وجدت الدوافع الدينية للتشدد في باكستان منذ عقود طويلة، حيث نجده متجذِّرًا فيها تاريخيًّا بكل تمظهراته الدينية والسياسية والاقتصادية، وأيضًا في النزاعات الاجتماعية.
تعد الباكستان دولة فريدة من نوعها، اقتطعت من الهند كوطن لمسلمي الهند وهكذا، أصبحت أول جمهورية إسلامية حديثة في العالم، دولة ذات طبيعة دينية، وكان سبب وجودها هو الإسلام. لقد كانت باكستان مدفوعة للقيام بذلك جزئيًا بشكل طبيعي، كطريقةٍ لتمييز نفسها عن الهند، وهو مشروع صعب تحقيقه نظرًا لأن عدد المسلمين الذين يعيشون في الاتحاد الهندي العلماني يفوق مثيله في باكستان.
تعتمد باكستان تشريعًا يعتبر بداية الطريق نحو ممارسة التمييز ضد الأقليات الدينية بموجب قانون “القرار الموضوعي”، الذي أقره المجلس التأسيسي الباكستاني لتمكين المسلمين من تنظيم حياتهم في المجالين الفردي والجماعي وفقًا لتعاليم الإسلام ومتطلباته”.
وقد لعبتِ الجماعةُ الإسلامية الباكستانية دورًا مهمًا في صياغة القرار الموضوعي، وهي جماعة إسلامية سياسية لها صلاتُ وثيقة بالإخوان المسلمين في مصر. ومن ثم، تحددت هويةُ الدولة من منظور إسلامي.
عندما شرعت باكستان في بناء الدولة، واجهت تحديات متعددة خاصة الاقتصادية ومنها البطالة، والإقطاع، والصراع بين الأعراق، وصراع مع جيرانها وفي كثيرٍ من الأحيان، وجد السياسيون، إلى جانب رجال الدين الأقوياء، الذين كانوا من أقوى المؤيدين لإنشاء باكستان، أنه قد يكون من المفيد استخدام الدين للحشد السياسي.
في عام 1953، على سبيلِ المثال، اندلعت أعمال شغب مناهضة لطائفة الأحمدية في جميع أنحاء باكستان، ما أدى إلى فرض الأحكام العرفية لأول مرة وكانت أعمال الشغب بقيادة الجماعة الإسلامية، التي كانت قادرة على استخدام خطاب المظالم الطبقية المستمد من الاشتراكيين، والطائفية الدينية، في الحشد لأن الطائفة الأحمدية، رغم قلة عددها، كانت ثرية وذات نفوذ، بالمقابل شجع الجيش استخدام البعد الديني، مع الحفاظ على تحديث مؤسسته، ومن ثم نشأت رابطة قوية بين رجال الدين والعسكريين، وهذا أدى تلقائيًا إلى تغذية الشعور بالضعف لدى الأقليات غير المسلمة في باكستان، التي تشكل قرابة خمس سكان الدولة.
تم تشجيع الجماعات المتطرفة، وأحيانًا تسليحها من قبل الجهات الأمنية الباكستانية وأصبح استخدام الوكلاء المتشددين في أماكن مثل، أفغانستان، وكشمير، أمرًا اعتياديًا ولا تزال أعمالهم في الخارج متواصلةً، حتى يومنا هذا، ولا تقتصر على باكستان فقط.
فالهجمات المروعة التي شهدتها مومباي عام 2008 على يد جماعة لشكر طيبة، تعد مجرد امتداد لوكالة الاستخبارات الباكستانية وتم إنشاء حركة طالبان، بشكل مباشر من قبلهم في مدارس ديوباندي في باكستان، لتكون حكومة عميلة لباكستان، في كابول، مما يوفر لباكستان ميزتين: عمق استراتيجي ضد الهند، وبالتشديد على الهوية الإسلامية للأفغان، حيدت طالبان (لصالح باكستان) القومية البشتونية الخطيرة التي تدعي أحقيتها في أراضٍ باكستانية.
وبمجرد أن أمسكت طالبان بزمام السلطة في أفغانستان، ارتكبت سلسلة من المذابح الكبرى ضد الشيعة الهزارة في أفغانستان.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل هناك مظاهر أخرى لانزلاق باكستان نحو دوامة التعصب الديني، فلقد انتشرت عمليات التحول القسري، واختطاف النساء الهندوسيات، على نطاقٍ واسع ويشير تقرير لجنة حقوق الإنسان الباكستانية لعام 2017، إلى أن أكثر من 1,000 فتاة غير مسلمة تتحول قسرًا إلى الإسلام كل عام وهذا يقود لنتيجة طبيعية تدفع الهندوس إلى النزوح من باكستان يهاجر قرابة 5,000 شخص هندوسي من باكستان إلى الهند كل عام. وقد انكمشت الأقليات التي كانت تمثل قرابة خمس سكان باكستان، عند تأسيسها إلى 4% فقط.
تسير باكستان نحو ترسيخ التشدد الديني علنا وتعزيز نفوذ الإسلام السياسي، محاولة في ذلك الحفاظ على علاقاتها مع طالبان والدول الداعمة للتشدد الديني بالإضافة إلى علاقاتها مع الدول الإسلامية التي تتبع نهجا سياسيا معتدلا والتي توفر لها دعما في مواجهة أزماتها وللحد من النفوذين التركي والإيراني في البلاد، ومن بينها المملكة العربية السعودية التي جددت دعمها لإسلام آباد اقتصاديا خلال الشهر الماضي.
كان للعنف الناجم عن الدوافع الدينية تأثير كبير على الدولة الباكستانية فهو يفرض على الحكومة تنفيذ عمليات أمنية تحمل مخاطر ردِّ الفعل عليها، كما أنها عمليات ذات طبيعة معقَّدة بسبب تاريخ دعم باكستان للجماعات المتشددة في الماضي.
وتستخدم الجماعات المسلحة هجماتها لكشف نقاط الضعف الحكومي داخل البلاد، وكذلك لإظهار ضعف قدرة الحكومة على كشف الهجمات وشلِّ إمكانية قيامها بهجمات مضادة، فضلًا عما في تلك الرسائل من تحذير للحكومة إِن هي فكرت في اتخاذ أي إجراءات انتقامية وهو تكتيك لنشر الخوف وزرع الشك المؤدي إلى فقدان الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها