الأحد , 10 نوفمبر 2024

السيسي “جزء من العقوبات الأميركية”!؟…بقلم: د. وفيق إبراهيم

مسألة معدودة ويصبحُ الرئيس السيسي فرعوناً مصرياً بصلاحيات مطلقة وبولايات رئاسية ممتدة حتى العام 2030.

ولم لا؟ فالرجل أثبت مهارة في تبديد قوة مصر وتجميدها عند حدود معاهدة كمب دايفيد، لا بل تعداها بتأييده لسياسات أميركية جديدة تحمل في مضامينها صفقة القرن التي تنهي قضية فلسطين، ومجمل الدور العربي في الشرق الاوسط.

فماذا فعل السيسي حتى يستحق هذه المكافآت الأميركية؟ نجح في القضاء على الاخوان المسلمين في مصر، راكباً موجة تظاهرات شعبية ضخمة كانت تعترض على حكمهم، فاستفاد منها لتلبية تعليمات أميركية طلبت منه تحريك الجيش وإنهاء حكم الرئيس مرسي.

فلبّى الطلب دون ان يعرف أن الأميركيين لم يعودوا يريدون جناح الاخوان المسلمين في الارهاب الاسلامي.

لقد بدا الرجل بدائياً في السياسة ومتمكناً في اساليب القمع وملتزماً الاستسلام الكامل لما يريده الأميركيون، ابتداء من العلاقات العميقة مع «إسرائيل» وصولاً الى الحلف الاساسي مع السعودية والإمارات.

لكن الدور الجديد المتسع المدى المطلوب منه من قبل اصدقائه الأميركيين يشمل الشرق الاوسط وأفريقيا العربية، ما يفترض تحويله «فرعوناً» لمدة رئاسية كافية، خصوصاً أن المشروع الأميركي في سورية والعراق يتراجع مقابل استبسال فلسطيني برفض صفقة القرن.

بالإضافة الى ان الدور التركي الاطلسي يسجل تمرداً ويحتمي بروسيا وإيران في بعض الحالات.

ما هي الادوار المطلوبة من الفرعون الجديد؟

الحاجة الدولية الماسة إليه، تتبدّى في سرعة إقرار التعديلات الدستورية التي وافق عليها البرلمان المصري قبل ثلاثة ايام وينتظر أن يؤيدها استفتاء شعبي بعد ثلاثة أيام أيضاً بمعدلات مرتفعة وخيالية، ألم يحزّ السيسي في استفتاءات سابقة على 99,50 في المئة علماً ان مناوئيه من الاخوان المسلمين كانوا يشكلون في ذلك الوقت «نصف مصر» على الأقل.

لقد قضت هذه التعديلات بتمديد الولاية الرئاسية الى 6 سنوات ويحق للرئيس بولايتين الامر الذي يتيح للفريق السيسي البقاء في الموقع حتى العام 2030، للاشارة فإن اقتراح هذه التعديلات أعقب زيارة أميركية للسيسي التقى خلالها صديقه الأميركي دونالد ترامب، فهل هي مصادفة ام ان الأميركيين اصيبوا بسرور من ادائه الرئاسي الملائم لحاجاتهم فقرروا تمديد ولاياته لتواكب أيضاً الاضطرابات في بلدين مجاورين لمصر هما ليبيا والسودان، فبذلك يستطيع تعميم خبراته الرئاسية على هاتين الدولتين الشقيقتين.

يبدو ان السياسة الأميركية المتراجعة في الشرق تحاول إعادة تعويم وضعها بحركتين سريعتين: صفقة القرن بما تعنيه من تغيير جذري في المنطقة من مرحلة عداء لـ«إسرائيل» الى حالة حلف معها في وجه إيران وكل أعداء الولايات المتحدة الأميركية.

اما الحركة الثانية فهي ناتجة من الاولى وتسارع لتسليم السودان الى جيشها وكذلك في ليبيا، ما ينتج فوراً ثلاث دول متجاورة هم مصر والسودان وليبيا فيهما أنظمة عسكرية بالإمكان تغطيتها بعباءات قانونية مفبركة على شاكلة انتخابات السيسي واستفتاءاته.

وبإمكان هذا الحلف العسكري السياسي ان يمارس دوراً أساساً في مدى يبدأ من إثيوبيا وحتى الصومال مروراً بكامل القرن الأفريقي، الى جانب تأثيره في شمال أفريقيا من الجزائر حتى موريتانيا وتشاد مروراً بالمغرب.

أما لجهة تأثيره على بلاد الشام والعراق، فيستطيع بتحالفه مع السلطة الفلسطينية والاردن ودول الخليج ان يمارس ضغوطاً كبيرة لتغطية صفقة القرن بتوطين قسم من الفلسطينيين في دوله الثلاث مقابل تعويضات ضخمة من الخليج، اما لجهة الأطراف المعترضة على صفقة القرن فيتعهد هذا الحلف الثلاثي الخليجي مجابهتها سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً اذا كان الأمر يتطلب تغطية هجمات أميركية إسرائيلية على إيران وسورية وحزب الله.

بذلك يوقف الأميركيون تراجعاتهم في الشرق الاوسط مجهضين الدور الروسي والتحالفات الإيرانية والطموح الصيني واضعين حدوداً هم الذين يرسمونها لمحاولات اوروبا الدخول الاقتصادي الى بلاد العرب وإيران وصولاً الى الحدود السورية اللبنانية.

من هنا تنبعُ اهميات السيسي المنقطعة النظير والمرتبطة بالمصالح الأميركية في العالم، ولا علاقة لها بآلام المصريين أهل أم الدنيا الذي يصيب الفقر وحالة دون الفقر نحو 75 في المئة منهم.

يكفي أن الأميركيين وعَدوهم سابقاً بازدهار اقتصادي لا مثيل له وبعد موافقتهم مباشرة على معاهدة كمب دايفيد، الآن وبعد اربعين عاماً على توقيعها، ازداد المصريون فقراً وخسرت مصر موقعها الاساسي في العالمين العربي والاسلامي.

كما فقدت إمكاناتها الصناعية التي كانت متواضعة وتعد بمستقبل مشرق لم يحدث اي شيء من هذا، بل تعرّضت لتواطؤ من دول أميركية ونفطية تحالفت مع «إسرائيل» لتقليص حصة مصر من نهر النيل وضرب الزراعة فيها، على محدوديتها.

السيسي اذاً أداة أميركية بثياب فرعون يحلم بمعونات خليجية وأميركية تنقذ حكمه السياسي.

انما من دون جدوى لأن الازدهار الاقتصادي لا يقوم على هبات خارجية، قد تَسدُ جزءاً من الكبوات الاقتصادية لمدة محدودة، لكنها ليست دائمة، ووحده الاقتصاد المنتج هو الذي يؤسس لمجتمع مستقر.

لذلك فإن ارض الكنانة بحاجة لحركتين متزامنتين: التأسيس لبنى إنتاجية داخلية بمواكبة تشجيع الزراعة والصناعة الى جانب انفتاح سياسي واقتصادي مع بلاد الشام والعراق وشمال أفريقيا والسودان من دون نسيان التنسيق العسكري.

هذه هي مصر التاريخية التي تحتاج الى فرعون أصلي يؤمن بأهمية التحالف مع بلاد الشام ولا يجسد جزءاً من العقوبات الأميركية المفروضة على سورية والتي لا ترحم ايضاً حتى المصريين أنفسهم.

(البناء)

شاهد أيضاً

كتب د. وفيق إبراهيم: لماذا يمنع الغرب العرب من الاندماج

سورية هي الاستثناء الوحيد لعشرات الدول العربية التي تخضع للنفوذ الأميركي ـ الغربي فلماذا لا …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024