الأربعاء , 25 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

العلاقات المغربية الفلسطينية ثابتة وعابرة للأحزاب… بقلم إبراهيم أبراش

 

في الأيام الأخيرة ثار جدل غير مسبوق في المغرب حول الموقف الرسمي من القضية الفلسطينية وذلك بعد بيان لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية والذي ترأس الحكومة المغربية لفترتين متتاليتين وفي عهده حدث التطبيع بين المغرب وإسرائيل عام 2020 قبل أن تتراجع شعبية الحزب كثيراً في الانتخابات الأخيرة 2021، وسبب الجدل ما تضمنه بيان الحزب من نقد لسلوك وزير الخارجية المغربي  ناصر بوريطة في المؤتمرات الأفريقية الأوروبية، وجاء في البيان: “تستهجن الأمانة العامة المواقف الأخيرة لوزير الخارجية الذي يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين…” ومع أن البيان لم ينتقد مبدأ التطبيع إلا أنه استفز المؤسسة الملكية حيث أصدر الديوان الملكي بلاغا شديد اللهجة جاء فيه:

“أولا: إن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية للملك، رئيس لجنة القدس، الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة. وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسية أو للحملات الانتخابية الضيقة.

 ثانيا: إن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.

 ثالثا: إن العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان ولأي اعتبار، لاسيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة. ومن هنا، فإن استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة.

رابعا: إن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع، ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10 ديسمبر 2020، والبلاغ الذي نشر في نفس اليوم عقب الاتصال الهاتفي بين الملك والرئيس الفلسطيني، وكذلك الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 ديسمبر 2020، والذي تم توقيعه أمام الملك.

وقد تم حينها، إخبار القوى الحية للأمة والأحزاب السياسية وبعض الشخصيات القيادية وبعض الهيئات الجمعوية التي تهتم بالقضية الفلسطينية بهذا القرار، حيث عبرت عن انخراطها والتزامها به.”

ومع اعتقادنا أن حدة هذا الجدل خفت بعد بيان حزب العدالة تعقيباً على بلاغ الديوان الملكي حيث نفت الأمانة العامة “نفياً مطلقاً كل ما يمكن أن يفهم من بلاغها المذكور أنه تدخل في الاختصاصات الدستورية لجلالة الملك وأدواره الاستراتيجية والتي ما فتئ الحزب يعبر عن تقديره العالي لها، وتثمينه ودعمه الدائمين لما يبذله من مجهودات داخلياً وخارجياً للدفاع عن المصالح العليا للوطن وتثبيت وحدته الترابية وسيادته الوطنية …وجددت “في هذا الصدد اعتزازها الكبير بموقف جلالة الملك، أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، المبدئي والثابت تجاه القضية الفلسطينية وتأكيده المتواصل على أنها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة”.

هذا الجدل ليس غريباً عن المناخ الديمقراطي السائد في المغرب وما تتيحه المؤسسة الملكية من حريات سياسية للأفراد والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني بدرجة أفضل مما هو متواجد في كل الدول العربية بل يمكن القول بأن التجربة الديمقراطية في المغرب يمكن للدول العربية ودول الجنوب الاحتذاء بها واستلهامها في عملية الانتقال الديمقراطي في بلدانهم. وفي رأينا ما كان من الضروري تدخل المؤسسة الملكية في الجدل وأن تبقى تسمو على كل الخلافات والتعارضات السياسية وخصوصاً أن ما ورد في بلاغ الديوان الملكي حقائق وثوابت يعرفها المغاربة والفلسطينيون وغيرهم.

أم بالنسبة لقضية التطبيع ومع رفضنا له وتفهمنا للظرفية التي جاء فيها بيان حزب العدالة والتنمية حيث تشهد فيه الأراضي الفلسطينية أبشع وأوسع عمليات استيطانية وعدوانية ضد شعبنا الفلسطيني بما يتعارض مع المنطلق الذي بنيت عليه اتفاقات التطبيع والسلام الإبراهيمي حيث كانت تقول بأن التطبيع سيعزز من فرص السلام ولن يسيء للشعب الفلسطيني، ومع اعتقادنا بأنه كان من الممكن لوزير خارجية المغرب اتخاذ موقف مغاير وتحديداً في قمة أديس أبابا الأفريقية بشأن طلب إسرائيل باعتمادها عضو مراقب في الاتحاد حيث كانت المغرب الدولة العربية الوحيدة التي أيدت طلب إسرائيل، وقد أثار موقفه المنحاز لإسرائيل استياء غالبية دول الاتحاد الأفريقي في الوقت الذي يسعى فيه المغرب لكسب تأييد دول الاتحاد لطرد جمهورية البوليساريو منه.

بالرغم من ذلك نؤكد على أن المغرب بكل مستوياته الشعبية والرسمية كان دائماً مع الشعب الفلسطيني، وأن الموقف من القضية الفلسطينية يتجاوز كل الأحزاب وعابر لها وفي هذا السياق نسجل ما يلي:

1-   الجمعية المغربية لمساندة الشعب الفلسطيني التي تأسست عام 1968 هي الوحيدة التي استمرت في العمل حتى اليوم بينما توقفت الجمعيات الشبيهة في الدول العربية الأخرى.

2-   كان المغرب وما زال من أكثر الدول العربية التي تشهد مسيرات، مليونية أحياناً، لنصرة الشعب الفلسطيني ورداً على العدوان الصهيوني وضد التطبيع، ولم ترتبط هذه المواقف والمظاهرات بحزب من الأحزاب بل كانت في ظل كل الحكومات التي ترأسها أحزاب ليبرالية ويسارية و(مخزنية) وإسلامية.

3-   خلال حرب أكتوبر أرسل المغرب كتيبة عسكرية لتحارب على الجبهة السورية بقيادة الجنرال الصفريوي وقد اعترفت سوريا بالدور المشرف للجيش المغربي في الحرب.

4-   المغرب احتضن القمة العربية في الرباط 1974 والتي فيها تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعياً ووحيداً وتم تغيير مسمى مكتب ممثلية فلسطين في الرباط إلى سفارة فلسطين.

5-   في كل المؤتمرات والمنظمات الإقليمية والدولية كان موقف المغرب مع القضية الفلسطينية.

6-   عند قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 تم التبادل الدبلوماسي بين المغرب وإسرائيل وفي نفس الوقت تم فتح سفارة فلسطينية في مناطق السلطة تحديداً في غزة، ولكن بعد انتفاضة الأقصى قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني واحتفظت بسفارتها في مناطق السلطة.

7-   ترأس المرحوم صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني لجنة القدس التي انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي ومن بعده الملك محمد السادس وما زالت اللجنة تقوم بعملها بما هو متاح لها من إمكانيات من الدول المنضوية فيها.

8-   الملك الحسن الثاني الوحيد الذي استقبل الراحل أبو عمار أثناء حصاره ومقاطعته بعد حرب الخليج الثانية.

9-   كان بين الملك الحسن الثاني والرئيس أبو عمار رحمهما الله علاقات صداقة كبيرة فكان أبو عمار الوحيد الذي سُمح له بالمشاركة في دفن الحسن الثاني.

10-                     عند تطبيع العلاقات الرسمية بين المغرب والكيان الصهيوني لم يصدر بيان أو تصريح رسمي من السلطة الفلسطينية يدين التطبيع مع أن الفصائل الفلسطينية أدانته.

11-                     في يونيو 2021 أي بعد التطبيع زار رئيس حركة حماس إسماعيل هنية المغرب ومن هناك وجه الشكر لصاحب الجلالة على دعوته و جهوده لنصرة القضية الفلسطينية دون أن يتطرق للتطبيع الرسمي بين المغرب وإسرائيل.

Ibrahemibrach1@gmail.com

شاهد أيضاً

ترامب ما بعد حرب غزة قد لا يكون ما قبلها…بقلم إبراهيم أبراش

قانون عام يحكم كل الأنظمة الديمقراطية وهو دورة النخبة، بمعنى تخير النخب السياسية الحاكمة مع …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024