كنا في مجتمعاتنا العربية نمر مرور الكرام على مغيبات الوحي، فلا نوليها ما تستحق من اهتمام، باعتبارها حاملة أملا ننتظر حصوله، وليس ذلك التقصير من باب تكذيب بالغيب، معاذ الله أن يصدر ذلك من مسلم آمن بوعد الله، خصوصا هذا الذي استودعه كتابه من بشارات، وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالإخبار عنه والبشارة به.
ولولا أن النصوص التي بين أيدينا مضمنة في أمهات الكتب المعتبرة، في مقابل السكوت عنها ذكرا وتفسيرا، لكان التصديق بها في زمن غربة الإسلام وأهله من الصعوبة بما كان، في زمن لم يبقى من الدين سوى رسمه، وقد اجتمعت على محقه تكتلات من أهل الكفر والنفاق، يريدون به كيدا، فمن كان يتوقّع قيام قوم سلمان بثورة إسلامية، غيرت وجه إيران تغييرا جذريا، أخرجتها من صفّ العمالة وخدمة دول الاستكبار الغربية، إلى صفّ الاستقلال عن ذلك المسار الخاطئ، إلى مسار قوامه الاستقلال الحقيقي عن تلك القوى المعادية للإسلام وأهله.
وكيف يمكن أن يؤمن مسلمو الجيل الماضي وهذا الجيل بالوعد الإلهي، وقد غيبوا عن دينهم تغييبا متعمّدا، بعدما وجّههم حكامهم إلى ثقافة تغريب عنه، فانغرست في عقولهم تصوّرات بائسة، تصبّ جميعها في خانة، أنّ الإسلام لم يعد بإمكانه أن يواكب العصر، وعليه فإنّ أقصى ما يمكن أن يقدّمه علماؤه، هو الإقتصار على الإفتاء في مجالات مخصوصة متعلقة بالعبادة – طهارة صلاة صوم حج – ولا شأن لهم بما وراء ذلك من حكم وقيادة أمّة وبيان شمولية الإسلام، وتعلّقه بجميع أوجه الحياة، انحسار الإسلام من حياة المسلمين، دفع بهم إلى اليأس من عودته فاعلا في مجتمعاتهم، باستثناء ثلة قليلة من المؤمنين، ممن تحملوا من تلقاء أنفسهم وطواعية مجال العمل الإسلامي، وبذلوا فيه تضحيات جسام.
بدأ رائد الإصلاح في الأمّة الإسلامية، عالما مجتهدا جامعا لشرائط الفقاهة، ومفكّرا خبيرا بزمانه، سخّر فكره ونضاله في خدمة الإسلام، بتوعية تلاميذه وروّاد دروسه وملتزمي خطبه، وحثّهم على معارضة سياسات الشاه المعادية للدين وأهله، بعد أن كشف نظامه المستبدّ عن نوايا خبيثة، هدفها حرف الشعب الإيراني عن ثقافته الدينية، وربطه أكثر فأكثر بالثقافة الغربية، الداعية إلى التحرّر من القيم الدينية، وقد لقيت خطب الامام الخميني آذانا صاغية من أفراد الشعب، على اختلاف طبقاته الاجتماعية، فانضموا إلى مسيرته الثورية، بعدما آمنوا بتوجيهاته الحكيمة، ومقتنعين بأنها دعوة حق ومشروع صدق، من شأنهما أن يثمرا يوما ما كان يأمله من تنفيذ مشروعه الإسلامي الشامل، متمثلا في نظام حكم عُمدته ولاية الفقيه العادل، كأداة توجيه وإشراف على دواليب النظام بما يضمن بحق استمرار أدائه المطلوب.
كملك من ملائكة الله المقربين جاء يسعى، وفي قلبه وعقله مجالين لاصلاح أمته، ويعيد توجيهها نحو الأخذ بدينها والعمل به، وكسليل نبوة وامامة ظهر في عالم مادّي مبتذل، كادت معالم الدين ان تدرس منه، ونهض بمشروعه الإصلاحي متيقنا بأن الله معه وكان كذلك، وحقق بثورته المباركة حلم الأنبياء، ورؤاهم الصادقة في مجتمع إنساني، أساسه العدل والرحمة.
لقد أذهل روح الله الموسوي الخميني العالم – بشقيه الغربي والشرقي – بنجاحه الباهر في قيادة ثورة إسلامية قلّ نظيرها في التاريخ الإسلامي، على منهاج أبي الاحرار الإمام الحسين عليه السلام، أرسى في أعقابها نظاما إسلاميا على مبدأ ولاية الفقيه العادل، أثبت أنه الأنجع لقيادة الأمة الإسلامية، والأقوم لحماية حقوق مستضعفي العالم، أذهل قوى الغرب بتحديه لأمريكا وهي زعميته، فلقّنها درسا لا يُنْسى، ومن كان يقدر على تحدّي شيطان الاستكبار في ذلك الوقت غير الخميني والشعب الإيراني، وقام بطرد ممثلي الكيان الصهيوني في طهران وقدّم مقرّه سفارة لدولة فلسطين، وكان ذلك بداية طريق مشروع تحرير فلسطين الذي دعا إليه الإمام الخميني، ونحن نعيش هذه السنوات نتائج رعايته الإيجابية، وما أثمرته من كفاءة معادلة المواجهة مع العدو الصهيوني .
واليوم وبعد مرور 35 عاما على رحيل هذا القائد الفذّ الصادق، نعود مجدّدا لإحياء ذكرى رحيله التي خيّمت بحزنها العميق على الشعب الإيراني وأنصار نهج ولاية الفقيه، عبّروا من خلالها على كل الحبّ والوفاء لهذا الرجل الاستثنائي النّادر، بل هو عشق لقائد هب اليه أنصاره فكان في استقباله في مطار مهرباد أكثر من ثلاثة ملايين عاشق، بعدما قرر الرجوع من منفاه القسري، ليقود شعبه في ثورته المباركة، متحدّيا تهديد حكومة الشاه بإسقاط الطائرة المقلّة له، وتنجح الثورة ويقام النظام الاسلامي بموافقة شعبية وتأييد غير مسبوقين، وتجتاز إيران قيادة وشعبا جميع العوائق والموانع التي كبحت من جماح انطلاقتها القويّة المتحدّية، لكنّها لم تمنعها من التقدّم، وعجزت جميع مؤامرات أمريكا والغرب في إعاقة المسيرة الثورية لقوم سلمان المحمدي.
وأبى القدر الا أن يحرم الشعب الإيراني من قائده الروحاني الكبير فلبى نداء ربّه في 3/6/1989 وكان يوما من أيّام الله التحق فيه الامام الخميني بالرفيق الأعلى، تاركا وراءه شعبا محزونا ملتاعا بفقده، وفي ذلك اليوم سجّل التاريخ ملحمة وفاء شارك فيها أكثر من 13 مليون عاشق جاؤوا من أنحاء ايران لوداع قائدهم، في مشاهد أبهرت العالم بأسره، أوقفت سياسييه وعامة شعوبه بأنّهم جميعا أمام حدث يأبى أن يتكرّر بتلك الضخامة والعظمة والقوّة، وكانت رسالة مفتوحة وواضحة لأمريكا والغرب المعاديين، بأنهم عبثا يحاولون ثني الشعب الإيراني عن مسيرته الثورية، والمضي وراء نظامه وتحقيق أهدافه الداخلية والخارجية، والنظام الذي تلتفّ حوله عشرات الملايين من الأوفياء، يستحيل ثنيه عمّا عزم عليه.
اليوم ونحن نحيي ذكرى رحيل الإمام الخميني، وهي ذكرى في شخصها وحجمها لا تنسى، نقوم بواجب مستحق، لرجل أخرج شعبه من استعباد امريكا الشيطان الأكبر، ليسير به إلى العزة التي ارادها الله لعباده الصالحين، ونحن نرى هذه الانجازات العظيمة والرائعة، التي حققها نظام ولي الفقيه، على جميع الأصعدة، الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، رغم كل العوائق التي وضعتها أمريكا في طريقه، وهذا ما يؤكد لنا أن هذا النظام هو بحق ذخيرة المولى سبحانه في هذه الأمة.
هذا هو مصلح زماننا وهؤلاء شعبه قوم سلمان المحمدي الموعودين بالنصر المؤزر على أعدائهم، لا ترهبهم النوازل ولا تزعزعهم الحوادث كزبر الحديد لا يلينون ولا يستلينون وعلى ربهم يتوكلون والعاقبة للمتقين، رضوان الله عليك أيها العبد الصالح والولي الناصح، جمعك الله بابائك الكرام البررة، وثبتنا على نهج ولايتك دائما وايدنا بروح منه، انه سميع أصوات أوليائه مجيب لدعواتهم، وهي التي تصب في ارادته لنصرة دينه وانجاح مهمامهم.