لم يطرأ تبدل كبيرعلى الخرائط الميدانية في سوريا منذ أشهر، وتوقفت إحتمالات إحراز أي تقدم عسكري للقوات الأمريكية وأدواتها الإرهابية سواء كانت إنفصالية أم داعشية ، وبقي الإحتمال الوحيد والأكيد هو تحرك وحدات الجيش العربي السوري وفق أجندته الخاصة نحو استكمال تحرير ما تبقى من أراضٍ تقع تحت السيطرة القوات والعصابات الأمريكية والتركية والكردية ، وبات بحسب الرؤية الروسية والوزير لافروف بأن: “المواجهة العسكرية بين الحكومة السورية والمعارضة انتهت وهناك نقطتين ساخنتين فقط وهما إدلب وشرق الفرات” .
وباتت واشنطن تعول على هيبتها والتهديد بسياساتها العدوانية – الإجرامية ، وأخرجت للعلن مخططها الوقح حول إغتيال الرئيس بشار الأسد ، في محاولة منها لمنع أية تحركات كبرى للجيش العربي السوري وتحديدا ً بإتجاه مناطق شمال وشرق الفرات ، وباتت تتوجس صلابة الرئيس الأسد وكلامه عن المقاومة الشعبية السورية ، التي تتصاعد تحركاتها وتظاهراتها يوما ً بعد يوم ضد وجودها اللاشرعي وضد ميليشياتها الإنفصالية – المجرمة.
وعليه ، أصبح تمسكها بالحصار والضغوط الإقتصادية أولوية على حساب فعاليتها العسكرية ، بالتوازي مع الوجود العسكري الروسي من مناطق وجودها وعلى محاور تحركاتها ، مع ارتفاع احتمالات الصدام العسكري المباشر بين الجنود الروس والأمريكيين ، كما حدث في 24 اّب المنصرم ، وباتت واشنطن تبحث عن بدائل سياسية تساعدها على استمرار وجودها على الأرض السورية وضمان استمرار الدور الكردي ، دون أن تتخلى عن أهدافها في تقسيم سورية .
أرادت خداع الروس والسوريين عبر إعلانها توحيد الصف الكردي – بعدما كانت ترفض هذه الفكرة الروسية بالأساس – ليكون طرفا ًسياسيا ًوأساسيا ًفي مسار الحل السياسي ومن خلال المعارضة الكردية الواحدة ، وعبر مشاركتها في اللجنة الدستورية ، وبالفعل قامت بجمع كافة الأحزاب والأطراف الكردية وبمساعدة فرنسية ، وأعلنت عن نجاح عملية التوحيد , لكنها بالغت بتفاؤلها وبإعلانها هذا ، فالخلافات الجذرية واختلاف الولاءات للأحزاب الكردية أكبر من أن تنتهي في لقاء أو بممارسة الضغوط ، أو بتسميتهم “شركائنا على الأرض” .. لا زال أمامها الكثير لتتعلمه عن تاريخهم وصعوبة دمجهم وصهرهم في بوتقة واحدة ومشروع سياسي واحد ، و الوثوق بموافقتهم العلنية.
وفي الوقت ذاته ، وعلى الرغم من تكرار “الطعنات” الأمريكية في الظهر التي تحدث عنها الأكراد أنفسهم ، لا يزالون يسيرون في ركبها ، وهم يرون إنهيار إكذوبة تمثيل “قسد” ومسد” لكافة مكونات الشعب السوري ، واقتصار دورها على تنفيذ الأوامر الأمريكية بالسيطرة على حقول واّبار النفط السورية وسرقتها وحرق المحاصيل حرمان الشعب السوري من ثروات وخيرات بلاده وسلته الغذائية ، وبالتكريد وممارسات القمع والعنف والقتل ، وبهدفها المعلن بالحفاظ على إدارة التوحش – “الإدارة الذاتية” ، على الرغم من تصاعد مشاعر الكراهية تجاههم وخروج الأهالي في مناطق سيطرتهم للتظاهر ضدهم ومطالبتهم بالخروج من مناطقهم , وتأكيد إنتمائهم للدولة السورية ورغبتهم بدخول الجيش العربي السوري لحمايتهم ، بالتوازي مع تضاعف عمليات المقاومة ضد هذه الميليشيات ، وانكشاف حقيقة عمالتها وإجرامها ومشاريعها الإنفصالية .
ففي20 أيلول ، زار المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا جيمس جيفري شمال شرق سوريا وعقد إجتماعا ً ضم وفودا ً من “المجلس الوطني الكردي” و”حزب الاتحاد الديمقراطي” وبعض الأحزاب الكردية المؤيدة لفكرة توحيد الصفوف.
وعلى ما يبدو ، أتت زيارة جيفري بعد موافقة حزب الاتحاد الديمقراطي على اقتراح ٍ أمريكي بتقاسم متساو ٍ للسلطة في هيئة سياسية كردية مشتركة تُعد لشمال شرق سوريا… إن أي إعلان لإنجاز الوحدة الكردية سيكون متسرعا ً، في ظل ضغوط العمليات العسكرية التركية ، والإعلان الأمريكي عن الإنسحاب الجزئي للولايات المتحدة من المناطق الحدودية في شمال سوريا ، بالإضافة إلى التوافق الروسي – الإيراني حول الإستمرار بدعم الدولة السورية والحفاظ على وحدة واستقلال الأراضي السورية ، والتي أقرها القرار الأممي 2254…
إن مغادرة جيمس جيفري الأراضي السورية واتجاهه نحو أربيل ، يؤكد أن مرجعية القرار الكردي ليست في سورية ، وأن المشروع هو الأمريكي يسعى لإكمال ما بدأه على أرض العراق ويسعى لتمديده داخل الأراضي السورية ، كجزء من المشروع الصهيوني في سوريا الساعي إلى تقسيمها ، واستغلال أكرادها كبيادق على رقعة الشطرنج الصهيونية.
بات من السخرية بمكان أن يتفاقم الصراع السياسي الكردي – الكردي على السلطة في شمال شرق سوريا ، وسط تعدد وتضارب الولاءات والرؤى بين الأحزاب والهيئات ، في وقت ٍ تتالى فيه تصريحات المدعو مظلوم عبدي حول التمسك بـ”الإدارة الذاتية” ، وتصريحات بعض المسؤولين العسكريين حول مقايضة الدولة السورية بالنفط والثروات مقابل الإعتراف بهذه الإدارة…
بات من المؤكد أن العمى السياسي قد استفحل في عقولهم وأصبحوا عاجزين عن قراءة معادلات الرفض السوري الرسمي والشعبي ، لأي محاولات لتقسيم أو فدرلة سورية ، متناسين الخيارين الذين طرحهما الرئيس بشار الأسد ( الحوار أو القوة ) ، وأن سوريا ستعاقب “كل من تسول نفسه التاّمر على وحدة الأراضي السورية” ، كما أصبحوا عاجزين عن متابعة التطورات والمستجدات الدولية والإقليمية ، وأن الإدارة الأمريكية تبحث عن عقد الصفقات على غرار صفقات التطبيع الخليجي مع العدو الإسرائيلي ، ولا يمكن استبعاد عودتها إلى طاولة المفاوضات الدولية مع حلفائها وأدواتها وخصومها وألد أعدائها ، قبل أن تصفعها هزائمها وينهار إقتصادها على وقع عدم استقرارها الداخلي ، وإنتخاباتها الرئاسية المبشرة بحرب أهلية أمريكية – أمريكية … حينئذ ٍ لن يجد الكرد من يدعم كفرهم الوطني ومن يهتم بأوهامهم ، وعلى العكس تماما ًسيجدون من سيحاسبهم ، وسيحتاجون من يسامحهم ويعفو عنهم.