الأحد , 22 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

القادة العرب بين الحزم والعزم

بقلم محمد الرصافي المقداد |

انتهت قمة رؤساء وملوك وامراء العرب، وخرج بيانها ببنوده السبعة عشرة، تحت عنوان قمة العزم، وكما قال الشاعر (على قدر اهل العزم تأتي العزائم )

ليبقى العزم مجرد عنوان براق، ليس بمقدوره اقناع الشعوب العربية، بان القادة العرب وجامعتهم وقممها، لن يرتقوا الى تطلعاتهم التي ينشدونها، ولن يحققوا شيئا من آمالهم، هذا اذا لم يلحقهم منهم ضرر كبير، وقد حصل مرارا وتكرارا.

والمطلع على تاريخ الجامعة العربية وقممها، بإمكانه ان يخرج بمحصلة فكرة ثابتة، في انها مجرد تجمع قادة، فاقدي السلطة على قرارتهم والية تنفيذها، قد استدرجهم الغرب الى شباك هيمنته، فوقعوا فيها على علم منهم، ومداراة من شعوبهم، لا يحركون ساكنا تجاه قضاياهم، عداؤون الى الفتن والخلافات كأسرع ما يكون، واخر ما يؤخذ بعين الاعتبار لديهم مصالح شعوبهم، فلا رأي لهم الا ما يراه سادتهم حكام الغرب بزعامة امريكا.

محصل البيان انه لم يأتي متشنجا كما أراده المتربصون بإيران، وتحاشى ان يكون مخطوطا بلغة استفزازية تجاهها، لكنه في الوقت نفسه ظهر بادعاءاته الكاذبة عليها فيما تعلق بجملة من التّهم الموجهة اليها والمملاة من اعدائها، امريكا والصهاينة، واكبر عملائهم في المنطقة.

إنّ اتهام دول عربية بعينها لإيران بالإرهاب، وزعزعة امن المنطقة واستقرارها، لا يمكن ان ينطلي على السذج والبله الذين لا يعلمون من أمر إيران شيئا، فكيف بساسة عرب أن يصدقوه ويقبلوا به، فيرفعونه منذ سنوات في شكل مقررات اجتماعاتهم، ويحاول المعنيون بإبقائه صفة ملصقة بإيران، لغاية اتخاذه ذريعة لمواجهتها، في حين انه كذبة كبرى، وافتراء وبهتان على نظام اسلامي، اثبتت الادلة الغير قابلة للدحض والتشكيك، انه ملتزم بآداب حسن الجوار، طبقا لدستوره الاسلامي، وعدم الاعتداء عليهم، في مقابل انه المعتدى عليه واقعا، سواء بعدوان صدام والذي استمر ثماني سنوات وما خلفه من خسائر وماسي، وان ايران منذ انتصار ثورتها، تعيش تحت تهديد القواعد العسكرية الامريكية والغربية، المنتصبة في دول الجوار باختيارها، فكيف تتهم ايران بالإرهاب وهي التي تصدت له وحاربته بكل الوسائل داخل ايران وخارجها،  وكان جريّ بهؤلاء المهاجمين أن يشكروها على نجاحها في افشال مخطط امريكي خطير استهدف المنطقة باسرها.

فمن يشكّل اليوم تهديدا لمن؟ عربان الخليج بائعي دينهم شرفهم واوطانهم ومواردها؟ ام ايران الاسلام التي اسقط شعبها اكبر عملاء امريكا والصهيونية بثورته الاسلامية، التي يراد لها ان يسقط نظامها، بسبب قطعه مع سياسة العمالة التي كان ينتهجها النظام البائد.

ايران التي كان يطلق عليها زمن الحكم البهلوي شرطي المنطقة، خدمة لمصالح امريكا، تحولت منذ 40 عاما الى عدو لدود للاستكبار والصهيونية، ويستحيل على من يسعى الى اخضاعها او كسر ارادتها، أن ينجح في مسعاه بعد أن بلغت اشدّها، ليس بمجرد رفع الشعارات والخطب الرنانة، وانما بالعمل الجاد على كسر هاذين الكيانين، الذين يشكلان تهديدا حقيقيا للسلم والامن في منطقة الشرق الاوسط والعالم.

وما ازعج امريكا والكيان الصهيوني من نجاحات ايران في مختلف المحالات العلمية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، ازعج بدوره عملاءهم في المنطقة، ولما عجزوا عن مواجهتها بمفردهم، عمدوا الى تأليب عملائهم عليها، بهذه الادعاءات الكاذبة، املا في تحقيق شيء يعيد لهم امل كسر شوكتها، او كبح جماح انطلاقتها العلمية والتكنولوجية المظفرة، وما حققته من اكتفاء ذاتي في اغلب حاجياتها.

ما لن يدركه القادة العرب جامدي التحليل والتفكير، ان مطمح امريكا والصهاينة في تغيير النظام الاسلامي الايراني لن يتحقق، مهما علا سقف التضحيات الايرانية في مواجهة مؤامراتهم، وعليهم من الان ان يحزموا امرهم في هذا الشأن، وليس لهم سوى ثلاث خيارات:

 اما ان يكونوا مع الحق، وهو جانب ايران ومواقفها الحكيمة من القضايا العالمية العالقة كقضية فلسطين التي لا تقبل انصاف الحلول بالمفاوضات الفاشلة، ولا حل لها بغير استرداد ما اغتصب بالقوة، فيكونوا قد التزموا بالمبدأ الاسلامي في التعاون، واصلاح ذات البين والتآزر، عملا بقوله تعالى: انما المؤمنين اخوة

واما ان يعتزلوا حلقة الباطل التي ألّفتها امريكا، لتحولها بعد ذلك، الى طوق خانق لإيران، مع قواعدها الانفة الذكر.

واما ان ينساقوا خلف الباطل الامريكي، فتكتوي شعوبهم بلظى نار، لم يوقدوا فتنتها، ثم تكون نتائجها بعد ذلك حسرة عليهم.

ومع  ظلم سوريا بتجميد عضويتها بالجامعة العربية، وقد تردد مؤخرا ان رجوعها بات محتوما، خصوصا بعد زيارة الرئيس السوداني الاخيرة الى دمشق، واعادة فتح بعض السفارات الخليجية مقراتها هناك، كان الامل معقودا على ان يتضمن البيان الختامي في احد بنوده قرار عودتها، لكن يبدو ان مقاليد هذا الامر لا تزال بايد امريكية صهيونية، تحاصرها مخالب العملاء الدامية وتمنعها من الاقدام على اعادتها الى الصف العربي، ومما وقع تسريبه اشتراط المتنفذين في الجامعة، ان على سوريا ان تقاطع ايران، مقابل عودتها واعادة اعمارها لكن هيهات.

وعندما يبقى الشعب اليمني وشرعية ثورته، تحت رحمة تحالف العدوان الأعرابي الأمريكي الصهيوني الغربي، فلا يؤبه لآلاف الضحايا الذين سقطت بين شهيد وجريح، على مدى اربع سنوات، قصفا وحصارا وتجويعا، ندرك ان هذه الجامعة ليست على ملك اهلها، وهي اداة رخيصة بيد من لا يريد خيرا للعرب ابدا.

اخيرا اقول ان هذا المؤتمر غمة سيزول بمؤتمريه، بسقوط جميع مؤامراته، وامانيه الكاذبة على الشعوب العربية، وستزول معه كل القوى الإستكبارية التي صنعت  الكيان الصهيوني وفرضته على ارضنا، وأوعزت الى قيام جامعة عقيمة.

ايران ليس لديها نوايا توسعية، ولا رغبة في السيطرة على شيء في المنطقة، والجزر الثلاث التي ادعت ملكيتهم الامارات باطلا، ليست سوى جزر ايرانية، وكان جديرا بالأنظمة التي  تتهمها بذلك – مجاراة لأطماع الامارات فيها- ان تقلع عن سيرتها في العمالة لأعداء الدين و الامة، وتبادر بغلق القواعد العسكرية المنتشرة على اراضيها، واخراج قواتها من هناك، وليس الاستعانة بها على وهم عشش في عقولهم المريضة.

فمتى تستفيق هذه الشعوب من سبات قد يندمون عليه، فتبادر الى حسن اختيار قادتها، فيسلكوا بهم بر الأمان، ويحولوا بينهم وبين هذه المهالك التي تتبناها الجامعة العربية، ارضاء لأمريكا والكيان الصهيوني.

قصيدة للشاعر العراقي  الكبير معروف الرصافي، توجّه فيها الى الحكام والقادة العرب، اخترت منها ما يتناسب وحال زعماء العرب وجامعتهم:

هـذي شعارات الطوائف كلها     وهم ٌ، سراب ، بل جديب ٌ قاحل ُ
والقــادة  الأفذاذ سرب ٌخائب ٌ   هم في الجهالةِ لو نظرتَ فطاحل ُ
هذا هو الوطنُ الجميلُ مسالخ ٌ  ومــدافن ٌ وخــرائب ٌ ومـــــزابل ُ
سحقا لكم يامن عمائِمكم كما     بـِزّاتكم ، شــكل ٌ بلـــيدٌ بـــــاطل ُ
سحقا كفى حِزبية ً مـــمقوتة    راحت تـُمايز ديــنـَها وتـــفاضلُ

 

شاهد أيضاً

قمة الرياض…يستعرضون خيباتهم…بقلم ميلاد عمر المزوغي

سبعَ وخمسون من اصحاب الجلالة والفخامة والسمو اجتمعوا في بلاد الحرمين الشريفين, سهلت لهم التقنية …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024