أمريكا هي قطعا رأس النظم الإستكبارية في الغرب، وتاريخها حافل بكل سوء سلّطته على الدول الضعيفة، ومهما حاول النظام الأمريكي تبييض صفحته، بمختلف أشكال المعونات التي يقدّمها الى الدول، حسب عمالتها ومدى طاعتها، ونظامها الفيدرالي محكوم في حقيقته، من طرف أسر رأسمالية متحكّمة في سياساتها حسب أهوائها، ولا علاقة بعموم الشعب الأمريكي بمخرجات تلك السياسة، فهو بدوره مستهلكٌ وواقع تحت تأثير دعاياتها الكاذبة.
لقد نجحت أمريكا فيما مضى من سياساتها، بقوتها الصناعية وقدارتها المالية والاقتصادية، وهيمنتها العسكرية على قواعد عديدة في أوروبا – ألمانيا تحديدا أين توجد بها عشرات القواعد – وآسيا الشرقية التي تمركزت فيها قواعد باليابانـ في شكل فرض شروط قمعية على امبراطورية اليابان المهزومة في الحرب العالمية الثانية، وآسيا الغربية، التي استقرت على أراضي دولها قواعد تمحورت حول إيران، جعلت منها مصدر تهديد للسلم والأمن العالمي، وما إحاطة أمريكا إيران بعشرات القواعد العسكرية والتجسسية، سوى نموذج معبّر على مدى غطرسة هذا النظام المستكبر، والذي سعى إلى السيطرة على دول وشعوب العالم، وعمل على اخضاعه لسياساته المنحازة، وقد أظهرت هذه السياسات على مدى أكثر من نصف قرن، ما تختزله أمريكا من عنصرية وشرّ ظهر في شكل هيمنة أحادية، عملت فيه على فرض منطقها الاستكباري على غيرها، حتى الدول الغربية الحليفة لها، أخضعتها الى هذه السياسة وفرضت عليها الالتزام بها، وعدم الخروج من دائرة سلطانها.
وحسب اعترافات أمريكية رسمية، أقرّت بالدور الرئيسي الذي قامت به وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في صناعة الانقلابات العسكرية، وتنفيذها بواسطة عملائها من القادة العسكريين في البلدان المستهدفة، فقد (أفرجت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) عن وثائق تعترف رسميا وللمرة الأولى بدورها الرئيسي في الإنقلاب الذي وقع في إيران عام 1953 وأطاح برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا آنذاك (محمد مصدق). . . وأشارت (مادلين أولبرايت) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عام 2000 بصراحة إلى الدور الأمريكي في الانقلاب، كما أشار الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) إلى ذلك الدور في خطاب له في القاهرة عام 2009.) (1)
نموذج الانقلاب العسكري الذي نفّذته المخابرات المركزية الامريكية في إيران سنة 1953 استهدفت فيه حكومة محمد مصدّق الوطنية تكرّر في أكثر من بلد وأطاح بحكومات وطنية كان هدفها الخروج من سيطرة أمريكا وهيمنة بقية دول الغرب، وعلى هذه الأعمال الإجرامية التقت أهداف حلف استعماري، غايته استغلال الدّول الخاضعة تحت سيطرتهم، وتسخيرها لمشيئتهم، ولا يمكن ان يتمّ ذلك من دون وجود أدوات حكم عميلة، مقدّمة مصالح دول الغرب على مصالح شعوبها وبلدانها.
إنّ المتابع لسياسات أمريكا الخارجية، بإمكانه أن يقف على حقيقة أهداف سيطرتها، خصوصا وهي لا تزال تعيش بعقلية الستينات من القرن الماضي، خلال الحرب الباردة، حيث تجلّت في تدخلاتها العسكرية والاستخبارية في شؤون دول عديدة، هدفها تغيير أنظمة حكمها، واخضاعها مجددا الى مشيئتها، وما كوبا وإيران سوى نموذجين للغطرسة الأمريكية، ودليلين واضحين معبّرين على استكبار لم يسبقه إليها نظام غربي استعماري آخر.
من بين مؤامرات أمريكا المعروفة، والتي ما فتئت تقوم بها بواسطة عملائها الخارجيين من ضباط العسكر، الانقلابات العسكرية، وهي أعمال عدوانية وتدخلات سافرة لتغيير نظم الدول المستهدفة وعادة ما تكون ذات سياسات معادية لأمريكا، وما هو معلوم ومنتشر بين دول وشعوب العالم أن أمريكا دبّرت عشرات الإنقلابات العسكرية في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، وما الإنقلاب الحاصل في بوليفيا إلا نموذج سيء منها، ولئن نجحت في أغلبها سابقا، واكتوت بها شعوب عديدة، سقطت في أتون دكتاتورية عسكرية، عاثت في شعوبها فسادا وظلما، واخضعتها تبعية وعمالة لأمريكا، وكانت أكثر البلدان ضررا في هذا المجال بلدان أمريكا اللاتينية، التي تعتبرها أمريكا حديقتها الخلفية التي يجب أن تكون تحت تصرّفها، كبنما، والمكسيك، وكولومبيا، وكوبا، وهايتي، وغواتيمالا، والدومينيكان، وغرينادا، وتشيلي، وفنزويلا (2)
وتأتي المحاولة الانقلابية في بوليفيا كآخر محاولات انقلاب هناك، فتاريخ أمريكا العدواني بحق الشعب البوليفي حافل بمؤامراتها ضدّه، ولولا وعي الشعب البوليفي وخروجه الى شوارع، لتمكن الانقلابيون من اسقاط خياره الديمقراطي، وتكون أمريكا بذلك قد نجحت في التخلّص من نظام معاد لسياساتها، خصوصا بعد أن قطعت بوليفيا علاقاتها مع الكيان الصيهوني، بسبب أعمال الإبادة التي تمارسها قواته العسكرية في قطاع غزة.
وقد كتب الرئيس البوليفي (أرسي) على حسابه الرسمي على موقع X (تويتر سابقًا) قائلاً: نهنئ ونعرب عن خالص امتناننا لمنظماتنا الاجتماعية ولكل الشعب البوليفي، الذي خرج إلى الشوارع وعبر عن نفسه عبر وسائل الإعلام المختلفة، معبرًا عن رفضهم لمحاولة الانقلاب، وأن كل ما يفعله يضر بصورة بوليفيا كدولة ديمقراطية على المستوى الدولي ويخلق حالة من عدم اليقين غير الضروري، في وقت يحتاج فيه البوليفيون إلى العمل لدفع البلاد إلى الأمام. شكرا جزيلا للشعب البوليفي ) (3)
وعن أحد أهم دوافع الانقلاب العسكري، قال رئيس بوليفيا (لويس آرسي) في تعليق لشبكة RT، إن محاولة الانقلاب في بلاده مؤخرا، ربما تكون قد حدثت لأسباب تتعلق بتعدين الليثيوم الموجود بكثرة في البلاد.. والليثيوم هو أحد أهم مكونات البطاريات الصغيرة، التي تمد الكثير من الأجهزة بالطاقة، ويستخدم في صناعة الزجاج والسيراميك وبطاريات جميع أنواع الأجهزة الالكترونية مثل الهواتف المحمولة أو السيارات..(4) من هذه المعلومة الهامة، تنجلي لنا أطماع أمريكا في السيطرة على تشيلي والأرجنتين وبوليفيا، التي تمتلك مخزونا كبيرا من هذا المعدن الهام والثمين، وعلى هذه الدول وشعوبها، أن تكون فطنة للمؤامرات التي تستهدفها من أمريكا وحلفائها الغربيين، وتحافظ على مواردها الباطنية الاستراتيجية من الليثيوم، كنز الصناعات الإلكترونية.
المراجع
1 – وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تعترف رسميا بدورها في انقلاب إيران عام 1953
https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2013/08/130820_cia_documents_iran_coup
2 – من أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط .. انقلابات دموية بدعم امريكي
https://www.aa.com.tr/ar/1649532
3 – فشل انقلاب بوليفيا: كافة التفاصيل والمعلومات عن حيثيات ما جرى
https://www.i24news.tv/ar/
4 – رئيس بوليفيا يكشف لـRT سبب محاولة الانقلاب في بلاده مؤخرا
https://arabic.rt.com/world/1577997