لم يبخل علينا التاريخ المعاصر بحقيقة صدع بها أهلها، بأن الإرهاب التكفيري الوهابي، هو تأسيس بريطاني وصناعة أمريكية، ومن تنظيم القاعدة تفرعت أذرع الإرهاب إلى عديد المسميات: النصرة، وداعش، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، وبوكو حرام، وجند الشام، وكتيبة عقبة بن نافع وغيرها من المسمّيات، التي لم تخرج في تفكيرها وتكفيرها عن الأصل، وهي الوهابية، قد أوغلت في دماء المسلمين لم ترقب فيهم إلّا ولا ذِمّة، كأنما اجتمعت تنظيماتها الإرهابية لضرب المسلمين فقط، بينما أثبتت فيما ارتكبته من جرائم، أنها بصدد تنفيذ مخطط أمريكي للسيطرة على الشرق الأوسط، وإفساح المجال لعكب الأحبار الجديد، الكيان الغاصب لفلسطين، في أن يكون الحاكم الفعلي في المنطقة.
أمريكا التي تدعي حقوق الإنسان وتتظاهر بالدفاع عنها، بواسطة تقاريرها الزائفة، لتهاجم بها بلدانا بعينها، كالجمهورية الإسلامية الإيرانية، محاولة تشويه سمعتها، وتقديمها للعالم على أن نظامها دكتاتوري فاقد للشعبية والشرعية، خلاف ما هو عليه من حقيقة ساطعة لا غبار عليها، من كونه نظام متميز في شعبيته وقانوني في شرعيته، ثابت في قيمه ومبادئه، ليس مستعدّا للتنازل عنها مهما تكالبت عليه قوى الارهاب والتآمر.
أمريكا بإدارتها ومؤسساتها، ودولتها العميقة المشبوهة، مجرمة بحق سكان أرضها الأصليين، بإبادات جماعية مفزعة منذ تأسيس كيانها العنصري، ومجرمة بعد ذلك بحق الكوريين في حربها الظالمة التي تسببت في تقسيم كوريا، وبحق اليابانيين في القاء قنبلتين نوويتين على مدينتي (هيروشيما) و(ناكازاكي) وما خلفتهما من ضحايا ودمار هائل، وبحق الفييتناميين في حربها بالوكالة عن فرنسا الاستعمارية، بقصف السكان بقنابل محرمة نابالم وفوسفور وغازات كيماوية، ومجرمة بمخابراتها أينما وجدت في سفارات وقواعد منتشرة في العالم، فمن أجل الاستكبار على دول وشعوب العالم، يجوز لمنتهكي حقوق البشر أن يرتكبوا أيّ جريمة، تتيح لهم الهيمنة الاقتصادية والتفوّق العسكري والإستعلاء السياسي.
ما يجدر التذكير به بهذه المناسبة جريمة فظيعة، زادت من كشف الوجه الحقيقي لأمريكا، دعيّة الحرّية وحقوق الإنسان، المتعالية بالظلم والعدوان، لا يمكن أن تمحوها ذاكرة التاريخ نظرا لبشاعتها، وسقوط قيم وإنسانية مرتكبها، لقد كان الهدف مدنيّا صِرْفا، كما عُرِفت به النزعة العسكرية الأمريكية، كانت الرحلة رقم 655 Iran Air Flightعبر طائرة نوع (إير باص أي 300) تابعة للخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير)، التي أقلعت من مطار (بندر عباس) الدّولي، في إتّجاه مطار (دبي) الدولي، يوم 03/07/1988، لكن تلك الرّحلة لم تصل إلى وجهتها، فقد أسقطها الطراد الأمريكي (فينسينز)، في مياه الخليج الفارسي، بصاروخ مضاد للطائرات، ما تسبب في استشهاد ركابها مع طاقمها، البالغ عددهم جميعا (290 شخصا 46 مسافر غير إيراني و66 طفل تحت 13سنة)(1)
ووفقا للخبير العسكري يوري ليامين فإن إيران والولايات المتحدة كانت في ذلك الحين على شفا حرب. فقد قال ليامين: “كان الوضع متوتر في المنطقة. وكان السفن الحربية الأمريكية في حالة تأهب قتالي مستمر. وقد هاجمت الولايات المتحدة مرارا السفن الإيرانية خلال السنوات الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية. وقام الأمريكيون بإغراق عدة زوارق وتدمير منصات نفطية إيرانية، كما ألحقوا الضرر بفرقاطة حربية.. وقد فعلوا ذلك عمدا. أرادوا القول لإيران إنهم سيسقطون أي طائرات، حتى المدنية، في حال اعتبروها تهديدا لسفنهم، وكان ذلك عنصرا آخر للضغط العسكري. وخشيت إيران بعد الكارثة وقوع اشتباكات واسعة النطاق مع الولايات المتحدة، ما أدى إلى قرار إنهاء الحرب مع العراق، إذ أن إيران لن تستطيع القتال على جبهتين، وسيكون ذلك انتحارا).(2)
الادارة الامريكية أمرت بإسقاط الطائرة نكاية في ايران، بعد سلسلة من الاعمال العسكرية العدائية التي كانت في خدمة جيش صدّام في عدوانه على إيران، ويبدو أنه باستهداف الطائرة المدنية واسقاطها، مضافا إلى تكثيف الجانب العراقي تكثيف استعمال الأسلحة الكيماوية، كغاز الخردل، وغاز الأعصاب، والسارين، والسومان، والفي إكس،(3) التي زودته بها أمريكا ودول غربية أخرى من أجل تغيير مجرى العدوان البعثي الصّدّامي.
تلك الهجمات الكيماوية المحرّمة دوليا، بدأت منذ تقهقر الهجمات الغادرة للجيش العراقي، وتواصلت إلى آخر أيام العدوان الذي توقف في 20/08/1988،(4) وبإسقاط الطائرة المدنية، التفتت القيادة الإيرانية إلى واقع عسكري خطير، حيث واجه ابناءها توحّشا غربيا معاد للنظام الإسلامي، داس على جميع القوانين والأعراف الدولية، قد اجتمعت أطرافه على موقف مساندة العدوان العراقي عليه، والذهاب به إلى أبعد من استعماله الأسلحة الغير تقليدية، من أجل اسقاط نظامه واجهاض ثورته، فكان لزاما على القيادة الإسلامية الإيرانية، الموافقة على وقف الأعمال العسكرية، والنزول عند رغبة المجتمع الأممي.
خلاصة القول أن أمريكا ومعها بريطانيا، قد شكّلتا منطلقا لعصر مليء بالإرهاب والعدوان واستغلال الشعوب، وعرقلة مسيرة نموّها، من أجل أن تبقى الهيمنة الغربية قائمة على دولها، ومن هذه الزاوية يجب أن لا نغفل، أن الدّول الاستعمارية والإستكبارية لا يمكنها أن تغيّر سياستها، مهما أظهرت من وداعة ولين ملمس، فالأفعى جميل منظرها رطب جلدها، لكن لسعتها مميتة، وهذا المثال ينطبق تماما على هاتين الدولتين الشيطانتين.
المصادر
1 – إيران للطيران الرحلة655 https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – كارثة فوق الخليج… لماذا أسقط الأمريكيون طائرة ركاب إيرانية
https://arabic.sputniknews.com/world/201807031033501923-
3 و4– الهجمات الكيميائية العراقية ضد إيران https://ar.wikipedia.org/wiki/