طفح الكاس في لبنان واشتعل لهيب ازمة جديدة قد تؤدي كما قال وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل اما الى انهيار كبير في البلد او الانقاذ الجرئ , وماطرحه الرئيس سعد الحريري بخصوص الازمة وضرورة ان يشارك الشركاء والفرقاء في ايجاد الحلول لها خلال ثلاثة ايام هو تهديد جدي للقوى التي قال انها تعرقل الاصلاح وتحول برعايتها لاعمال الفساد والتهريب والتمويلات المشبوهة دون اتاحة الفرصة للحصول على مصادر دعم حقيقي يحتاجه لبنان بشدة .
فاللبنانيون متعبون من ضنك المعيشة , مثقلون بالضرائب , ومحكومون بطبقة وصلت بها الخلافات الى الاختلاف على شركات جمع ومعالجة النفايات وهي ازمة مستمرة منذ سنوات , وبلغة الارقام فان 30بالمائة من اللبنانيين يعيشون حالياً دون خط الفقر، وذلك حسب ما كشفت آخر دراسات البنك الدولي عن لبنان، كما ذكر التقرير أن نسبة البطالة وصلت إلى 30 في المئة من عدد السكان في لبنان، و36 في المئة لدى الشباب فقط. وان هناك مليون لبناني يعيشون على اربعة دولارات فقط .
اذن يمكن القول ان القدرة الشرائية للمواطن اللبناني باتت تتاكل والضرائب مجحفة وهي تطال شرائح ذات دخل قليل في ظل ركود اقتصادي فاحش مما يضع على الطبقة السياسية مسؤوليات جسام لمعالجة الخلل.
التظاهرات يمكن القول انها عفوية وعابرة للطائفية وعكَست وحدة وطنيّة غير مسبوقة، ولم يرفع المُشاركون فيها إلا علم لبنان فقط، ممّا يُؤكّد أنّهم مُتقدّمون على نُخبهم السياسيّة الحاكِمة والفاسِدة، مُضافًا إلى ذلك سلميّتها وحضاريّتها حيث شارك فيها الجميع من سنة وشيعة ومسيحيين دون استثناء كما ساهمت في تصحيح العلاقة بين مختلف الطوائف لانهم شعروا بان مايجري انما يستهدف الجميع ,لذلك اتجهت الانظار والشعارات والتحركات باتجاه مواقع الخلل واصل الوجع اللبناني دون اية انقسامات او خلافات .
ولكن هذه العفوية لايمكن الركون اليها رغم اهميتها في تحريك المياه الاسنة في البلد لان هناك بلاشك جماعات داخلية واقليمية يهمها توظيف هذه المعطيات وحرف مساراتها مما يتطلب وجود ضمانة داخلية قادرة على وضع هذه المطالب قيد التنفيذ مقابل قطع الطريق على الجهات المخادعة او الانتهازية التي تحاول ركوب الموجة خدمة لاغراضها المشؤومة .
انتفاضة الضرائب او ثورة الواتساب هزت حكومة الرئيس سعد الحريري التي لايملك فيها اغلبية وكادت ان تطيح بها خلال الساعات الماضية لولا اتضاح الصورة لدى بعض الاطراف التي استشعرت وجود مخالب لطرف اقليمي اراد اللعب بالورقة اللبنانية بعد فشله في اعطاب الورقة العراقية قبل عدة ايام .
ان اية قراءة للوضع اللبناني لابد ان تقرأ اولا جهات الاستقطاب الداخلية ونوعية ردود الافعال ومايمكن ان تعكسه من مضامين ومن مسارات كاشفة لحقيقة الاوضاع ومستورها , حيث ان تحركات جهات محسوبة على النظام اللبناني من امثال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كافية لرصد بوصلة الوضع اللبناني ومايخبأه , لان جنبلاط واثر الاحداث طالب الحريري بالاستقالة وشاركه في الراي جعجع وهو نفس الثنائي الذي اعترض سابقا على الموقف العوني وحزب الله في عدم قبول طلب الرئيس الحريري الذي كان محتجزا في السعودية بالاستقالة حيث اشترطا ان تسلم الاستقالة باليد وبالحضور الشخصي للحريري مما اثار استياءا لدى الثنائي الذي وافق ان تكون الاستقالة حتى ولو برسالة لايعرف مدى مصداقيتها .
الحريري وخلال كلمته الاخيرة كان في قمة الاستياء من الجماعات المقربة منه في الحكومة , فهو يدرك بان المخلب السعودي يحاول التضييق عليه بعد احتجازه هناك ومحاولة فرض الاستقالة عليه كما ان المملكة وجهت له ضربة مالية قاسية عندما دفعت شركته سعودي اوجيه الى الافلاس واثقالها بمستحقات للعاملين والشركاء فيها .
كما يدرك عبر الاحداث الاخيرة بان القضية وصلت الى كسر العظم معهم بعد ان حاول احتواء كل تحركاتهم ضده والتلويح بالبدلاء , من هنا كان تهديده واضحا من جهة فيما ان تصريحات جبران باسيل ايضا واضحة حيث ان الحريري وعون باتا اليوم امام الحائط المسدود وان المطلوب هو الانقاذ الجرئ لوضع الرجلين اللذين باتا عالقين بانقاذ لبنان من هذا الواقع المرير لان عون هو غير مرغوب به سعوديا وغير مقبول امريكيا فيما ان فرنسا ليست مغرمة به مما يضعه ايضا امام خط التماس مع المخلب السعودي الممتد وبعدوانية نحو لبنان .
اذن لبنان ومع وجود حزب الله كضامن للوضع اللبناني لايخشى عليه من الانهيار ولايخشى عليه من الرهان السعودي او الامريكي بل يجب تكريس كل الجهود لتفعيل مطلبية الانقاذ الجرئ .