هي حقيقة وليست مبالغة في الأمر، وهذا ما اعتقد أنه بدأ يخامر عددا من اليهود المخدوعين، الذين قدموا إلى فلسطين المحتلة، بناء على وعود إقامة كيان لهم هناك، فبعد عملية اغتيال القيصر الروسي الإسنكدر الثاني Alexander II سنة 1882 (1) وتورّط اليهود فيها، بدأت هجرتهم من هناك إلى أمريكا وفلسطين، هربا من ردود الأفعال الروسية، أسس جمع من الطلبة اليهود من جامعة خاركوف الروسية جميعة (أحبّاء صهيون) كان لها دور أساسي في التشجيع على الهجرة إلى فلسطين، وتنظيمها ورعايتها، وقد أسس المهاجرون اليهود في الموجة الأولى ثلاث مستعمرات (هي: 1 – (ريشون ليتسون Rishon Letsiyon)، في منطقة يهوذا، بالقرب من (عيون قارة) في السهل الساحلي إلى الجنوب من يافا 2 –( زخرون يعقوب Zikhron Ya’akov)، وعرفت باسم (زمارين) في سفوح جبل (الكرمل) الجنوبية الشرقية 3 – (روش بينا Rosh Pinna ) أي (رأس الزاوية)، بالقرب من (الجاعونة) بين طبرية وصفد، بناها مستوطنون من رومانيا) (2)
وتتالت الهجرات اليهودية بطابعها الصهيوني بعد ذلك، والفلسطينيون في غفلة من ذلك، بل وفيهم من وأسهم في بيع أرضه، بأسعار مغرية في تلك السنوات، دون أن يتفطّن لغاية هؤلاء القادمين إلى بلاده، وهدفهم من شراء تلك القطع الصغيرة نسبيا من الأرض، وهي أراض زراعية، ومضى بذلك تأسيس المستعمرات في الخفاء ودون إحداث أي ضجّة أو اعطائه أيّ اعتبار من طرف الفلسطينيين، وفي ذلك التاريخ لم يكن هنالك غصب للأراضي، مثلما حدث خلال فترة الإنتداب البريطاني (1920/1948)، وتغوّل المستعمرات.
موجات الهجرة إلى هذا الكيان، الذي تأسس بدعم بريطاني غير محدود، تكاثرت بسبب للدعايات التي سبقتها، بأن فلسطين هي أرضهم الموعودة، ولهم فيها حقّ تاريخي، وفتحت شهيّة وحلم الصهاينة والمتطرّفين، في أن يؤسسوا دولة عرقية عنصرية، على حساب أهل الأرض الحقيقيين، وحققت زعاماتهم بعض ما طمحت إليه، وطموحهم الأكبر يسعون اليوم لتحقيقه بتواطؤ أنظمة خليجية، ظهرت صهيونية أثر من الصهاينة أنفسهم، غير أنّ رجال الأمّة ممن انخرط في مجال مقاومة الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، التي ينظر إليها المؤمنون على أنّها أرض إسلامية مقدّسة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخرج عن إطارها الإسلامي.
مقاومة الوجود الصهيوني بدأت منذ ظهور كيانه، وقد انخرطت فيها طلائع مؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية، متبنّية لها بكل قوّة، وزاد ظاهرتها المبدئية، ظهور إيران بنظامها المناصر والدّاعم والمنظّم لمحور المقاومة على الساحة الإسلامية، وتشكّل غرفة عمليات مقاومة أثبتت فاعليتها، وأعطت للقضية بعدا جديدا، أصبح يعادل قوّة الرّدع الصهيوني ويتفوّق عليها، بحيث أصبح المستوطنون غير آمنين في مناطق سيطرتهم، من جرّاء العمليات الفدائية التي ينفّذها شباب فلسطيني آمن بعدالة قضيته وشرعية مقاومته من أجل تحرير أرضه.
وطبيعي أن تصدر ردود أفعال من الدّاخل الصهيوني، معاكسة لما هو شائع في الإعلام بأن الكيان آمن وفيه يستطاب العيش، والمكتوي من الصهاينة واليهود في الدّاخل غير الذي لا يرى سوى أراجيز الدعايات الإعلامية البعيدة عن الواقع الصهيوني منذ بدأت المقاومة من الداخل تتنامى وتحقق في كل عملية فدائية ناجحة خرقا أمنيا لا يمكن غمُّ نتائجه وحجب آثاره التي خلّفها في نفوس المستوطنين، لذلك بدأت تظهر من حين لآخر موجات هجرة معاكسة، قام بها يهود، رفضوا أن يبقوا بفلسطين، ليكونوا ضحية الأعمال الفدائية لأصحاب الأرض، وقد(عبّرت عائلات عدد كبير من الإسرائيليين في كتاب أرسلته إلى وزارة الخارجية في تل أبيب، عن واقع يثير كثيراً من القلق والهلع في إسرائيل، بعدما رُصدت عائلات يهودية حاصلة على جنسية إسرائيلية وأمريكية وكندية، في طريقها من غواتيمالا إلى إيران.
يدور الحديث عن طائفة (ليف طهور)، بما يعني باللغة العربية (القلب الطاهر)، وهي جالية يهودية شديدة التديُّن، كانت غادرت إسرائيل بسبب (خلاف آيديولوجي) خلال تسعينيات القرن الماضي، وتشتت بين غواتيمالا والولايات المتحدة وكندا، ويحمل أغلب أعضائها جنسية إسرائيلية، أو جنسيات مزدوجة (إسرائيلية-أمريكية)، وتشير مواقع عبرية إلى أن الطائفة المذكورة، التي يدور حولها جدل كبير بسبب تشدُّدها وتديُّنها، لا تعترف بالصهيوينية التي تسيطر على الأرض المقدسة.
وقالت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، إن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تكثّفان الجهود في هذه الأثناء، لمنع أبناء الجالية اليهودية في غواتيمالا من الهجرة إلى إيران، بعد رصد عشرات العائلات في المطار، يقصدون الحدود الإيرانية مع إقليم شماليّ العراق.) (3)
جدير بالذّكر أن عدد اليهود في إيران يبلغ 45 ألف يهودي، يعود تواجدهم هناك إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وسجل التاريخ لطهران تعاملاً جيدًا مع مواطنيها من اليهود، فعلى سبيل المثال دشن قبل أيام في طهران نصب تذكاري جديد للجنود اليهود الإيرانيين، الذين ضحوا بحياتهم في الحرب الإيرانية – العراقية، والتي جرت بين عاميّ 1980 – 1988، كما سجل هذا التاريخ وطنية من قبل يهود إيران لدولتهم، وذلك مقابل عداء ورفض للصهيونية، والدولة اليهودية على أرض فلسطين.(4)
مؤشرات زعزعة الكيان الصهيوني من الداخل، وإنهاء حلم العيش الآمن بداخله ظهرت، وهي تتفاقم كمعضلة بلا حلّ للسلطات السياسية والأمينة هناك، وتدفع باليهود المقيمين بداخل فلسطين المحتلة، إلى التفكير بجدّية للهجرة منها، إلى حيث يمكن أن يأمنوا على أنفسهم وعائلاتهم من أعمال المقاومة، شعور خوف ورهبة بدأ ينتشر بين اليهود، خصوصا أولئك الذين عبّروا عن رفضهم للفكر الصهيوني، واعتبروه لا يمُتّ لليهودية بصلة.
جدير بالذّكر أن قائد الثورة الإسلامية، الإمام علي الخامنئي كان قد ألمح في أحد خطبه منذ سبع سنوات، بأن عمر الكيان الصهيوني قصير ولن يتجاوز 25 سنة، فلدى استقباله جمعا من الإيرانيين قال سماحته: (الصهاينة يقولون إنهم تخلصوا من هاجس إيران خلال 25 عاما القادمة، لكنني أقول بأنهم لن يشاهدوا هذه الأعوام، وأنه خلال 25 عاما القادمة، لن يكون هناك شيء إسمه الكيان الصهيوني، ولن تَتْرُك روح الجهاد الصهاينة يشعرون بلحظة من الراحة خلالها) (5) كلمات لم تأتي من فراغ وإنّما نطق بها عالم فقيه بشؤون الدين والدّولة، يعتبره أتباعه وليّا لهم، كلامه معتبر عندهم وعند الكثيرين، لما له من مصداقية أثبتت اصابتها عين الحقيقة كل مرّة، وعندما يصف سيد المقاومة بأن اسرائيل هي أوهن من بيت العنكبوت، فذلك لكي يُعلِم أهل مقاومتها أنها كذلك، ومن كانت بيتها أوهن من بيت العنكبوت، فإنّ رياح المقاومة سوف تعصف بها قريبا.
المصادر
1 – إغتيال ألكسندر الثاني قيصر روسيا
https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – الهجرة الاستيطانية اليهودية: الموجة الأولى وأبعادها
https://www.almayadeen.net/files/1359538/
3 – حكاية غريبة.. إسرائيليون يوالون خامنئي ويهربون من الصهيونية إلى إيران
https://www.trtarabi.com/explainers/6849695
إسرائيل.. إحباط محاولة هروب مئات اليهود المتشددين إلى إيران (صور وفيديو)
https://arabic.rt.com/world/1283254-
4 – ماذا تعرف عن اليهود في إيران؟
https://www.sasapost.com/iranian-jews-and-their-home-temples-treatment-minority-tehran-israel/
5 – خامنئي: إسرائيل لن تكون موجودة بعد 25 عاما
https://arabi21.com/story/857721/