إن فئة المنافقين في جل المجتمعات اليوم ظاهرة ليست وليدة اللحظة إنما هي قديمة قدم تاريخ المجتمعات ولها ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وشاهدت الكثير ممن ينطبق عليهم ذلك الوصف وهو وصف أطلقه القرآن على فئة أسماها القرآن (المنافقون ) وتحدث القرآن كثيرا عن هذا الصنف من البشر وصفاتهم ومواصفاتهم وتركيبتهم النفسية، واختزال صفات أولئك القوم بحديث آية المنافق ثلاث : “إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان “. و في رواية ثانية أضاف صفة رابعة ” وإذا خاصم فجر”.
ولست أنكر هذا الحديث ولا أنكر ما ورد فيه من صفات، ولكنني أستغرب أن يحظى مثل هذا الحديث بهذه الشهرة مما جعلني أستعين بالمراجع الدينية لمعرفة كم من مساحة خصصها القرآن الكريم خاصة سورة “المنافقون”لهؤلاء، ولا أخفيكم علما أنني أستعين بقوقل في البحث عن النفاق فوجدت صيدا كثيرا عن النفاق والمنافقين وردت في سبعة عشر سورة مدنية من جملة ثلاثين سورة، واستغرق ذلك قرابة ثلاثمائة وأربعين آية حتى قال ابن القيم :”كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم “.
المنافقون اليوم أكثر عددا وأعظم خطرا وشرا من المنافقين الماضين، أولائك الذين كانوا يسرون نفاقهم واخوانهم اليوم يعلنونه وهم الأكثر خطرا في الشريحة الاجتماعية لأنهم من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ويرفعون شعاراتنا، ويتظاهرون بإسلامنا وينتمون إلى جماعاتنا وفرقنا، ومع ذلك لا يفترون ولا ييأسون من الكيد لنا، ويتعاونون مع أعدائنا.
في مجتمعنا اليوم، نجد هذه الفئة في العائلة حيث يظهرون لك الود والمحبة ولكن أقوالهم وأفعالهم بدون علم منك تبين عكس ذلك ، أيضا نجد هذا الصنف بين الجيران حيث أن الكثيرين من أجل تحقيق أغراضهم الشخصية نجد الجارة الملتصقة دائما عند جارتها تساعدها كنوع من النفاق من أجل مصلحة معينة و تمدحها ثم تطلب منها سلفة مادية ويختفي وجهها ان نالت غرضها. وما أكثر هذه المواقف بين الجيران . كما نجد الصديق المنافق الذي يختار الصديق الغني وهو نفسه الذي يخفي ما بداخله لصديقه فيتمني له كل الشر ويظهر العكس وهو شخص له وجهان ، وجه يظهره لصديقه ووجه آخر حقيقي يخفيه وراء إبتسامة خادعة وحب وهمي ،. بين ذلك سبحانه وتعالى فى أكثر من آيه قرآنية منها بِسْم الله الرحمان الرحيم “إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ” ولعل هذا حكم واضح أصدره عز وجل عن الشخص المنافق لكي يوضح مدى سوء هذه الصفة. نجد المنافقين فى العمل وهم الأشخاص الأكثر التصاقا بالمدير والرؤساء فى العمل وأكثر مدحا من قبل المدير الظالم أو غير العادل اداريا وتجده شخصا مميزا في التعامل من قبل رؤسائه.
وقد حذّر الله ورسوله المؤمنين من خطرهم، ونبهوا من ضررهم وأمروا بأخذ الحذر والحيطة منهم ويدل على ذلك ما يأتي :
-خوف الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته من أئمتهم : فعن عمران بن الحصين رضي الله عنه يرفعه عن الرسول صلى الله عليه وسلم :”إن أخوف ما أخاف عليكم بعدى كل منافق عليم اللسان”. وقال المناوي رحمه الله معلقا على هذا الحديث كل منافق عليم اللسان أي عالم العلم ، منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب والعمل ، فاسد العقيدة مغر للناس بشقاشقه وتفحصه وتقعره في الكلام .
-خوف السلف الصالح على أنفسهم من النفاق فقد قال عمر لحذيفة -أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين رضي الله عنهما :” ناشدتك بالله هل سماني رسول الله صلى الله فيهم ؟ فقال لا ، ولا أزكي بعدك أحدا .
و يقول أدهم الشرقاوي في كتابه أحاديث المساء ما يلي وأقتبس. : “في عالم الحيوان لا مبادئ ولا قيم الكل يحارب من أجل البقاء مدفوعا بغريزته . أما الناس المتلونون فلا نعرف لماذا يتلونون، ولا نفهم كيف يحترم أحدهم نفسه، وكيف يضع أحدهم رأسه على وسادته وينام آخر الليل. لا أنت تعرف لونه ولا هو يعرفه ….حرباء كبيرة بلا مبادئ ولا قيم”.
والتلون هو مصطلح مخفف للنفاق، فالكافر الصريح أخف عذابا عند الله من المنافق . لهذا كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار فالحر لا ينافق . لهذا كان العرب الحقيقيون أصحاب مبادئ، حتي الكفار منهم ، كان أحدهم إذا كفر أشهر كفره فيعرفه الناس ، وإذا آمن أشهر إيمانه فيعرفه الناس أيضا ، لهذا لم يكن في قريش إلا مؤمنا أو كافرا . كافر لا يخشى أن يصرح بكفره ومؤمن لا يترك إيمانه ولو سلخوا جلده من لحمه.
ونلاحظ في زمننا الراهن ، أن في مجتمعاتنا أشخاص لهم وجوه متعددة، بغض النظر عن مستواهم العلمي والثقافي . فيخلع الواحد منهم وجهه ليستبدله بوجه آخر كما يستبدل ثيابه ، حسب المناسبة وحسب مكانة المسؤول صاحب المنح والحجب حتى أن جرأة هؤلاء المنافقين وصلت لحد أنهم ( يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ) علنا (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) هذا ما جاء في الآيات القرآنية ويتساءل السائل عن جرأة المنافقين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فما بالك بعد موته ؟
لذا فإن النفاق يضم فئة كبيرة قسمت المؤمنين إلى شقين، وقد وجدت فئة سماعون له ويتعاملون به وجب تجنبهم وأخذ الحذر منهم لأنهم وكما سبق وذكرنا أخطر من العدو الذي يعلن حربه مباشرة لقوله تعالى ذكره في الآية 154 من سورة آل عمران “يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ” يعني يحسبهم الانسان محدود الذكاء والفطنة صديقا ولكن مع الوقت يكتشف عكس ذلك .