصمتين، برغم تبدل الوجوه الحاكمة فيهما. حقاً أن تل أبيب وواشنطن هما وجهان لعملة واحدة وأن العدالة الدولية ضائعة بينهما.
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
* كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك