هكذا يعرّفون مقابلة كرة القدم، عندما ينتهي وقتها القانوني، ويبقى الوقت البدل الضائع بيد الحكم، يقدّره حسب ما يراه عادلا، محلّ شاهد لوضع الكيان الصهيوني الإستثنائي في المنطقة، هذا الكيان الذي قام بما في وسعه فعله، ولم يكن في أعماله العدوانية متخذا فيها قرارا منفردا، دون الرجوع إلى من وطّنوا زُمَرَهُ بأرض فلسطين، من دول الغرب وعلى رأسهم بريطانيا وأمريكا، فعربد في المنطقة كما شاءت له سياساته العدوانية التي رسمها، من أجل أن يبقى مهيمنا عليها، مطلق الحرّية في القيام بأي عدوان يخطر على قيادته، ولو كان خارج فلسطين المحتلة بمسافات بعيدة، طالما أنّ الضوء الأخضر ممنوح لها بلا حسيب ولا رقيب.
أخيرا أطلّ على العالم رئيس الوزراء الإسرائيلي (يائير لابيد) خلال زيارة قام بها إلى قاعدة جوّية في جنوب فلسطين المحتلة، ليدلي بخطاب من أمام مقاتلة “إف-35″، محذّرا إيران من الإستمرار في اختبار الدولة العبرية، في وقت تتفاوض فيه طهران مع الدول الكبرى لإحياء الاتفاق النووي. وقال (لابيد) إن “الوقت ما زال مبكرا لمعرفة ما إذا كنا قد نجحنا بالفعل في وقف الاتفاق النووي، لكن إسرائيل مستعدة لأي تهديد ولأي سيناريو”. (1)
الكيان الصهيوني الذي بذل قصارى جهوده، من أجل اقناع الدول الغربية بسعي إيران لامتلاك سلاح نووي، وجد نفسه اليوم أمام وضع لا يحسد عليه، حيث أذهبت جهوده الأوضاع والمتغيّرات الطارئة على الساحة العالمية، خصوصا الحرب الروسية الأوكرانية، حيث لا يستبعد أن يُمْضى اتفاق بين الدول الغربية، بعودة أمريكا إلى الاتفاق من جديد وبضمانات جديدة ، وهو ما أثار (مخاوف الكيان الصهيوني ودفعه إلى الضغط لمنع إحياء اتفاق يعتبر من أشد منتقديه. لابيد قال للصحافيين: “على الطاولة الآن صفقة سيئة، ستمنح إيران 100 مليار دولار سنويا”. وأضاف أن هذه الأموال ستستخدمها فصائل مسلحة مثل حركة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي “لتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط ونشر الرعب في جميع أنحاء العالم”. (2)
حالة الإرتباك بادية على الكيان الصهيوني سياسيا وعسكريا، أمّا سياسيا، فإنهم لم يعودوا يتمتعون بالدلال المطلق الذي يسمح لهم بالتأثير الكامل على القرارات الغربية، خصوصا تلك التي تمس من مصداقية الدول الأوروبية على الاقل، ومن شأنها أن تهدد أمنها الاقتصادي، والمثال الأوكراني محرج لأوروبا إلى حد بعيد، ورطتها فيه أمريكا وتبحث له عن مخرج يحفظ ماء وجه دولها، خصوصا وشتاءها القاسي على الأبواب، وليس لها من سبيل سريع لتعويض الغاز والنفط الروسي.
وأمّا عسكريا، فتعدّد ضربات قواتها الجوّية على نقاط عسكرية ايرانية داخل سوريا لم تعد تعني شيئا تقريبا بالنسبة لخبراء العسكر، وهي في نظرهم مجرّد محاولات لعرقلة التمركز الإيراني على التماس مع فلسطين المحتلة، بما يعنيه ذلك من خطر وجودي جدّي على الكيان الصهيوني من ذلك التواجد والتمركز، والصهاينة يدركون جيّدا أن الإيرانيين جادّون ولا يلعبون في مسألة دعا إليها مؤسسها الإمام الخميني رضوان الله عليه، لتشكل مشروعا ذو أولوية قصوى في حياة الشعب الإيراني، لن يتوانى لحظة في تحقيقه.
ويأتي التقدّم العسكري الإيراني، بإنجازاته الناجحة والمتسارعة، ليشكل حلقة أخرى من حلقات فزع الكيان الصهيوني، بمواكبة فصائل محور مقاومته، الذي تمكنت السياسة الإيرانية من تجاوز عقبات خلافاته، لتجعله جبهة واحدة وغرفة عمليات موحدة تنسيقا وتخطيطا وتعاونا، وهذا ما سيخلق للكيان الصهيوني تعبا مضافا، وضعفا متزايدا في حصر جبهات أعدائه، التي تنوعت بين الداخلية والخارجية، ولا يمكن التمايز بين من هي الأخطر من الأخرى عليه.
جبهات داخل فلسطين ممثلة بفصائلها، وأخرى على تخوم فلسطين المحتلة كلبنان وسوريا، وأخرى بعيدة بعض الشيء عنها كإيران واليمن، شكلت محورا يصدق عليه القول، بأن أهله ذوي بأس شديد، يتحيّنون فرصة الإنقضاض على كيان غريب على فلسطين والمنطقة، من أجل إزالته من على خريطة الشرق الأوسط، وكما جاء بالقوة فإنّه لن يزول بغير القوة، ومن هنا يمكن القول بأن الكيان الصهيوني أصبح يلعب في الوقت البديل، بعدما استنفد كل آماله في البقاء غاصبا ومحتلا، أرضا ليس له فيها أدنى حق، الحَكَمُ هي إيران ومحورها، فماذا سيضيفون من زمن بقاء هذا الكيان العنصري، عدّاد ساعة الصفر بدأ يشتغل، وكلما تحرك الكيان آملا إيجاد حلّ يخلّصه من كابوس الزوال، زادت سرعة عقارب الزمن، وأزفت الآزفة. الكيان يمني نفسه بالبقاء طويلا، وانظمة التطبيع تصدّقه، وتبني معه مستقبلا هشّا، لا رجاء ولا أمل فيه، من تمتلك الحقائق وهي مؤمنة بأنّها على الطريق الصحيح، في تحقيق ما يصبو إليه أهلنا أحرار فلسطين، هي إيران ومحورها المقاوم الصادق، البقية هم أبعد ما يكونون عن مجال الفعل، مجرّد أرقام لا تسمن ولا تغني من جوع كرامة وحرّية.
المراجع
1 – من أمام مقاتلة “إف-35”.. لابيد يحذر إيران
https://arabic.rt.com/world/1388302-
2 – إسرائيل تشن حملة مكثفة لإقناع الدول الغربية بعدم إحياء الاتفاق النووي الإيراني
https://www.france24.com/ar/20220825-