في آخر تقدير للوضع الاستراتيجي في الكيان الصهيوني نشره مركز “هيرتسيليا” في أيار الماضي، أكد المركز أن القضية الفلسطينية «ستظل تثير للدول العربية الصديقة للولايات المتحدة والدول التي وقعت على اتفاقات سلام تحديات داخلية لا يمكن الاستهانة بها خاصة بعد أن أقرت حكومة تل أبيب مشروع يهودية الدولة وضم المستوطنات».
وهذا يعني بعبارة واضحة أن الحكومة الصهيونية تسعى إلى تحويل كل فلسطين المحتلة إلى كيان لليهود وحدهم فيصبح أكثر من خمسة ملايين من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وكذلك في الأراضي المحتلة منذ حزيران 1967 قابلين للترحيل في الوقت والطريقة التي تحددهما تل أبيب لأنهم من غير اليهود.
ويرى المركز أن تنفيذ هذا المشروع في “الضم” سيحول دون وجود كيان سياسي أو دولة فلسطينية على جزء من الضفة الغربية، ويرى أيضاً أن “المطلوب من حكومة تل أبيب طمأنة الملك الأردني بأنها لا تسعى إلى خلق دولة للفلسطينيين في المملكة الأردنية عند ترحيلهم تدريجياً من أراضي الضفة الغربية”. لكن الوقائع على الأرض تؤكد أن كل قدرات هذا الكيان ومن ورائه الولايات المتحدة والغرب لن تستطيع مهما فعلوا ترحيل ملايين الفلسطينيين من قراهم وبيوتهم داخل وطنهم المحتل لأنهم سيتمسكون بالأرض.. ولأن ميزان القوى الإقليمي في المنطقة لا يتيح الإقدام على تنفيذ جريمة الترحيل طالما بقيت أطراف محور المقاومة في الجبهة الشمالية للكيان الصهيوني.. ولأن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي خارجها يؤمنون بأن هذا المحور يشكل إسناداً داعماً وقوياً لإحباط مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية.
ويعترف المسؤولون أنفسهم في جيش الاحتلال بأنه كلما تزايدت قدرات محور المقاومة العسكرية والصاروخية واتسع دوره الجيو- سياسي كلما أصبح من المستحيل تنفيذ خطة الترحيل بعد “الضم”. ومع ذلك لا أحد يجب أن يشك للحظة واحدة بأن تل أبيب وواشنطن ستتوقفان عن تضييق الخناق على دور وتماسك هذا المحور بل سترصدان وتوظفان كل إمكاناتهما وحلفائهما في المنطقة لخلق المزيد من الصعوبات أمام جدول عمله من دون أن تتمكنا من إيقاف عجلة تطور قدراته العسكرية وتعبئة إمكاناته البشرية والمعنوية.
وربما يلاحظ الكثيرون أن الإدارة الأمريكية تسارع -في الوقت المستقطع لها قبيل سقوط رئيسها المحتمل في الانتخابات المقبلة- إلى زعزعة استقرار لبنان والعراق اللذين لم تعد واشنطن قادرة على فرض ما تريده فيهما من سياسات تخدم مصالحها.
ويراقب مسؤولو الكيان الصهيوني بخوف شديد تطور علاقات سورية وإيران والعراق والمقاومة اللبنانية والفلسطينية والأهداف المشتركة التي تجمع بينهم في الحرب على الإرهاب التكفيري وحماية سيادة أراضيهم وحقوق الشعب الفلسطيني لأن هذا المحور وجدول عمله السياسي في المنطقة أصبح يشكل أكبر قوة متجانسة في استقلال قراره عن الولايات المتحدة وفي حماية مصالح شعوبه من القوى التي تستهدفها بينما تتزايد بالمقابل أشكال الخلاف والنزاع بين دول ساحة الملعب الأميركي في شمال إفريقيا وفي الخليج من دون حلول ترضي جميع فرقائه وتمتد لتصل إلى أنقرة وسياسة أردوغان .
ولذلك دعا مركز “هيرتسيليا” الصهيوني للأبحاث الإستراتيجية إلى عقد مؤتمر في مقره بمستوطنة “هيرتسيليا” للتباحث في الشؤون الأمنية والسياسية في 10 أيلول المقبل تحت عنوان «إسرائيل في عصر الأزمات.. إلى أين سنتجه من هنا؟».
وما لا شك فيه أن المؤتمر سيضع على رأس جدول عمله مهمة محاولة تحشيد كل القوى التي يستطيع تجنيدها معه ضد محور المقاومة وأطرافه لأن ما يواجهه كيانه من المقاومة وأطرافها أصبح يهدد وجوده نفسه إلى حد جعل بعض المحللين في تل أبيب يتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة في وضعها الراهن والضعيف نسبياً في المنطقة سيكون في مقدورها إنقاذ تل أبيب من محور إقليمي يجمع إيران والعراق وسورية ولبنان والفلسطينيين في جبهة مشتركة ضد تل أبيب وخاصة بعد فشل ترامب ونتنياهو في زعزعة تماسك أطراف هذا المحور ووحدة مصالحه وأهدافه.
إضافة إلى هذا العامل في قوة محور المقاومة يلاحظ الكثيرون أيضاً أن تزايد حدة الهجوم السياسي الأميركي على الصين وروسيا لا بد أن يولد زيادة في متانة علاقات التعاون والتحاف المشترك بين محور المقاومة والصين وروسيا وخاصة لأن أحد أسباب هذا الهجوم الأميركي يعود لعلاقات التعاون الصينية– الروسية- الإيرانية في هذه الأوقات.
كاتب من فلسطين