لا يختلف إثنان في تقدير هذه الأحداث وهذه الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد التونسية اليوم، ليست من محض الصدفة ولكنها كانت نتيجة تراكمات من الاحباطات والفشل الذّريع في تسيير دواليب الدولة والفشل في إدارة الأزمات التي مرت بها البلاد طيلة العشريّة السّوداء ، لتكشف عن حصيلة أخرى لفشل حركة النهضة الإخوانية و شركائها وسياساتها في البلاد و في إدارة الدولة التونسية ومحاولتهم جر البلاد في صراعات جانبية و الركوب على أحداثها و خلق الأزمات و الإستثمار في إدارتها.. كانت الإنتفاضة الشعبيّة خلاصة سنوات من شعور الكثير من المهمشين داخل البلاد بالذلّ و الإحتقار بل و انعدام العدالة الاجتماعية و انتشار الفساد و سقوط بعض القضاء في ممارسات أضاعت حقوقا اغتصبتها قلة حاكمة بإسم قاعدة “حوت يأكل حوت و قليل الجهد يموت”، لقد سممت ثعابين السياسة مسيرة و أحلام كل الذين حلموا يوماً بأن غدهم سيكون أفضل، لقد سمّموا بلداً بأكمله و لدغوا شعباً عظيماً طيلة العشرية السابقة، مع ذلك نحن نؤمن أن الشعوب لا تموت، قد تتعب أو تمرض لكنها لا تموت..
من المفارقات المخجلة أن نرى وقاحة أولئك الذين من يصنّفون أنفسهم بالديمقراطيين أحزابا وشخصيات ،و بعض القوى الديمقراطية من أحزاب الصفر فاصل يدافعون عن منظومة فاشلة بإسم الديمقراطية المزيّفة والشعبوية ، بمثابة إحياء العظام وهي رميم وإعادة منظومة الحكم الفاشلة و إقتسام السلطة والغنيمة ، لا يمكن أن يخدم مصلحة تونس وهو فقط يمنح جرعة جديدة من الأكسجين لحركة الإخوان التي لفظها الشارع مُطالباً برحيلها و رحيل منظومة الفساد برُمّتها .. إنّ تصدّر أحزاب ليس لها اي وزن في الشارع التونسي ولا تمثيلية برلمانية، وشخصيات بلا أي رصيد نضالي هدفه فقط الضغط على الرئيس قيس سعيّد و لإستعطاف القوى الدولية ،فالأخوان الذين فشلوا في الحكم وخرجوا منه في مصر والجزائر والمغرب وحتى من ليبيا، و فشلوا في الحكم في تونس طيلة السنوات العشر الماضية ، اليوم يستمر دعمهم من القوى الديمقراطية التي كانت أولى ضحايا من إستبداد الإسلام السياسي.. فحصيلة النهضة في الحكم كانت كارثية في كل المجالات لكنها اليوم تروّج لخطاب الديمقراطية التي لم تحترمها في نشوة السلطة وفي وتجويع التونسيين والتعامل مع الدولة كغنيمة ومع ذلك تجد من يدافع عنها من قوى تدّعي الديمقراطية.. لا يخفى على عاقل بأنّ حركة النهضة وشركاءها المسؤولة الأولى عن تردى الوضع الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي خلال كامل السنوات العشر الماضية وما ترتب عنه من ازمة تعيشها تونس اليوم ومن نتائج وتداعيات ألقت بظلالها على كامل المشهد السياسي والوضع المالي والإجتماعي للبلاد.. بالتعاون مع معاويلها من رجال أعمال فاسدين يعملون على تشديد الخناق على الشعب ، وقد تورط تنظيم النهضة في تعطيل مصالح المواطنين في المؤسسات العمومية والخاصة ومحاولة الترفيع في الأسعار والمضاربة وبث إشاعات ونشر مغالطات في الإعلام لإرباك الوضع ومن أجل كسب تعاطف الشارع مع حركة النهضة والتي تسعى للعودة من جديد لحكم البلاد بالحديد والنار ، بعد أن فشلت في تحشيد الشارع استخدمت سياسة التجويع و التنكيل بالشّعب بعد أن عجزت عن كسر الإرادة الشعبية المطالبة بتغيير المنظومة السياسية الفاشلة والمفلسة برمّتها..
تعيش تونس اليوم حالة فريدة من كوكتيل عجيب من التناقضات ما بين طبقة سياسية فاسدة متآمرة مع أعداء شعبها سرقت أموال الشّعب واستعملتها لأغراض سياسية و إنتخابية ، وبين فئة أخرى مقاومة مجاهدة سطرت أعظم انتصارات في تاريخ تونس بإنهاء حكم الإخوان و دستورهم و برلمانهم و حكومتهم العاجزة في الخامس و العشرين من جويلية 2021..، قبلت الفئة الفاسدة أن تتآمر مع الأعداء في الخارج و الداخل لتجويع الشعب بأكمله لتركيعه ، لكن تونس و شعبها العظيم لن يركعا وستنقلب الدائرة على الفاسدين عاجلاً أم آجلاً .. و بالتالي نحن اليوم أمام عمليّة تجويع ممنهجة واستثمار في تجويع الشّعب للسيطرة عليه..لم تستوعب طغمة الفساد حتى الآن؛ الرسالة المدويّة الواضحة التي تقضي بأن يندثر النظام السياسي القديم ويُكنس بإرادة شعبية و فضح و محاسبة الفاسدين و المتمعّشين من نظام فاسد ، لأنّ هؤلاء يرفضون الديمقراطية التي فُرضت عليهم فرضا، فهُم لم يعرفوا العدل واحترام القانون والشفافية في تسيير الدولة، عشر سنوات تُدار الدولة بمنطق الغنيمة والولاءات والمصالح والانتهازية، والتموقع ضمن معسكر الفساد السياسي والمالي والإعلامي، ومناصرة دولة الفئات المتنفذة والإقطاعية السياسية، وواجهاتها الإعلامية التي تلهث وراء الارتزاق والتكسب.. تونس تتحرر من جديد بوجود الأحرار والصادقين من أبناء هذا الوطن العزيز، صفحة مشرقة في تاريخ البلاد، يفتخر بها كل من دعم المشروع الوطني الديمقراطي التحرري، وآمن بسلطة القيم و العدالة الاجتماعية ، ومشروعية الأخلاق الإنسانية في دولة القانون و إرساء ديمقراطية حقيقية.. كل الظروف الآن مهيأة لدعم المسار التصحيحي و لا يمكن لأحد الدفاع عن فكرة الرجوع إلى الوراء و إغتصاب إرادة الشّعب..
الفساد في تونس طيلة العشريّة السّوداء هو أحد أضلاع مثلث الدمار ، الذي كان السبب الرئيسي فى نهب ثروات البلاد وتفكيك الدولة، و لابدّ من فرض القانون و تفكيك هذا المثلّث، الذي يشكل “الإرهاب والتّهريب” ضلعيه الآخرين، و على الحكومة و أجهزتها إطلاق عملية إنقاذ اقتصادي تُنهى سياسة المنظومة المنهارة، بإتجاه خطة إنقاذ البلاد من منظومة التدمير الممنهج ، و السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة التي لم تكن سوى واجهة لحكم بارونات المافيا بقيادة حركة النهضة وحلفائها.. الإصلاح العميق هو أول شروط النجاح.. و تصحيح المسار في تونس لن ينجح دون محاسبة الفاسدين و تنقية الحياة السياسية و القيام بإصلاحات سياسية عميقة و إصلاحات عاجلة اقتصادية وتنموية واجتماعية، تضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وعليه، نرى أن الأهم من الإصلاحات السياسية المرتقبة، أو تغيير نظام الحكم، الذي بات ضروريًا، هو أن تعمل الحكومة، بشكل جاد وسريع، على إيجاد حلول عاجلة لإنعاش الاقتصاد المتعثر ومكافحة الفساد، ومراجعة الاتفاقيات التجارية تأسيسًا على حزمة القرارات الاقتصادية، التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد ، لضبط الأسواق والتصدي للفاسدين و المحتكرين و المتستّرين على المفسدين و التصدي لسياسة التجويع الممنهجة و التنكيل بالشّعب فهي لا تعبر إلاّ عن الإنحطاط الأخلاقي والسياسي الذي وصلت إليه لوبيات الفساد و من يقف خلفهم.. لابدّ من وضع حدّ لعبث المافيا ووضع حدّ لسياسات تجويع الشعب التونسي ومحاسبة كلّ من تورّط في التنكيل بالتونسيين ونهب مقدراتهم وتدمير اقتصادهم وبيع قرارهم الوطني.. طيلة السنوات العشر الماضية منظومة حكم اللصوص نهبت خيرات البلاد وثرواته دون رادع ، و تُملي علينا سياسات سدّ عجز المديونية التي نهبوها أصلاً جراء سياسات الفساد والسياسات الحمقاء ، قلة تسرق المال وأغلبية مطالبة بتسديده .. فأي وطن هذا !!!..
اليوم لا بدّ من الحسم و المحاسبة، لا بدّ من فتح كل الملفات، لا بدّ من الضرب بيد من حديد على يد القتلة و المجرمين و اللصوص و المضاربين و المتلاعبين بقوت الشعب، لا بدّ من الحزم لإيقاف نزيف الاقتصاد و إعادة عجلته للدوران، لا بدّ بالخروج بسفينة الوطن إلى برّ الأمان، انتهت اللعبة و انكشف الخداع و الخيانة و ما على الشعب إلاّ أن يقف في وجه القتلة و الفاسدين و العملاء و اللصوص و استرجاع مكتسبات الوطن ممن نهبوها طيلة أكثر من عشرة سنوات.. هؤلاء الفاسدين و ناهبي المال العام و بائعي الوطن لا يمكن أن يكونوا منّا أو نكون منهم ، لابدّ من تعديل أو تغيير دستورهم الملغّم لمصلحة تخدم تونس و الشعب و معالجة مخلفات الدمار الذي أصاب الاقتصاد ، اليوم لابدّ من الإصطفاف خلف الرئيس والدولة بقوة و مساعدة الوطن على النهوض من كبواته ، اليوم يجب أن تتم المحاسبة و محاربة الفساد بكل قوة و دون تراجع و لذلك لابدّ من تطهير البلاد و تطهير القضاء و على مؤسسات القضاء العمل بجدّ لفتح كل الملفات و محاسبة كل من أجرم في حق تونس و شعبها..إنّنا ندرك اليوم حجم المسؤولية الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية ، وقد دخلنا معركة لا مجال فيها للتراجع أو التخاذل.. إنّها معركة إستعادة سيادة تونس و شعبها و شرف لنا مجرّد خوضها..
عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم