بقلم: محمد الرصافي المقداد |
ان من سهبته بهارج الغرب، وانخدع بزينتها التي بدت على دوله، بعد ان استغفلته شعاراتها التي رفعها، وتباهى بها قيما ومبادئ انسانية، ليظهر امام شعوب العالم صاحبها ووليها، والمدافع عنها خارج حدوده، ولم يكتفي بذلك، فنصب نفسه وصيا عليها، يكلأها بسياساته المخادعة، فيرمي بالانحراف عنها من جانبها، ويتهم بالاعتداء عليها كل من خالفه فيها. كل هؤلاء المخدوعين، لا يمكنهم ان يبقوا على موقفهم وآرائهم في الغرب ودوله، وهم يرون عجب تناقضه في شعاراته ومبادئه، مع ما عرفوه عنه من سلوك مشين، بدأ يستحي منه اهله انفسهم، ويعبرون كل مرة على اشمئزازهم وبراءتهم منه. لقد اصبح تمثال الحرية، المطل من ميناء مدينة نيويوك على المحيط الاطلسي، رمزا لا ينطبق على المعنى الذي عبر به نحاته الفرنسي، وتحول بفعل الاستكبار الامريكي، الى رمز يذكرنا دائما بتناقض السياسات الامريكية، وعنوانا للسيطرة على الشعوب والدعوة الى ليبرالية جشعة لا ترى للحقوق والمبادئ الانسانية التي تنفع الناس جميعا ولا تفرق بينهم في لون ولا فكر ولا عقيدة مكانا في عالمها الانتهازي.
الولايات المتحدة الامريكية ودول الغرب التي قدمت نفسها على اساس قيمي متعال على غيرها ارتقت به الى مستوى دعائي كبير لم تتمالك ان دخلت باكرا مجال انتهاك تلك القيم والدوس عليها بنعال الاستكبار الاعمى الذي لا يرى جرائمه بعين باصرة رغم وضوح مسرحها وثبوت الادلة على مرتكبيها انما يراها بعين ما تستجلبه من مصلحة. لم يكن مفاجئا ان يحاول الرئيس الامريكي ترامب تبرئة ابن سلمان من دم خاشقجي فيلطف من ثبوت التهمة عليه – متجاهلا تصريح وكالة استخباراته وادلتها في ادانته – بالقول انه قد يكون على علم بمقتله، وكاني به معبرا عن امله في ان تلبس غيره ليتفذ صاحبه بجلده من تبعاتها ويستمر في دعمه لسلطانه وتثبيت موقعه منه كولي عهد سيحل وشيكا بكرسي حكمه وتنفتح شهية استغلاله باوسع نطاق وبالتالي المحافظة على مصالحه الشخصية ورؤيته في استغلال الموارد المالية للمملكة التي تصب في الخزانة والبنوك والشركات ومصانع الاسلحة الامريكية وعائداتها المنعشة للاقتصاد الامريكي الذي كان مهددا بجدية قبل ذلك وتعتبر الصفقات التي حضر لها وابرمها ابن سلمان قياسية في حجمها قد اعادت الاقتصاد الامريكي من ركوده الى وضعية افضل بكثير مما كان عليه. تصريح كشف مدى زيف وخداع الغرب فند جملة وتفصيلا جميع ادعاءاته في رعاية وحماية حقوق الانسان والقوانين والمواثيق الدولية، حيث لا حقوق انسان تكون لها قيمة مقابل المصالح التي تقوي من هيمنة السياسة الامريكية على دول وشعوب العالم، ولا مواثيق وقوانين دولية سيتوي امامها الجميع. ليونة موقف ترامب تجاه ابن سلمان لم يستسغه الامريكيون وراوا فيه انقلابا لرئيسهم على مبادئ بلادهم فاعلنوا اعتراضهم عليه وقابلوه بتصريحات سيكون لها أثر قد يكبر ككرة الثلج المتدحرجة ويصبح تهديدا جديا لمستقبله الرئاسي. الاعتبار المادي الذي قدمه ترامب على ظاهر المبادئ الامريكية اخفى المبرر الحقيقي الذي دفع به الى اتخاذ موقف يخدم ولي عهد بني سعود ويعطيه مجالا لاستعادة انفاسه المجهدة من الحملة العالمية ضده، ولولا جهوده الكبيرة في حسن سياقة رتل التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني واشواطه الايجابية السريعة التي قطعها لكان ابن سلمان في عداد المنسيين بعد اعفائهم من مناصبهم. لعبة امريكا والغرب في عالمنا العربي اصبحت مكشوفة الاوراق فمن كان في خدمتها فهو الكاسب لودهم الزائف لا تضره معها جريمة مرتكبة خفيت خيوطها او تعرت ومن ناوئها كما فعلت ايران فلا يامن عوائد ردود الافعال الامريكية من عقوبات ضدها. بوجهين وبمكيالين تكتال السياسة الامريكية والغربية فتتغير الشخصيات وتتبدل ويبقى رسم السياسة ماضيا في اطاره المستكبر وبميزان حيفه يصنع للظلم منبره وللمظلوم مقبره.
امريكا والغرب يرون في قضية خاشقجي مستمسكا للضغط على النظام السعودي بعد تحميله مسؤولية قتله، ليس لانهم رعاة حقوق انسان، وانما لان مصالحهم اكمن في ان يكونوا كذلك، بينما نراهم يقدمون وسائل الفتك بشعب يمني يباد بالعدوان قصفا متواصلا وحصارا وما ترتب عليه من مجاعة واوبئة منذ 44 شهر، فلا يتحرجون من تكرار جرائم تحالف العدوان السعودي الاماراتي ولا من نتائجها الكارثية. يعبرون عن استيائهم لنهاية ماساوية لشخص ولا يابهون لدمار وابادة شعب، تقوم الدنيا ولا تقعد لجريمة تورطت فيها عدة اطراف وجهات اوقعت ابن سلمان بغبائه في المصيدة، ويرون ما يحدث في اليمن من جرائم متكررة هي جرائم حرب بنظر القانون الدولي، فلا يحركون ساكنا لاجل وقف تلك الجرائم، وهذا ما يثبت تورط امريكا والغرب في استدامة العدوان على امل القضاء على حركة انصار الله حاملة مشعل الثورة والتغيير باليمن. وتستمر موازين الحيف الغربية في حجب حقائق لو اطلعت عليها المجتمعات الغربية بتفاصيلها لوقفت ضد سياسات حكوماتها وحالت دون استمرارها، لكنها مجتمعات واقعة تحت تاثير اعلام خبيث مخادع قد وضع تحت تصرف لوبيات الصهيونية والاستكبار لخدمة مصالحها ليبقى اسلوب الخداع ذلك الحجاب الاعلامي السميك التي تستبطن فيه نظم الغرب سرائرها على شعوبها ولعلنا مقبلون على عصر كشفه وازاحته وقت علمنا التاريخ ان الاستكبار اداة محكومة بالزوال وان طال بها الامد.