بسم الله الرحمان الرحيم” ويمكرون ويمكن الله والله خير الماكرين “
هل يمكن القول أنّ كل شيء في الحياة السياسية الوطنية والدولية خاضع لنظرية المؤامرة؟
نسمع هذه الأيام حديثا مطوّلا عن المؤامرات، إلى درجة يمكن النظر إلى خطاب السلطة باعتباره قائما على منطق وحيد هو ” المؤامرة”
و ما دفعني إلى الكتابة عن نظرية المؤامرة ومحاولة تفكيك هذه الظاهرة هو البيان الأخير من السلطة الحاكمة الذي يتحدث عن مؤامرة تستهدف تثبيت الصفة العنصرية لنظام الحكم التونسي.
وهنا بدأ لي أننا دخلنا مرحلة مرضية في ترويج نظرية المؤامرة، حيث يعلم الجميع أن الرئيس قيس سعيد وبصورة فردية وضمن مبادرة حرّة منه، هو الذي نشر بيانا وخطابا تشوبه النزعة العنصرية ذات الأفارقة جنوب الصحراء.
لقد أطلق الرئيس النار على قدميه، ثم انطلق في الصراخ واتهام الآخرين.
تحدث في البداية عن مؤامرة تستهدف توطين الأفارقة وإحداث تغيير ديمغرافي في تونس يمسّ الهوية العربية والإسلامية، وتحدث كعادته عن أموال طائلة وعن جهات داخلية وخارجية.
وعندما اثارت هذه التصريحات العنصرية ردة فعل قوية محليا ودوليا، فإنه بدل الاعتراف بأنه المسؤول الأول والأخير عن الكارثة فإذا به يهرب إلى الأمام ويصدر بيانا آخر يزيد فيه من الهروب إلى الأمام ويتحدث عن مؤامرة جديدة، و هكذا يبدو حسب الرئيس قيس سعيّد ورفاقه في الحكم أن العالم كله يقضي الليل والنهار في غرف مغلقة يتآمر على تونس.
#محاولة_للفهم
يمكننا علميا أن نستعمل مفهوم الحرب الناعمة والتخطيط الاستراتيجي للدول الكبرى، وللقوى الإقليمية، تعديلا لكلمة المؤامرة، حيث يسهل علينا أن نلحظ وجود مخططات عسكرية وثقافية واقتصادية وفنية، تعمل كلها لأجل تحقيق أهداف محددة وضعتها الدول ذات السيادة.
ويسهل علينا ضمن هذا التحليل التأكيد على أن كل شيء يمكن أن تكون له قيمة كبيرة ضمن مخطط معين والعكس صحيح، وكل شيء يقبل أن ينتقل من كونه فرصة ليصبح تهديدا وخطرا، كما يمكن تحويل التهديد إلى فرصة.
ويشهد العالم منذ عقود صعود حرب الاستخبارات والاستعلامات، فهي المسؤول الأول عن حماية الأمن القومي للدول والمسؤول عن إدارة الحرب الناعمة واعتراض برامج الأعداء والخصوم والمنافسين.
ويمكن أن نختصر حرب المعلومات والاستخبارات ضمن جملة ” عندك معلومة إضافية، عند قرار، تفتقد المعلومة فأنت بمثابة الأعمى ”
والمتابع لحروب المخابرات الأمريكية والصهيونية والبريطانية ضد الشعوب المستضعفة، يدرك حجم التلاعب بالأوطان والحكومات،
فكل متابع يعلم يقينا أن جميع الدول السيادية لها أجهزتها الأمنية المختصة والمتعددة والممتدة وصاحبة النفوذ والميزانيات الضخمة، و التي تتحمل مسؤولية الدفاع عن الوطن وتخوض الصراع ضد التهديدات دفاعا وهجوما، ، و قد كانت تونس مسرحا لعمليات قام بها جهاز الاستخبارات الخارجي لكيان العدو الصهي_وني، الموساد، وذلك في عديد المرات، آخرها 16ديسمبر 2016 عندما تمت عملية اغتيال الشهيد القائد محمد ال_زوا_ري.
#العلم_والشعبوية
تدخل الشعبوية على خط هذه الظاهرة العامة والشاملة في الحياة السياسية الدولية، لتقوم بتزييف الحقائق وتضخيم مؤامرات واقعية لتصبح ذات صبغة وهمية وتكون بمثابة المادة الإعلانية الأساسية لتحشيد الأنصار وتصعيد المخاوف واتساع الحالة العاطفية في قلوب ملايين المستضعفين من الحالمين بوطن سيادي مستهدف وم_قاوم.
ويمكن تعريف الشعبوية : كأيديولوجية، أو فلسفة سياسية، أو نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم اسلوب دغدغة عواطف الجماهير بالحجاج الجماهيري لتحييد القوى المضادة أو المعارضة، لكسب تأييد الناس والمجتمعات لما ينفذه المسؤولون أو يعلنونه من السياسات، وللحفاظ على نسبة جماهيرية معينة تعطيهم مصداقية وشرعية.
وعكس الشعبوية هو تقديم المعلومات، الأرقام والبيانات بمخاطبة عقل الناخب لا عواطفه.
ومن أكبر النتائج الكارثية للشعبوية هو قدرتها على اقناع عدد كبير من الشعب وغالبا ما يشكلون الأكثرية للقبول بالسلطة المطلقة للفرد أو لمجموعة من الزعماء.
وعندما نعود إلى المؤامرة الأخيرة ( وجود مجموعة تخطط لتوظيف قضية المهاجرين لأجل الإساءة إلى صورة تونس )، نفهم كيف تحوّل منطق المؤامرة إلى حبل نجاة عند السلطة ينقذها من الاعتراف بأنها ارتكبت حماقة سياسية واتصالية.
فالعلم يقتضي دراسة أيّ مشكلة او ظاهرة، ومعرفة حدود التهديد وحدود الفرصة في الظاهرة، ويتم العمل السياسي والأمني بأقصى الحذر والذكاء كمن يحاول نزع الألغام، وبعيدا عن الضجيج الإعلامي.
والعلوم الأمنية المعقدة هي المسؤولة عن كشف طبيعة الظاهرة ، مدى عفويتها؟مدى خضوعها لبرامج من الأعداء ؟ أو برامج من الخصوم أو برامج من المنافسين؟
والاستخبارات الداخلية والخارجية هي التي تكشف حجم الفرصة وحجم التهديد فيتم التعامل بالخطة الضرورية والناجعة .
اما الشعبوية فهي تدخل على ظاهرة مختلطة بين الإيجاب والسلب، تحتوي تهديدا وفرصة، فإذا بها تحرق الأخضر واليابس، و تصنع مشاكل جديدة كانت الدولة في غنى عنها.
والشعبوية تقود إلى الخسائر لأنها تتعامل مع الأحداث والقضايا بمنطق انتهازي براجماتي.
و سنخصص مقالا مطوّلا لنماذج الشعبوية التي تستعمل منطق المؤامرة في فهم جميع الظواهر المحلية والإقليمية والدولية، وتستعمل منطق المؤامرة في صناعة الأنصار وترغيبهم في التعاون .