لم يعُدْ غريبا أن يتسلّط غويّ من أغوياء التّديّن، وشاذّ من شواذّ الشهائد العلمية، على الشيعة والتشيع، بمثل ما رماهم به هذا الدّعيّ، وبمنطق في منتهى السخافة، ولكْنَةٍ عامّية جرت على لسانه، لتؤكّد للسامع العاقل مستواه الحقيقي، ومدى التهافت الذي بدا عليه، فلكل بغل من بغال حَمْلِ أثقال دعاوى الباطل مجال يُساقُ إليه، سواءٌ كان واعيا بذلك أم لم يكن.
لم أصادف في حياتي أكذب من رجل اسمه (محمد علي حرّاث)، من خلال مداخلاته المنشورة على قناة البلاغ اليوتوب، فيما تلفّظ به حول التشيّع، ومن وقع في قمقم جهله، فمن العسير عليه أن يتبيّن ما في خارجه، من حقائق لم تعُد خافية على الباحثين عنها، خصوصا بعد مرور 14 قرنا وحال من هم على شاكلته من سيء إلى أسوأ، ومن فقد البصيرة، أخطأ بالضرورة في إدراك الحقائق العقائدية والتاريخية، وتلك حال من تجنّد لمحاربة عقيدة التشيع الإسلامية، كالضرير الذي أهمله أهله وسط ظلمتين، وعلى طريق وعرة التضاريس، فحتما سيصاب في تخبّطه بأضرار شديدة.
محمد علي حراث من مواليد 20/2/1963، تونسي ناشط، ورجل أعمال، ومؤسس ومدير تنفيذي لقناة الإسلام، بعد إطلاق سراحه في منتصف الثمانينيات ، سافر إلى طهران ، مستوحى من فكر الثورة الإيرانية – وكل من عرف الثورة الإيرانية وتأثّر بها لا يمكنه مفارقتها – على الرغم من خيبة أمله من واقع الحياة هناك – وطبيعي أن لا يجد وهابيّ غارق في عقيدة التجسيم منغلق على فتاوى ابن تيمية وابن الجوزية ضالته في إيران- ساعد في تأسيس الجبهة الإسلامية التونسية (FIT) في عام 1988.(1)
ما قيل من أنّ حرّاث هذا ذهب إلى إيران وعاد منها، ليس بحجة على من يرى ذلك دليلا ليرتكز عليه، فينسب هذا الشخص إلى معرفة التشيع والشيعة عن قرب، فربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، (فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور)(2)، مثله كصاحب عاهتين، أعمى وأصمّ، مرّ بالقرب من عين ماء، فلم يبصر نبْعها، ولم يتناهى إليه خرير مائها، وفاته منها رِواء عطشه، وكم من زائر بلد أقام بها فترة، فلم يرُقْ له ما فيها، وذلك ليس ذنب البلد، ولا يمكن أن يُحملَ موقفه منها، على وجه من أوجُه وهْمٍ بدا له فيها.
وقد جذبت الجبهة إلى صفوفها عناصر شبابية، تمكنوا من خلالها الإلتحاق بجماعة أسامة بن لادن ( الأفغان العرب)، والانخراط في تنظيم القاعدة فيما بعد، ومن بين هؤلاء (عبد الله الحاجي)، الذي اعتقل بعد هجمات 11/11/2001 في باكستان، وأخذته المخابرات الأمريكية إلى معتقل غواتنامو، وساعدت الحركة قيادات جهادية ليبية، على الفرار من قبضة المخابرات الليبية، والتوجه إلى باكستان، ثم إلى الساحة الأفغانية أواخر العام 1989.
بعد سقوط نظام بن علي، صرّح محمد علي حراث، الأمين العام للجبهة الإسلامية التونسية، بأنهم عازمون على التوجه للعمل السياسي، ولخّص أهداف حركته الجديدة في: “نشر الإعتقاد الصحيح عن منهاج الكتاب والسنة المحمدية”.(3) في دلالة واضحة بأنّه جاء لنشر العقيدة الوهابية، على أنّها عقيدة أهل السّنة والجماعة وهي مغالطة كبرى.
مدير قناة الاسلام الفضائية ببريطانيا إسلام شانيل British Islam Channel، ذكروا أنها من تمويل سعودي بريطاني، كقنوات التشيّع اللندني، وهي محل متابعة قضائيّة، من قبل عديد الجمعيّات الحقوقيّة البريطانية، للاشتباه في تواطئه مع الجماعات السّلفية الإرهابية، وليصل الأمر إلى حدّ المطالبة بإغلاق قناته الفضائية، لما تبثّه من سموم وتعصب ديني، ونشير إلى أن الحرّاث يعمل لدى الشّرطة البريطانية، مستشارا في شؤون التطرّف الإسلامي، إضافة إلى أنه استغلّ علاقته المتينة بالشيخ راشد الغنوشي، لفسح المجال أمام الخطيب الإدريسي، وتمكينه من حصانة خاصّة، أبعدته عن التتبّعات العدليّة بتونس(4)
تصريحات ومداخلات حراث عديدة، منسجمة مع آراء ومواقف حركة النهضة، من الرئيس قيس سعيد، واجراءاته ما بعد 25 جويلية، فهو عندما نسبه إلى التشيّع، ليس من استنتاجه، وإنّما بناءً غلى دعاية نهضوية هدفها تشويهه، وتأليب عامة الشعب التونسي عليه، وفي مداخلة له في هذا المعنى ذكر حرّاث: (بأن الحاكم في المفهوم الشيعي يعين من قبل المولى عز وجل، بمعنى أنّ أمر الأمّة لا يُتْرَكُ لها يعني هذاكا (وأمرهم شورى بينهم) ما يستعرفوش بيها)
كلام في منتهى الإبتذال والسّوقيّة، فمجلس الشورى الإسلامي في ايران، مجلس منتخب شعبيا، وبقية المجالس المختصّة متعاونة فيما بينها لصالح البلاد، والدستور الإيراني في فصوله تكذيب لهذا الدّعيّ المريض بداء الحقد على الشيعة، وليس جديدا أن يدّعي أن التشيع نابع من اليهودية أو السبئية(5) كما أطلق عليه ذلك، فقد رُمِي من قبلُ تشويها وكذبا وافتراء عليه.
وكيف يسمح لنفسه بالكذب وقلب الحقائق بخصوص القضاء، فبلوى تونس الأولى التي بقيت تعاني منها اكثر من 60 سنة هي فساد القضاء، إلى درجة أن الفاسدين من القضاة فيه، قد غلبوا النزهاء منهم، وهؤلاء الفاسدين مازالوا يتحكمون في مرفقه إلى اليوم، ولم يقع تطهيره تماما، أمّا القضاء بالنسبة للشيعة فهو من الأهمّية، بحيث يعتبر شريان حياة الناس، في تحقيق العدل بينهم، والقضاء في إيران سلطة لها رئيسها، فأين ذهب بك الكذب والإفتراء، وما علاقة قيس سعيد بالشيعة في كل ما نسبته إليه؟
ولا تبدو بريطانيا غريبة عن هؤلاء الشواذ بعنوان الدين، فهي وكر من رغب في الانخراط في مشاريعها الهدامة للإسلام، سنة كان انتماؤهم أم شيعة، وحكومتها لا ترى غضاضة في ايوائهم وتقديم ما يحتاجونه من دعم، من أجل استعمالهم باسم الإسلام لتشويهه وعرقلة مشاريعه الحقيقية، ببثّ سموم أراجيفهم وأكاذيبهم.
لم يكن رقم اثني عشر منشؤه يهودي، بل هو قرآني نبوي، وقد أساء حراث لنفسه في هذا الإدعاء الكاذب، وبرهن أنه قليل دراية بما يقول، فقد ذكرت آيات قرآنية اثني عشر شهرا، واثني عشر أمما اسباطا، واثنتي عشرة عينا، أما النبي الأكرم فقد أخبرنا أنّه: (لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ إثنا عشر رجلا (6) والمسلمون الشيعة يؤمنون بأن الأئمة من صفوة الأمّة ولكل أمة صفوة، أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنصوص في هذا المجال أكثر من أن تُعَدّ، وهي في مظانّها(7) لمن يطلبها.
لم يكن التشيع يوما قبوريا كما عمِل على تشويهه الوهابية ومنهم حراث، ولو كان قبوريا لأنتهى من زمان، لكنّه اسلام محمّديّ أصيل اتخذ سبيل العلم والمعرفة، وسيلة لتسلّق قمم الرّيادة في هذا الزمن، هؤلاء للتذكير هم الطائفة الظاهرة على الحق التي لا يضرها من ضلّ عنها، ولا حتى من حاربها، بنت نفسها بجهود وتضحيات أتباعها، فهي اليوم مجسدة في المشروع الإسلامي في ايران درّة التشيّع ومثاله الحيّ في العالم،ألم يلتفت حراث وغيره من الحاقدين إلى حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يأتي أمر الله)(8)، لذلك أقول له ولغيره من الغاوين، ابحثوا عن هذه الطائفة ان كنتم أصحاب عقول راجحة وذوي تمييز، وما زيارة قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام، سوى تعبير عن مدى تعلقهم بقربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فريضة مناط بها كل مسلم، قال تعالى: ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنّ عليهم مسجدا)(9) ولو كان ذلك العمل غير منسجم مع الشريعة لنُهِيَ عنه، ليس هذا فقط بل ويرى الشيعة أن زيارة قبول الأولياء من اتباعهم مستحبة، تعبيرا عن مدى عرفانهم بما قدموه لأئمة الهدى عليهم السلام.
الخلاف بيننا واضح متلخص في مسألتين هما الإمامة وهي وظيفة قيادة الأمّة، ومصدر السّنّة النبوية عمّن نأخذ تفاصيل ديننا، عن أئمة الهدى الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ليكون لسانهم صادقا دائما لا يتخلله كذب، عن طريقهم وصل الإسلام إلى الأجيال نقيا، خاليا من تحريفات عبيد الدنيا، وهذا ما لم تستسيغوه يا أعداء الحقّ، وتريدونه عِوجا.
حرّاث هو واحد من آلاف مؤلفة من أدعياء التديّن الفتنوي، ليس له ما يقدّمه للشعب التونسي سوى حصاد بهتان أكله السّوس، ولم يعد مجديا، في زمن بدأت فيه الحقائق تلوح للعيان، لأصحاب القلوب المؤمنة، بأن الله قيض لدينه رجال ادّخرهم لهذا الزمن، هؤلاء هم قوم سلمان المحمّدي، وفيهم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء) (10)
المراجع
1 – محمد علي حراث
https://ar.tr2tr.wiki/wiki/Mohamed_Ali_Harrath
2 – سورة الحج الآية 46
3 – فشل السلفيين في تونس
https://raseef22.net/article/20423-failure-of-the-salafist-party-in-tunisia
4 – الإرهابي محمــد علي الحرّاث وراء الحصانة الممنوحة للخطيب الادريسي
http://athawra-news-tunisie.blogspot.com/2016/04/blog-post_945.html
5 – الدكتور محمد علي حراث: الوقائع المادية حول تشييع تونس
6 – صحيح مسلم كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش ج6 ص3 ح 1821
7 – مواضعها ومألفها
8 – مسند أحمد أول مسند البصريين حديث عمران بن حصين ج33ص83ح19851/ قريب منه البخاري كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة ج9ص101ح7311/ مسلم كتاب الإيمان ج1ص 95ح156
9 – سورة الكهف الآية 21
10- صحيح البخاري كتاب التفسير سورة الجمعة ج6ص151ح4897/4898