بقدر عزم الجمهورية الاسلامية الإيرانية على تحقيق أهدافها النّبيلة، التي رسمها لها قائد ثورتها ومؤسس نظامها الإسلامي الامام الخميني، جاءت نتائج استعداداتها الحثيثة، ملفتة لأنظار المتابعين من خبراء العالم ومفاجئة لهم، بحيث لم يكن أغلبهم متوقعا أن تصل إيران في ظرف أربعين عاما ، الى مستوى من التقدّم والنجاحات عجزت عنهما كثير من الأنظمة، وهي في وضعية أحسن منها، من حيث اليسر ومساعدة دول كبرى، بينما تُعتبر إيران الإسلامية حالة استثنائية، من حيث كونها مستهدفة من طرف أعدائها، بمؤامرات وعقوبات لو صُبّ بعضها على غيرها، لسقطت في زمن قصير.
وطبيعي أن تتجه إيران الإسلامية بسرعة نحو التّسلّح، وكسب القوة والاكتفاء الدّاخلي في تصنيعه، ليقينها التّامّ بأنها إن لم تستحث الخطى في هذا المجال، فلن يكون بإمكانها الحصول عليه من الخارج، بحكم بروتوكولات التبعية، وشروطها الحاكمة في الدول، التي تتوسّل سلاحها من مصادره الإستكبارية، الحاكمة فيه بما يحلو لها، وتدرك أيضا ما يتهدّد أمنها، ويستهدف نظام حكمها، ومشروعها التحرّري الكبير، في تخليص فلسطين من نَيْرِ الصهيونية المقيتة، بل وإنّ أمل ذلك المصلح الكبير، في تأسيس حزب المستضعفين في العالم قد بدأ يتحقق .
تجربة نقص السلاح لدى ايران وفقدان قطع غياره، خلال عدوان الثماني سنوات من الحرب المفروضة، دفعت بكفاءاته العسكرية الصناعية، الى انتهاج سبيل تطوير ميدانه، وتحقيق الاكتفاء منه، على مراحل متسارعة، وقد وفّق الله إيران في هذا المجال، وهي اليوم تمتلك مصانع للأسلحة متعددة الاختصاصات، وتفاجئ العالم كل شهر تقريبا بإنجاز، يجعلها تُنافس الدول الكبرى المصنعة للأسلحة.
في هذا السبوع سلمت الصناعات البحرية العسكرية الإيرانية الى قوات الجيش والحرس الثوري 110 من مختلف القطع البحرية الجديدة، زوارق سريعة (عاشوراء)، وسفن مراقبة (ذو الفقار)، وغواصات صغيرة (طارق)، ماضية قُدُما في إطار تمكين القوات المسلحة، من توفير وسائل وتجهيزات عسكرية متطوّرة، تساعدها على اتمام مأمورياتها، وإنجاز مهامها الدفاعية والهجومية على أكمل وجه.
هذا وقد ذكرت صحيفة فوربس Forbesالامريكية، ان ايران بإزاحتها الستار عن انتاجها العسكري الجديد المتمثل في غواصة صغيرة، ذاتية الدّفع من دون ركاب (UUV)، كتقنية كانت مخصوصة بأمريكا وبريطانيا، قد التحقت بالنادي الملكي لهذا التخصص الاستراتيجي الهامّ.
فيما تستمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية بخطى حثيثة، في بناء قواتها العسكرية، بتجهيزات وتدريبات حديثة، تحسبا لأي مواجهة أو عدوان، قد يخطط له أعداؤها، يبدو سبيل المفاوضات مع دبلوماسيتها متاح لذوي النوايا الحسنة وإن قلّوا، حيث انعدمت تقريبا نوايا الغرب الحسنة، ولم يبق منها سوى الدهاء والمخاتلة وتحيّن الفرص، ومن طبع إيران عدم غلق باب الدبلوماسية، في وجوه الدّول ذات النوايا الحسنة، على أساس أنها لا تؤمن بمنطق العدوان، وتدعو الى السلام في الخليج الفارسي والعالم، والعمل على تفادي حروب، تسعى اليها أمريكا وحلفاؤها، ويخططون لاستحداث بؤرها، حسب المصلحة التي تقتضيها سياساتهم الاستعمارية.
وتبدو ايران محقّة تماما في برنامجها التسليحي، بتأمين أسلحتها بنفسها، خصوصا وأن أعداءها المتربصين بها، يمتلكون من الامكانيات الضخمة، ما يجعلها تستعجل توفير أسلحتها، بتكثيف جهود خبرائها، في انتاج وسائلها الدفاعية، كفيلة بأداء أدوارها، وانجاز مهماتها بكفاءة وتفوّق.
ولولا هذا الدافع الإيماني العميق، الذي ملأ قلوب وأفئدة قوم سلمان المحمّدي ما قوّى به عزائمهم، في اطّراد مسيرتهم نحو التمكّن والقدرة التّامين، لبلوغ الاكتفاء الذّاتي في المجال العسكري، باعتباره يمثل ضمانة امن أساسية في الحفاظ على وجودهم، لما أمكن لهذا النظام الفتيّ أن يستمر في بقائه، ولعل هذه المسيرة الموفّقة تكون نموذجا حيّا يوقظ همم الدّول والشعوب الأخرى لتنسج على منوالها في اعتمادها على قدراتها الداخلية في الصناعة الحربية، خلاصا من عامل خضوع للغرب، بقي خطره قائما عليها.
تحدّ ايراني أصبح ظاهرا للعيان ولم يعد خافيا، فرض نفسه على الساحة العالمية، البحرية الايرانية اليوم قطعها تجوب أعالي البحار، بمحيطاتها الواسعة، أينما وجدت البحرية الامريكية سيكون قريب منها قطع ايرانية، واعتقد أنه من غباء أعداء إيران، مواصلة ابقاء اساطيلهم، وقطعهم البحرية، وقواعدهم قريبا من إيران، وهي في مرمى نيرانها الفتّاكة.
أعتقد أن الامريكي – إذا بقي فيه عقل- قد استوعب الدّرس، بعد ضربة قاعدته بعين الاسد بالعراق، التي اغتيل منها الشهيد الجنرال قاسم سليماني، وعليها إن كان يريد الحفاظ على ما تبقى من مكانته في العالم أن يغيّر من سياسته العدوانية الفاشلة والعقيمة تجاه ايران، قبل أن يرتكب ما قد يتسبب في هزيمة مدوّية، ستقلب المعادلات العالمية السائدة اليوم، والقائمة على منطق الاستكبار وظلم الشعوب.
الشعوب الفطِنة والواعية بالتحدّيات الأمنية التي تواجهها، هي التي وضعت في حساب سياساتها ومخططاتها، برامج جادة لتصنيع أسلحتها، للدفاع عن حقوقها المشروعة، أمام دول ما تزال تعتقد نفسها وصيّة ومالكة لمصائر بقية العالم.