منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران وقيام نظامها الإسلامي، بدأ وضع فلسطين كقضية شعب منتهك ومظلوم يتغيّر، من حالة شبه الإفلاس والإنحراف، بتآمر الانظمة العربية عليها، وحرفها عن مسار استحقاق الفلسطينيين الحقيقي، في مقاومة العدو الصهيوني الغاصب، إلى وضع آخر مختلفا تماما قد شحن أملا وعملا، ذلك أن تلك الثورة المستحقة للشعب الإيراني، قد وضع قائدها الملهم الامام الخميني رضوان الله عليه في مقدّمة اهتماماته، مسألة فلسطين والقدس، باعتبارهما قضية مصيرية، من شأنها أن تفتح للشعب الفلسطيني ولبقية الشعوب الإسلامية أفقا أوسع، لتحقيق أهدافها في الحريّة والوحدة.
وكان مشروع الإمام الخميني جادا وحقيقيا، في إعلانه وتأسيس لبنته، ما أزعج أمريكا والغرب، وأثار مخاوف حقيقية في داخل الكيان الغاصب، بعد استجابة طلائع الشعوب الإسلامية له، وفي مقدّمتها الشعب الفلسطيني، الذي لمس في شخص الإمام الخميني رضوان الله عليه منقذا صادقا لقضيته، فانطلق يؤسس لغده في مقاومة عدوّه، وكانت حركتي الجهاد وحماس، بتأثير من فكر الثورة الإسلامية، تحوّل أملا متوقّدا وعملا نضاليا لا يرى حلا لقضية الشعب الفلسطيني سوى بمقاومة هذا العدوّ العنصري الغاصب.
أما الإستعداد لمواجهة العدو الصهيوني بالنسبة لإيران، فقد كان بالتزامن مع إعلان الإمام الخميني آخر جمعة من شهر رمضان، يوما عالميا للقدس، فانخرط الشباب الثوري الإيراني المؤمن في فيلق القدس، إيمانا منهم بعدالة القضية الفلسطينية، ومعرفة حقيقية بأن مشروع تحريرها، سيترتّب عنه انفتاح مشاريع إسلامية أخرى، كمشروع وحدة الأمّة الاسلامية، هذا الجسد الممزق من طرف القوى الكبرى الاستعمارية، فلا شيء يعوق وحدة الأمّة، غير هذا الكيان الغاصب المزروع في قلبها النابض.
لقد فشل أغلب حكام العرب في احتضان القضية الفلسطينية عسكريا وسياسيا، فعسكريا انهزموا في مواجهتين، وذهبوا بعد ذلك إلى مسار التفاوض كيفما رآه لهم الأمريكيون، ثم انحدروا إمتثالا لأمرهم، إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، طمعا في نيل رضاهم وتلقّي مساعداتهم، بحيث أن القضية الفلسطينية كادت تنتهي بما سبق من أعمال خيانية، لولا مشروع الإمام الخميني، الذي قام بنقلها من وضع عرقيّ عربيّ ضيّق، إلى شريان الاسلام واستحقاقات شعوبه المتعددة الأعراق، باعتبارها معنية هي أيضا بالقضية، وليست حكرا على العرب وحدهم، بعدما تبيّن أن حصرها في اطارها الأول، لم يجن منه الفلسطينيون خيرا أبدا، بينما بتحوّلها إلى إطارها الثاني، بدأت تباشير الأمل تلوح في القلوب، بتقدّم قضيّتها، وتحقق معادلة القوة لدى جبهة المقاومة، التي تقودها إيران بكل عزة واقتدار.
في خطاب له بمناسبة يوم القدس العالمي تحدّث الإمام القائد الخامنئي عن ظاهرة تنامي قدرات هذه الجبهة المباركة فقال: (إن العدّ التنازلي للكيان الصهيوني، وتصاعد قدرات جبهةِ المقاومة، وتزايدَ إمكاناتها الدفاعيّة والعسكريّة، وبلوغَ الاكتفاء الذاتي فيصنع الأسلحة المؤثّرة، وتصاعد الثقة بالنفس لدى المجاهدين، وانتشار الوعي الذاتي لدى الشباب واتساعَ دائرةِ المقاومة في جميع أرجاء الأرض الفلسطينيّة وخارجَها، والهبّة الأخيرة للشباب الفلسطيني دفاعاً عن المسجد الأقصى، وانعكاس أصداء جهاد الشعب الفلسطيني ومظلوميّته في آنٍ واحد لدى الرأي العام في كثير من بقاع العالم.. كلّها تُبشّر بغدٍ مُشرق.) (1)
ومن جهة أخرى، ذكر الإمام الخامنئي الحالة المرضيّة التي استفحلت في العالم الغربي بزعامة أمريكا، والتي سيكون لها تداعيات خطيرة، على علاقة تلك الدّول بكيانها الغاصب، واليوم بدأت تظهر تلك الأعراض الخطيرة على جسد هذا الاستكبار، المنهك بالمظالم والتناقضات، فقال:
(إنّ وضع العالم الإسلامي اليوم، ليس كما كان عليه آنذاك، ولا بدّ أن نضع هذه الحقيقة نصب أعيننا دائماً، لقد تغيّرت موازين القوى اليوم، لصالح العالم الإسلامي، فالحوادث السياسية والاجتماعية المختلفة في أوروبا وأمريكا، قد كشفت وعرّت أمام شعوب العالم، ما يعانيه الغرب من ألوان الضعف، وأنواع الخلل العميقة، البنيويّة منها والإدارية والأخلاقية، قضايا الإنتخابات في أمريكا، والتجربة المفضوحة للإدارة المتبجحة والمتكبرة فيها، وهكذا المواجهة الفاشلة خلال عام، تجاه جائحة كورونا في أمريكا وأوروبا وتداعياتها المُخجلة، والفوضى السياسية والإجتماعية الأخيرة، في أهم البلدان الأوروبية، كلّ ذلك مؤشر على ما يعانيه معسكر الغرب من هبوط وأفول.) (2)
داعيا في خطابه بهذه المناسبة المهمّة لمستقبل الشعب الفلسطيني أولا، وللأمة الاسلامية ثانيا، إلى حشد جهود الجميع، على اختلاف طبقاتهم السياسية والاجتماعية، بتحديد أولوياتهم ومواقعهم من مشروع المقاومة، على أساس أنه الواجب الذي لا بدّ من القيام به: (علينا جميعاً – من حكام، ومثقفين وعلماء دين وأحزاب وتكتّلات والشباب الغيارى والفئات الأخرى – أن نحدّد موقعنا في هذا التحرّك الشامل ونؤدي فيه ما علينا من واجب. إن هذا هو ما يُحبط كيد العدوّ ويسجّل للوعد الإلهي: ( أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) مصداقاً في آخر الزمان. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).(3)
وبقراءة سريعة نستطيع أن نستجلي حقيقة ناصعة لا غبار عليها، أكّدت على أن إيران الإسلامية منذ أن أمسكت بيدها ملفّ القضية الفلسطينية، وفّت بوعودها جميعا ولم تخلف في واحدة، والذين يستعجلونها في مواجهة العدو الصهيوني، ليسوا بأعلم بما خططته وما يستوجب عليها إكماله، خصوصا إذا علمنا بأن هذا العدو الخبيث، لن يكون وحده في هذه المواجهة المرتقبة، والتي اقترب موعدها، وسواء اقتنع هؤلاء أم لم يقتنعوا، فإنه لا دور لهم في المشروع التحرري الإسلامي الكبير.
المرجع
1 و 2 و3– http://qodsna.com/ar/355583