القانون ليس عصيّاً على المغالطة ما دام أنّه تواضعي والقيّمون على تحقيقه لهم مصالح تقتضي مناحي عديدة من التأويل.. القانون في حدّ ذاته جامد ولكنه يتعرض لعملية التنزيل ويخضع لتآويل شتّى تساهم المساطير والمرافعات والمحاكم والقضاء في تجاوز كل الثغرات والتآويل والمغالطات التي تخضع لها عملية تدبير القوانين.. نحن داخل «الآغورا» كما في أثينا..النقاش العمومي..هناك ظهرت السفسطة.. وهي منهج يوجد حيث يوجد الحجاج.. حظّ كل حجاج من المغالطة كبير.. والحِجاج القانوني يمنحنا صورة كاملة عن أنّه ما دام يخضع للأقوال والتآويل عن كيفية التنزيل فإنّنا نكون أمام المغالطات التي تحيط بعملية فهم وتأويل وتدبير القوانين..
تعاقد طالب سفسطة مع أستاذ من أتباع بروتاغوراس على أن يعلمه فنون السفسطة مقابل أجر محدد.. وحين انتهت مرحلة التكوين طالب الأستاذ تلميذه بتسديد الأجر.. فقال التلميذ: ليس هناك أي أجر لك في ذمتي.. ثم قال للأستاذ سنناقش مدى استحقاقك لهذا الأجر.. فإن أقنعتك بأنك لا تستحقه انتهى الكلام، وإن لم يقنعك بأنك لا تستحقه، فأنت لا تستحقه لأنك لم تعلمني كيف أقنعك بأنك لا تستحقه.. فانظر كيف قضمت السفسطة حقا وكيف انتهكت عقداً قانونياً؟
وأما التأويل فقد أحاط بكل شيء وليس للقانون في ذلك بدع.. انظر تجد في مسرح المرافعات حجاجاً تتجلّى فيه سائر المغالطات.. وما على القاضي إن كان يتحرى القوانين إلا أن ينتبه بدقة لكل عمليات السفسطة والقفز بين قانون وآخر.. بين مهم وأهم.. تارة توسلاّ بالالتباس والغموض في المفاهيم وفي المدونات القانونية، وتارة يقحم الحقيقة اللغوية في دائرة الحقيقة القانونية فيختلط الإنشاء بالصناعة القانونية.. وهناك مظالم كثيرة تحدث في هذا الحجاج.. فليس كلّ حديث بلغة القانون قانونياً بل في الحجاج القانوني تظهر مغالطات كثيرة.. فالمرافع تراه يدافع عن موكله بأساليب المغالطة أحياناً، وذلك بتسجيل اعتراضات في غير محلها تطبيقاً لمغالطة الترتيب، وفيها يتم التشويش على أدلة الخصم وأحياناً يدعو إلى التمطيط لأنّ الحق يكمن ساعتئذ في الاختصار.. وعندما يستند إلى الاختصار فإن الحقيقة تكمن حينئذ في التوسع في البرهان.. وتستطيع من خلال تفكيك الأقاويل القانونية وبنية الحجاج القانوني أن تقف على كلّ صنوف المغالطة.. وكما في المأثور، فقد يكون أحد أطراف النزاع يلحن في القول وآخر قد يكون ضحية جهله بأساليب الحجاج والمغالطة..
وانظر ستجد الأمر ذاته في النقاش القانوني بشأن قضايا تخصّ الإنسانية مثل الإرهاب الذي ما زال يخضع للمغالطة لأنّ السياسة حاكمة على القانون، بل لا يتحقق القانون إلا بوجود إرادة سياسية.. إنّ السياسة ملأت المجال واخترقت كل شيء.. كل شيء بات مديناً للسياسة حتى القوانين..هناك مغالطات تقوض وتعرقل التنزيل المنطقي للقوانين.. وهذا لا يمنع أنّ المغالطة هي الأخرى تستند إلى قواعد وقوانين خفية في الحجاج: الحجاج بكونه يتسع للبرهان والجدل معاً.. فلا نحمي القانون من المغالطة حتى نقبض على قانون المغالطة نفسها.
*كاتب من المغرب