الجمعة , 22 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الناخب الجَيًد والمُترشح الجِدًي ؟ بقلم حازم العواضى

تأبى الأقدار إلاً أن تضعنا أمام نفس المشهدية ونحن نتهيـأ لثالث تجربة إنتخابية، وكأنها تتحدانا لتقول كم ينبغي لكم من وقت وسنين كي يساهم الإنتخاب في تغيير مصيركم نحو الأفضل.  الأفضل كلمة لم تعد مفهومة في ضل المتاهة السياسية التي تعيشها تونس، نعم الكل يريد “الأفضل“لكن في أيً شارع نجده ومن أيً دكان نشتريه وفي عيون من نقرأُه…لا جواب.

الإنشقاقات ضربت كل الأحزاب الفاعلة، و”ماركاتو” سياسي لمن يدفع أكثر، كل الشعارات متشابهة، الحميًة الوطنية تفتر زمنا وتستعر زمن الإنتخابات، الفقير والمستضعف والمحروم والمسكين والجوعان والعاطل عن العمل. ..كلهم بضاعة غالية الثمن هذه الأيام، أيام الزينة، الكل جمع دموع السنوات ليضيء بها عينيه أمام هؤلاء، وليمسح آثار ما وعد به ولم ينجزه ذات يوم مشابه.

هنا نسأل عن الذاكرة وعن جدوى التجارب وتراكمها..

الديمقراطية هذه الكلمة السحرية، تعد من أرقى ما توصل إليه العقل البشري، فلسفتها ترابط بين الشعب ومنظومة حكمه، تعيشها نسبيا بعض شعوب، وتتوق إليها شعوب أخرى، وهناك من بدؤوا خوض التجربة، وتعد الإنتخابات أحد أهم أجزائها وأدواتها، وفي تونس اليوم أصبحت الإنتخابات مكسبا سياسيًا أتت به أحداث ذات ديسمبر من سنة 2010.

هذا المكسب يدخل شيئا فشيئا في الذهنية السياسية للمواطن التونسي وهو غير قابل للفقدان، في المقابل يجب أن لا ينحصر مفهوم الديمقراطية في العمليًة الإنتخابية فقط، بل يجب أن نمر إلى أفقها الرحب ونرسخ كل قيمها ومحركات الوعي فيها ليكون المواطن هو صاحب القرار وإختيار المصير.

ولأننا سنخوض تجربة إنتخابيًة جديدة سيكون للمواطن التونسي صوتا في إختيار نواب الشعب ورئيس دولته، وكي نضمن نجاح هذه العمليًة في إفراز مشهد سياسي يليق بشعب تونس العظيم نحن أمام تساؤلات من شأنها أن توضح الطريق أمام الناخب كي يدفع بالمترشح إلى حيث يريد الشعب لا العكس، بمعنى أن يتبنى المترشح مطالب الشعب وعلى أساسه تكون البرامج.

من أنتخب ؟ ماهي معايير الإختيار؟ وماهي الأولويات التي يجب على الناخب أن يأخذها بعين الإعتبار؟

للإجابة على هذه التساؤلات هناك مفاهيم يجب أن نتفق عليها قبل الخوض في أي شيء وعلى المواطن أن يحسم أمره فيها. .. ولأنها تمثل القاعدة التي تتحدد إنطلاقا منها المسؤوليات والعلاقات بين الحاكم والمحكوم والمواطن والدولة. على قاعدة الحاكم من جنس المحكوم وكيفما تكونوا يولى عليكم.

هل انت تونسي؟، وتونس تمثل كيانك وصيغتك وصبغتك ،هل تهب لنُصرتها والذود عنها كما تهب للدفاع عن وجودك وأسرتك ورزقك ؟  هل يرتبط شرفك بشرفها ؟  وتاريخها بتاريخك؟  وحاضرها ومستقبلها بحاضرك ومستقبلك؟  هل تشعر أنك موجود هنا منذ زمن بعيد، بعمر أجدادك وأجداد أجدادك، وأنه عمرك الحقيقي وما كتب على بطاقتك المدنية هو عُمر دورك ومشاركتك، إن كانت الإجابات بنعم، فأنت أهل لوطنك ووطنك أهل لك.

هل أنت مواطن تمشي على أرضك عزيزا سيدا محترما، أم أنك تابع يأخذ بناصيتك الاستغلال الدنيء، هل تستطيع ان تقول`­­­­` نعم“ إذا حُوفظ على كرامتك، وأن تقول لا إذا إستباحوها ومروءتك،هل تقدر على تقويم إعوجاج  في محيطك، أو توقف بغيًا في شعبك، هل تستطيع أن تُساهم برأي وتستمع لموقف ورأي آخر…، هل تعي أنك لم تُخلق لتأكل وتشرب وتنام، إنما خُلقت للفهم والتدبر والإنسجام، إن كنته، فأنت مواطن حر، فقل كلمتك الحقة وتحد بها كل الصعاب، وإن لم تكنه، فأنت شيء آخر فاقد لذات قابل للإملاءات.

على ضوء هذه المفاهيم نحدد خياراتنا ونذهب مع من يتبناها قولا وفعلا، لذلك وجب على المواطن أن يكون ملما بوضعية بلده، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يبحث عنها في المقالات والتقارير والكتب والمواقف وفي الساحات النشطة في مجتمعه الصغير والكبير ويستأنس في ذلك بالجمعيات المدنية والمنظمات الوطنية التي تتابع الشأن العام على أوجهه الثلاث ثم نتفحص برامج الأحزاب والمترشحين ونستمع لخطاباتهم وهذا الفحص يقيم على قاعدة أولويات السيادة الوطنية التي تتخلص من كل الضغوط الخارجية وتذهب في إتجاه بناء دولة بقوة ذاتية تستثمر فيها كل مقدرات الدولة وخيراتها والابتعاد على الإرتهان لقروض المنظمات المالية والبنوك الدولية التي تأتينا دائما ملفقة باملاءات تسلب إرادتنا.

تقول الحكمة انه من الجنون أن تعيد نفس التجربة بنفس الأدوات ثم تنتظر تغيرا في النتائج، ونحن اليوم خضنا تجارب بأدوات معينة ونعرف جيدا مآلاتها ونتائجها وحان الوقت لنفرض تغييرا جادا يحدد بوصلة الطريق ويبعدنا عن إرهاصات الأحزاب المرتبطة بلوبيات الضغط المالي والاعلامي التي يمثلها بعض رجال الأعمال الفاسدين الذين تبوؤوا مقاعد برلمانية وباعوا واشتروا في الذمم النواب الآخرين واشتغلوا على ضمان مصالحهم الشخصية واسقطوا مصلحة الدولة ومطالب الشعب.

إن المشهد السياسي الذي نتطلع إليه يبدأ بالاختيار الصائب للمسؤول الذي يكون أقرب لشعب منه إلى المترفين والذي يعيش ألام الناس وتحدياتهم ويكتسب كفاءة علمية تخوله لتبني القرارات الصائبة التي تخدم مصلحة البلاد العليا وناسها وشجاعة سياسية للخيارات الصعبة ومصداقية ونظافة يد لتواصل والتفاعل الإيجابي مع كل مكونات المجتمع.

شاهد أيضاً

طوفان الأقصى…المقا ومة خيار الشرفاء…بقلم حازم عواضي

على ملاحم التاريخ نتوقف و لو للحظات و تحت صمود غزة نستظل بالعزة ، وعلى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024