الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

القواعد الأمريكية في صالح من؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

لو تأمّلنا في خارطة انتشار القواعد الأمريكية في آسيا الغربية وحدها، لأعطتنا فكرة حول من تتجمّع تلك القواعد العسكرية، مع أنّها فكرة غير مكتملة ولا دقيقة، بسبب أن لأمريكا قواعد سرّية بقيت في طي الكتمان من طرف الأمريكيين والدول المستضيفة لتلك القواعد، وحسب ما يبدو فإن عددها جميعا كبير جدّا، بحيث يطرح سؤالان يخصانها، وهما: لمن تقام تلك القواعد؟ ومن ينفق عليها؟

أما بالنسبة للسؤال الأول فإن إقامة هذه القواعد يأتي بالدرجة الأولى ضمن استراتيجية أمريكية للهيمنة على العالم، واشعار من يعادي سياسة حكامه بأنه على مرمى حجر من قواتها المنتشرة في عديد الدول في أوروبا وأمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا، وأرقام اعدادها دالة بالدرجة الأولى على حرب نفسية تشنّها الإدارة الأمريكية على الدول والشعوب التي ترفض أن تكون ألعوبة بيدها، مجمل القواعد الأمريكية بلغت 800 قاعدة في 70 دولة، مقارنة ب30 قاعدة فقط، تمتلكها كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا مجتمعة.(1)

دول مغلوبة على أمرها، نصبت على أراضيها قواعد أمريكية، بعد انتهاء العرب العالمية الثانية، وتصدّر أمريكا الدّول المنتصرة في تلك الحرب، وما يستوجب ذلك من أولويات وامتيازات فرضتها، هذه الدول هي أربع: ألمانيا التي تتمركز فيها 87 قاعدة مستقر فيها أكثر من 50 ألف عسكري واليابان ب86 قاعدة، وكوريا الجنوبية ب64 قاعدة، وإيطاليا ب29 منشأة وقاعدة، وينظر إلى بلغاريا على أنها الممر إلى روسيا والشرق الأوسط، ولها فيها ثلاث قواعد عسكرية هامّة، من بينها واحدة من أهم القواعد العسكرية في أوروبا(2)، بينما تأتي البحرين على صغر حجمها الجغرافي، في ترتيب الدول الحاضنة للقواعد الأمريكية، فقد ضمّت ثلاثة قواعد أمريكية(3)، فضلا عن القاعدة البريطانية والفرنسية

وقد قُدّرت قيمة انشاء تلك القواعد بحوالي 749 مليار دولار( كما أن إبقاء القواعد والقوات الأمريكية في الخارج يكلف ميزانية الولايات المتحدة ما بين 85 و100 مليار دولار سنويًا، وبإضافة العمليات العسكرية التي تقوم بها هذه القوات، تقفز التكلفة السنوية إلى ما بين 160 و200 مليار دولار سنويًا.)(4)

أما القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط وتحديدا في قطر والامارات والسعودية وعمان والأردن والبحرين والكويت(5)، فقد ضمت بدورها أعدادا كبيرة من الأفراد والتجهيزات والأسلحة ومنها أسلحة غير تقليدية يحتمل أن تكون فيها قنابل أو صواريخ مجهزة بأسلحة كيميائية ونووية

قبل انتصار الثورة الإسلامية لم تكن القواعد في الشرق الأوسط بهذا العدد والقيمة التي عليها اليوم، فقد كانت زمن شاه إيران مصدر قوة وإرهاب لمحور الصمود والتصدي، الذي كان آخذا على عاتقه مواجهة الكيان الصهيوني، أمّا اليوم فاهتمام هذه القواعد منصبّ حول هدف أمريكا الأول في حماية الكيان اللقيط، وفي هدفه الثاني تشكيل طوق عسكري جنوب غربي إيران، مع تمركز قوات أمريكية في قواعد ثابتة على الأراضي الباكستانية، وجمهوريات الاتحاد السوفييتي المنحلّ

بينما ينتشر حول العالم نحو 200 ألف جندي أمريكي خارج حدود بلدانهم، يتمركز من بينهم ما بين 60 إلى 70 ألف جندي في منطقة الشرق الأوسط. ويتراوح هذا العدد الضخم من العسكريين ما بين موظفين دائمين في وزارة الدفاع الأمريكية، وما بين قوات مقاتلة ذات مهمة عمل محددة بالزمان والمكان. (6)

هذا الانتشار المهول لم تقم به دولة أخرى غير أمريكا، أولويتها فيه في المقام الأول حماية مصالحها واساسا جني ثمار تمركزها في دول الخليج من عائدات النفط والغاز، كما صرّح بذلك الرئيس السابق (ترامب) موهما السعودية ومجلس التعاون الخليجي بأن التواجد العسكري الأمريكي في قواعد بتلك الدّول من أجل حمايتها (7) ولا أعتقد أن النظام السعودي ولا غيره من دول الخليج المستضيفة للقواعد الأمريكية، بسبب الفزاعة التي أطلقها الاعلام الغربي من إيران بمقدورهم أن يتراجعوا عما أُبْرِم من اتّفاق بينهم وبين الإدارة الأمريكية، في دفع فاتورة الإنفاق العسكري الأمريكي على القواعد وما تتطلبه من أموال ضخمة، من عائدات النفط والغاز، وهذه حقيقة لا مجال لأحد أن ينكرها، وتصريحات ترامب لا تزال تدوّي على صفحات اليوتوب، فاضحة النوايا والسيئة والاستغلال الفاحش لحكام لا شعبية لهم، عشّش في رؤوسهم وهم الخوف من إيران زرعه الأمريكيون أنفسهم.

بالإمكان القول أن السياسة الأمريكية اتخذت من أسلوب الهيمنة والاستقواء بالقوة العسكرية على الدول الضعيفة، مع ما تروجه من حين لآخر من دعايات تخويف وارعاب لحكام تنسّموا سلطاتهم بالدعم البريطاني، ولولا عجوز الاستعمار هذه لما بقيت لهم باقية منذ أول نشأتهم، والتاريخ مضمّن لكيفية نشأة آل سعود ووهابيتهم (8)، ولا يمكن لأحد أن يحرّف منه شيئا.

إنّ جعل إيران فزّاعة لدول الخليج من طرف الساسة الأمريكيين، وحث إعلامهم على أن يجعلوا منها أولوية، في نشر كل ما من شأنه أن يعطي تصوّرا خاطئا عنها، هو عمل مفيد لاستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط وقد أتت أكلها لحد اليوم، بحيث أصبحت إيران عدوّا لدودا يتمنّون زوال نظامها، وفي المقابل أصبح الكيان الصهيوني صديقا مبجّلا يتمنّون قربه، والتعامل والتحالف معه، خصوصا ضد إيران، فلينظر عاقل إلى أي مدى بلغ السّفه والإنحراف لمن تبنى هذا الموقف، مستبدلا حق  الدين والجوار، بباطل الحماية الأمريكية الغربية الكاذب.

خطر وجود القواعد العسكرية الأمريكية أينما بُنِيت وتأسست، يبقى قائما ولن يزول هذا الخطر الجسيم من دون رحيل هذه القوات إلى بلدانها، وحماية الدول واستقرار أمنها يكون بالتعاون المشترك بينها، ومن الخطأ الاعتماد على الأعداء في حمايتها.

المصادر

1 –2 –3 –4 – 87 قاعدة في ألمانيا فقط.. 10 دول تضم أكبر عدد من القواعد العسكرية الأمريكية

https://www.sasapost.com/10-countries-that-have-the-biggest-us-military-presence/

5 – أهم القواعد العسكرية في المنطقة العربية التواجد والنفوذ

https://www.alsiasat.com/

6 – بالأرقام والمهام إليك أماكن توجد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط

https://al-sharq.com/article/06/01/2020/

7 – دونالد ترامب يطالب السعودية بدفع المال لأمريكا لقاء حمايتها من الزوال.. وسعوديون يردون بتويتر: وقح وغبي

https://arabic.cnn.com/middleeast/2015/08/19/donald-trump-saudi

8 – السعودية المملكة التي أسسها ضباك مخابرات الإنكليز

https://www.noonpost.com/content/38290

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024