يبدو أن الحديث المتكرر منذ أيام عن مخاوف الكيان الصهيوني من القوة الصاروخية الإيرانية الموجهة واحتمال عجز جيشه عن صدها بدأ يثير تساؤلات عن مدى صحة وجود هذه المخاوف وعن هدفه من وراء إثارتها سواء أكانت مسألة محتملة في هذا الوقت أو افتراضاً مبالغاً به، فقد تكرر مضمون هذه المخاوف التي تناولتها كبرى وسائل الإعلام في الكيان الصهيوني على لسان ثلاث شخصيات متنفذة تشارك في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحرب، فقد ذكر موقع المجلة المتخصصة بالأخبار بالعبرية (روتر – rotter) في السابع من تشرين الأول الجاري أن تسريبات خرجت من اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة لشؤون الأمن قيل فيها إن «إسرائيل غير جاهزة لصد الصواريخ الإيرانية الموجهة الدقة ذاتها في إصابة الهدف».
ونشر الموقع أيضاً تصريحاً مقتضباً للوزير يوفال شتاينيتس من (قادة الليكود) يحذر فيه من «أن زيادة تسخين إيران للوضع تجاه إسرائيل قد يلحق الضرر بها بعد أن بلغ درجة حافة الانفجار»
كما نشر الموقع تصريحاً لرئيس (الموساد) يوسي كوهين الذي شارك بالطبع في اجتماع الحكومة الصهيونية المصغرة المعروفة (بالكابينيت) عرض فيه ما زعم أنه (تفاصيل جديدة) عما سماه «الهجوم الإيراني على محطات نفط أرامكو قبل أسبوعين» ويعرب فيه «عن خوفه من استخدام الطريقة نفسها ضد إسرائيل».
ويشير المحلل السياسي يوني بن مناحيم وهو من غلاة الصهاينة في كيان الاحتلال إلى أن «حكومة نتنياهو ترى أن الرئيس الأميركي ترامب لم يبدد مخاوف السعودية من تكرار الهجوم الصاروخي ضد بنيتها التحتية النفطية» وأن هذه النتيجة يمكن أن تشجع إيران على شن هجوم صاروخي انتقامي على «إسرائيل».
وفي المقابل، حاول رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيف كوخافي، التخفيف من هذه المخاوف فأعلن أن «إسرائيل قادرة على إحباط أي هجوم عليها»، لكن المشهد على الأرض يثير شكوكا تجاه تصريحه هذا برغم أنه مطالب بالتأكيد على( قوة جيشه)، فالكثيرون من المحللين في (إسرائيل) يتساءلون عن السبب الذي جعل الرئيس ترامب يتراجع عن الاصطدام العسكري المباشر مع إيران في الخليج قبل أسابيع وعن عدم القيام بأي عمل عسكري ضد إيران بعد اتهامها (بضرب محطات نفط أرامكو السعودية)، وفي النهاية ظهر لحكومة نتنياهو أن هذه السياسة الأميركية تدل على الضعف والتراجع وأنها تشجع إيران على الاستمرار في استخدام قدراتها العسكرية وزيادة التصريحات التي تهدد فيها تل أبيب من دون أن تردعها عن ذلك قوة الولايات المتحدة في المنطقة
وهذا يدل أولاً: على فشل سياسة نتنياهو المنهجية التي اتبعها منذ عام 2009 لدفع الجيش الأميركي إلى شنّ حرب على إيران.
كما يدل ثانياً على أن تل أبيب باتت تخشى من أن يبادر أعداؤها بشن هجوم عليها بعد أن كانت تخشى من فشل هجومها هي على الجبهة الشمالية التي تعد إيران حليفة لها.
كما يدل ثالثاً على عجزها عن الخروج من أشد أزمة داخلية تعصف بها بعد عمليتين انتخابيتين خلال خمسة أشهر..
وبوساطة هذه العوامل المستعصية على الحل لمصلحته أصبح الكيان الصهيوني يجد نفسه شاء أم أبى محاصراً بهذه المواجهات الخارجية والداخلية وتحدياتها التي تفوق قدرته على التخلص منها وحده.
ووسط هذه الدوامة المتواصلة منذ ستة أشهر تقريباً لم يعد لدى الكيان الصهيوني أي من الخيارات التي كان يلجأ إليها لتحقيق أهدافه التوسعية والعدوانية، فهو بنفسه يعترف على لسان مسؤوليه أنه لا يستطيع شن حرب مسبقة (وقائية) شاملة (للتخلص) من قوة جبهة الشمال التي تزداد رغماً عنه أو من قوة ايران التي تتعاظم، بينما تتجنب واشنطن شنّ الحرب المباشرة ضدها كما لا يستطيع الكيان تحمل استمرار هذا الوضع لأنه يستنزف قدراته البشرية بعد ازدياد الهجرة العكسية من الكيان لعشرات الآلاف سنوياً وانحسار الهجرة اليهودية إليه إلى أدنى الأرقام خلال السنوات العشرين السابقة ولعل هذا الطريق المسدود أمام مستقبل هذا الكيان هو الذي دفع وزير خارجيته يسرائيل كاتس إلى اقتراح عقد اتفاقيات دفاع مشتركة بين تل أبيب وعدد من الدول العربية ضد إيران لكي يفرض على هذه الدول التي تقبل بعقد هذه الاتفاقات شنّ حرب مشتركة ضد إيران، وهو ما لم تجرؤ عليه واشنطن وتل أبيب معاً.
وفي النهاية، هذا يدل على التخبط الإسرائيلي في البحث عن مصادر قوة يضيفها مسؤولو تل أبيب لقوتهم التي تراجعت أمام محور المقاومة