منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، فر ملايين السوريين من بلادهم؛ هربًا من طلقات النيران الطائشة وبطش نظام «الأسد». لا شك في أن الكثيرين حاولوا اختيار بلدان آمنة يمكن إكمال حياتهم فيها دون أن يصبحوا أو يمسوا فيها على أصوات الصواريخ، ومنهم من نجح في العثور على هذه البلدان ومنهم من لم يفلح في اختياره واضطر إلى الذهاب من النار إلى الجحيم، وهذا هو حال السوريين وفلسطينيي سوريا الذين فروا إلى قطاع غزة المُحاصَر؛ اعتقادًا منهم أن حصار الاحتلال الصهيوني أهون من حرب «بشار الأسد»، فلم يتخيل أحد منهم أن الوضع سينتقل بهم من سيء إلى أسوأ.
اللاجئون السوريون وفلسطينيو سوريا
منذ اندلاع الحرب في سوريا 2011 وحتى نهاية عام 2019، بلغ عدد اللاجئين السوريين إلى ما يقارب 6,6 مليون لاجئ موزعين في أنحاء العالم، ولجأتْ إلى غزّة 29 عائلة سوريّة الأصل، خلال الفترة بين عامي 2011 و2013 عبر معبر رفح البري، ولكن بعد الحرب الاسرائيليّة على القطاع سنة 2014 غادرت 20 عائلة الأراضي الفلسطينيّة إلى دول أوروبيّة مختلفة عن طريق المفوضيّة، فيما بقيت سبع عائلات وشخصين آخرين، بلغ عددهم ثمانية وعشرين فردًا، حتى الآن، وذلك وفق تقرير للمفوضيّة الساميّة لشؤون اللاجئين.
فيما بلغ تعداد السوريين من أصل فلسطيني، الذين لجأوا إلى غزّة 1,443 شخصًا، و360 عائلة، وذلك حسب وزارة التنميّة الاجتماعيّة في غزّة، بقي منهم في الوقت الحالي 83 عائلة و414 فردًا، ومعظمهم مُسجل في البرامج الغذائيّة التي يتم تقديمها للعائلات الأشد فقرًا. وبالإضافة إلى اللاجئين المُسجلين، يوجد حوالي 250 امرأة سوريّة تحمل الوثيقة الفلسطينيّة بحكم زواجهن من فلسطينيين.
أوضاع القطاع
في ظل حصار الاحتلال لقطاع غزة برًا بحرًا وجوًا وجبايات حركة «حماس» والحرب الروسية الأوكرانية، أصبح إيجاد وظيفة أو عمل يومي يؤمن حياة الغزيين في القطاع أمرًا شبه مستحيل فلقد ارتفعت نسبة البطالة من 23,6% في عام 2005 إلى 50,2% عام 2021 لتصبح من أعلى معدلات البطالة في العالم، وبالإضافة إلى ذلك ارتفعت معدلات الفقر من 40% في عام 2005 إلى 69% في عام 2021، علمًا أن قطاع غزة يعتبر أكبر الأماكن اكتظاظًا في العالم، ويقطنوه حوالي 2 مليون و300 ألف نسمة.
مصدر الصورة: المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان
والتساؤل هنا كيف لقطاع لا يستطيع فيه المواطنون توفير قوت يومهم أن يمنح اللاجئين حياة آمنة وتعليم جيد وصحة حسنة؟ فمنذ حصار القطاع عام 2006، يعيش القطاع في حالات انهيار متكررة أدخلته في حالة من الركود حيث شهد القطاع إغلاقًا شبه كلي للمعابر التجارية، ما شـل الحركة الاقتصادية، وهو الأمر الذي تسبب بانكماش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 27%، وقلص مساهمة قطاع غزة في الاقتصاد الفلسطيني الكلي على مدى العقود الثلاثة الماضية بمقدار النصف، لتصل خلال عام 2021 إلى ما لا يزيد عن 18%.
فضلًا عن تعرّض آلاف المنشآت الاقتصادية والخدمية والإنتاجية للتعطل والتدمير والضرر خلال الهجمات العسكرية الصهيونية التي تخللت سنوات الحصار، إذ تسبب الهجوم العسكري الأخير في أيّار/مايو 2021 وحده بتدمير مئات المنشآت الاقتصادية، بإجمالي خسائر بلغت نحو 400 مليون دولار أمريكي.
أما بالنسبة إلى القطاع الصحي فقد تعمد العدو منع أو تحديد دخول الأدوية والمستلزمات الطبية إلى قطاع غزة، ما أدّى إلى تراجع خدمات الرعاية الصحية في قطاع غزة بنسبة 66%.
طال هذا الحصار الخانق أيضًا حرية الحركة، حيث ما يزال العدو يسمح لعدد محدود بالتنقل عبر معبر «بيت حانون»، إذ بلغ المعدل الشهري لخروج الفلسطينيين من المعبر حوالي 30 ألف حالة، في حين بلغ المعدل الشهري لحالات الخروج في عام 2021 نحو 8,954 حالة، بتراجع بلغ نحو 70% عن معدل ما قبل فرض الحصار عام 2006.
مغادرة ملحة ومستحيلة
من الطبيعي أن يكون ما تم ذكره من الأوضاع السيئة التي يعاني منها القطاع، دليلًا كافيًا على رغبة اللاجئين السوريين في مغادرة القطاع بأي شكل من الاشكال، ففي تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، يوم 14 كانون الأول/ديسمبر 2021، شبَّه اللاجئ السوري «عماد الحسو» القطاع بـ«السجن» وقالت زوجته «دنيا المنيراوي» إن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لا تعترف باللاجئين السوريين الموجودين في القطاع؛ قائلة «الأونروا لا تعترف بأولادي. جوابهم دائمًا: أنت لاجئ سوري، ومهمتنا هنا خدمة اللاجئ الفلسطيني».
وفي ظل تلك الصعوبات، حاول أحد اللاجئين صنع الأمل بنفسه في قطاع اليأس -قطاع غزة- ومنهم «وريف قاسم» اللاجئ السوري، الذي يعتبر الناطق الرسمي باسم اللاجئين السوريين في غزة، والذي استطاع إنشاء مطعم سوري خاص به في القطاع مثل الذي كان يمتلكه في حلب، لكنه يجد صعوبات في مشروعه إذ قال: «الناس هنا يحبون الوجبات السورية، لكن المواد المطلوبة لتعليم الأكلات الشامية المعروفة لا نجدها في غزة بسبب الحصار».
من جانبه، قال رئيس هيئة تنسيق اللاجئين السوريين في غزة «محمود أبو شاويش»، في وقت سابق، إنّ فلسطينيي سوريا عادوا إلى المدينة، عبر معبر رفح البري، ومن خلال الأنفاق، ويواجهون صعوبات الحياة والحصار، وعدد منهم محروم من خدمات وكالة (أونروا) ولا يملكون تأمينًا صحيًا، ولا بطاقة هُوية قومية، وبصعوبة التحقوا بالمدارس، ولا يمكنهم الحصول على فرص توظيف حكومي في حال توفرت، على حسب تعبيره.
وبشأن الأوضاع الاقتصادية للسوريين في غزّة، أكد «أبو شاويش»، أن السوريين في القطاع على خط صفر من الفقر، لأنّ المصنف في مستوى خط الفقر يحصّل دولارين يوميًا، في حين لا يحصّل السوري في غزّة أيّ دولار.
أما بالنسبة إلى «فلسطينيي سوريا» لم تلتزم وكالة (أونروا) بتقديم مساعداتها بشكل منتظم بسبب ضعف التمويل، ولم تقدم الجهات الرسمية ومنظمة التحرير الفلسطينية سوى بعض المساعدات القليلة وغير الدورية، إذ يُقدَّر مجموع ما جرى تقديمه من مساعدات مالية إلى الأسرة الواحدة خلال السنوات الماضية، 300 دولار أمريكي فقط، وذلك حسب ما ذكره تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
على الرغم من وجود رغبة ملحة لدى اللاجئين لمغادرة القطاع، إلا أن هناك عددًا من الأسباب والعوائق التي تجعل حلمهم مستحيلًا، والتي منها:
- لا يمتلك البعض أوراقًا ثبوتية تمكنه من مغادرة القطاع
- لا يمكن لسكان غزة المرور عبر المعابر نحو الأراضي الإسرائيلي إلا بموجب أذونات صعبة، ومنفذ القطاع الوحيد الى الخارج هو عبر معبر رفح الذي ولكنه لا يُفتح بانتظام، فحتى الفلسطينيين أنفسهم يعانون كثيرًا للحصول على إذن للخروج منه، كما يدفعون مبالغ مالية كبيرة لذلك
- يحمل اللاجئون السوريون في القطاع جوازات سفر منتهية الصلاحية، وتجديدها أمر صعب كونه يتطلب مراجعة السفارات السورية، وهو غير متاح في غزة