بقلم: محمد الرصافي المقداد |
بعد ان سدت افاق الكذب أمام النظام السعودي، في محاولات مرتبكة حمقاء بائسة، للتنصل من تبعات جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي – والسؤال المحير الذي لم يجد له احد جوابا مقنعا ما هو سبب قتله بهذه الطريقة البشعة – جاء الاعتراف من النظام الموغل في بلاد العرب والمسلمين فسادا، والاعتراف كما هو معروف سيد الادلة، على مبلغ النزوع الى الجريمة، الذي طغى على سلوك هذا النظام القائم اولا واخر،ا على نزعة العدوان، توسّمت فيه عجوز الاستعمار بريطانيا، بأن يكون وسيلة خبيثة لمشروعها المعادي للإسلام والمسلمين، باسم اسلام متطرّف بتطرّف مؤسسه ابن عبد الوهاب، دعيّ العلم بالقرآن والسنة، فأعانته على الاستقواء بالسلاح والمال، باسطا هيمنته على قبائل الجزيرة العربية، بالقتل والترويع، والبطش الشديد الذي انتهجه، لسرعة سيطرته عليهم.
ولا يخفى أن هدف بريطانيا وقتها، كان السيطرة عن طريق هؤلاء، على اهم مقدسات المسلمين (مكة والمدينة) قبل ان تسلّم للصهاينة بعد ذلك فلسطين، ولا يخفى أن الهدف كان فصل المغرب العربي عن مشرقه، بعد تقسيم سايكس بيكو، ما اضعف حظوظ الشعوب العربية في الوحدة، وبناء مستقبل مستقل في مخططاته واعتماده عن اعدائه.
نظام تأسس على دماء وجماجم المسلمين، زاد نهمه فامتد بطشه ليفتك باليمنيين مرارا عديدة، ويحتل ثلاثا من محافظاتهم ( نجران وجبزان وعسيران) ويستمر في عدوانه الذي شنه عليهم، منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، امتثالا لأوامر اسياده الامريكان، في اخضاع الشعب اليمني، وقتل ثورته الساعية الى تخليصه من العملاء من دول الجوار، والخونة والمرتزقة من الداخل.
ومتوقع من نظام حكم متخلف عن نظم الحكم في العالم، حيث لا برلمان منتخب، ولا دستور مشرّع، ولا انتخابات منذ أن نشأ، ولا حرية تعبير مضمونة لديه حتى لو كان المنتقد من أقرب المقربين للنظام، ولا حتى ابسط الحقوق التي نالها غير اهل الحجاز من شعوب العالم، ان تصدر منه تصرفات رعناء، دلت منه على تخلف غريب عن هذا العصر، فقيمة الانسان عنده وصلت الى مستوى متدنّ جدا، لم يجرؤ عليه نظام حكم ظالم غيره، انفرد بهذه المعرة، فأوفى فيها بكل الخروقات القانونية، التي خجل التاريخ من ذكرها قبلا، وكان هو من اعاد تكرار وقائعها وتثبيتها، بالتفصيل الذي لم يهمل شاردة ولا واردة منها، فاستحق لقب مبيد العرب والمسلمين ومجحف حقوقهم عن جدارة، وله في هذا المجال باع طويل لا يحسده عليه حتى البريطانيون انفسهم، من يعتبرون أساس تكوينه وقيامه، والامريكان الذين يراهم النظام السعودي حماة ملكه ودوام سلطانه .
خاشقجي غالط نفسه قبل ان يذهب برجليه الى قنصلية بلاده واثقا، ولم يحسب اي حساب لما قد يحصل له، ولعله نسي ان يحتاط من امر خفيّ، دعا ابن سلمان الى اتخاذ قرار تصفيته، على طريقته الوحشية، فذهب سره معه، مع انه لم يعد يخفى سر، من ادعياء المعارضة المصطنعة أمثاله، من جماعة جماعة الفنادق 5 نجوم.
وقد تكون دعوات المظلومين المغدورين، من الجيش السوري وقواته الرديفة قد استجيبت، فلقي خاشقجي حتفه، بمثل ما غرّد به على (تويتر) مؤيدا للارهاب الوهابي التكفيري، الذي اقدم مرارا على اعدام اسراه منهم، وقطع رؤوسهم تشفيا، فاذا بنهايته أشد مما لقيه الشهداء الابطال الاشاوس المدافعين عن سوريا، ومحور مقاومة الاستكبار والصهيونية، وتبدو الحكمة النبوية في هذا الخصوص مناسبة للقول : (من أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه)
ومن حمّى التعاليق الرسمية، وردود الافعال العالية النبرة، التي تراوحت بين الاستنكار والتنديد، في بداية الحادثة، فان مواقف الدول الغربية، وعلى راسها امريكا، مضافا اليها تركيا، مسرح الجريمة الفظيعة، قد خبى لهيب دعوتها، بعد ان استوت طبخة (بامبيو) وزير الخارجية الامريكي في الرياض، فبدت ردة الفعل من هؤلاء خافتة باهتة، بعد الاعتراف الرسمي من النظام السعودي، بأن خاشقجي قتل داخل القنصلية، برواية شبيهة بتلك التي تداولها المؤرخون عن مقتل سعد بن عبادة، نقلوها نقل المحتمل وقوعها ولم يحققوها، مستدلّين برواية نسبوها الى الجن بقتله، رغم بعدها عن الحقيقة القائلة بان الرجل اغتيل، وهو في طريقه الى الشام، من طرف السلطة القائمة.
جماعة النظام السعودي تصرفوا في القاتل، فلم ينسبوه الى الجن، واستعاضوا عنه بخطأ بعض ممن اوفدهم ابن سلمان لتصفيته، دعاهم بعد فقالوا أن اكثر صراخه وصياحه الى كتم أنفاسه وهم لا يشعرون.
بما أن خاشقجي ضحية ذلك الخطأ، كان لا بد من مسح اثاره وتداعياته بضحايا آخرين- وهو أسلوب الطغاة دائما- فقد أصدر الديوان الملكي أمرا صوريا تمويهيا، بإقالة هؤلاء المتورطين من مهامهم، فيما ترى ببصائر العارفين بجملة الخزعبلات السياسية، ترقية لهم الى مهام اخرى، لا تقل بشاعة عن سابقتها، في ظل نظام لا يفقه في حرمة النفس البشرية شيئا، ولا من دين اسلامي جاء لإحيائها، محذرا من خطورة الاستهانة بها أو الإعتداء عليها.
قال تعالى: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا .
آلة القتل السعودية الوهابية ماضية في طريقها قائمة بدورها بسرعة من يريد تعجيل حتفه انهاء وجوده ولئن كان لأهلنا في اليمن النصيب الأوفى من ضحاياه، وهم محتسبون عند الله شهداء أبرار، فإن فرق الاغتيال الممولة من مملكة الشر والفساد في الارض، ستواصل مهامها في الاغتيال في اي بقعة كانت، فلم يعد الأمر موقوفا على السفارات، وانما تتلقى هي الأوامر والاشعارات – فقد لا يقع غير خاشقجي في المصيدة مستقبلا – وفق الأوامر التي تصدر اليها من الديوان الملكي، تحت غطاء أمريكي أعلنها بصراحة أنه يقبض لقاء سكوته بإهدار حقوق الشعوب المظلومة، كما فعلها مع الكيان الصهيوني، حماية له باستخدام الفيتو، لمنع ادانته دوليا، وتحميله تبعات جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
ما يؤاخذ عليه النظام التركي نزوله عند الرغبة الامريكية، في تسوية القضية على نار هادئة من التفاهمات المالية والاقتصادية، فما يهم (أردوغان) هو ما سيجنيه من العملية بعد دخول (بامبيو) على الخط، ويستمر عبث الحكومات بأفرادها وشعوبها جملة وتفصيلا.
هذا خاشقجي قد رحل تاركا وراءه تساؤلات، قد يفصح عنها مستقبلا، لكن السؤال المطروح اليوم على من سيكون الدور غدا؟ وكيف ستكون الطريقة؟ وكم ثمن السكوت الامريكي والغربي؟