الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

بإمكان تونس أن تخرج من أزمتها…بقلم محمد الرصافي المقداد

الشعوب الأصيلة التواقة على التقدّم والرقي، والماسكة بزمام حركتها الجادّة والفاعلة نحو مستقبلها، تبقى عصيّة على من يعرقلها ويعاديها، مهما كانت درجة استقوائهم ولو اجتمعوا على ذلك، وهذه العوامل الإيجابية في حركة النموّ والتطوّر، ليست حكرا على عرق من الأعراق أو فئة من الفئات أو شعب من الشعوب، بل هي متاحة لكل من شمر على ساعد الجدّ، وانخرط في مشروع بناء بلاده بكل حب ووفاء، هؤلاء هم الجادّون الذين قرّروا أن يأخذوا الدنيا غلابا كما قال الشاعر أحمد شوقي(1).

وبلا شك فإن الشعوب التي تتحرك نحو مستقبلها بجدّية، تتحكم في مصيرها بيدها، لتقوم بعمل ثوري يستنقذها، ويغيّر حالها من الأسوأ إلى الأحسن، قد اتخذت سبيل الرّشد والوعي لتسلكه، وهذا لا يمكن أن تحقّقه من دون قيادة رشيدة، وحكومة شعبية عالية الكفاءة، فإذا توفّرت شروط قيامها، أمكن لها أن تصنع ما كان يعوزها قبل ذلك، مما كان يحول أعداؤها دون بلوغه، ويبذلون قصارى جهودهم من أجل بقاءهم في نفس الوضع الذي أرادوا لهم الإستمرار فيه، وهي رغبة وسياسة أمريكية غربية، لن تتغيّر إلّا بضريبتها.

تونس اليوم، هي بالتأكيد غير تونس قبل يوم 25/7/2021، رغم ما قيل عن الرئيس قيس سعيد  ومراسيمه التي أنفذها، على انّها مخالفة للديمقراطية، ومتعارضة مع إرادة الأحزاب التي لها قواعد شعبية معارضة لقرارته، وانقلابا على الديمقراطية، وبناء عليه تعتبره دكتاتورا جديدا، انفرد بالحكم في البلاد، دون اشراك الأحزاب المذكورة، قد نسف تقريبا كل ما جهزوه من أجل استمرارهم في سدّة الحكم، وبقاء وضع البلاد على حاله، دون تغيير من شأنه أن يحقّق المطالب الثورية التي نادى بها الشعب.

لم يرَ الشعب التونسي بعد سقوط بن علي وتغيير أداة الحكم في البلاد شيئا من إصلاح أوضاعه، طوال عشر سنوات اختلط فيها زعماء الإصلاح بزعماء الفساد في تحالفات لم تظهر للعيان، بل إنّ قوى الفساد أصبحوا يتحكمون من وراء زعماء الإصلاح في جميع مرافق البلاد، ليجد الشعب بمختلف طبقاته مهددا بافلاس بلاده واستعمارها من جديد بواسطة هؤلاء الفاسدين المتغلغلين في كل القطاعات، فما كان من الرئيس قيس سعيد الا المبادرة بوقف ذلك المسار من السياسة الفاشلة،

فجمّد بداية مجلس نواب الشعب، ثم قام بحله بعد ذلك، وعمل على مراجعة الدستور وتنقيحه، بتصحيح بعض قوانينه، التي اعتبرها ناقصة أو غير مجدية، وعملُ الإصلاح الذي بدأه، قد استهدف أخيرا شخصيات كانت حاكمة قبل انتخابه، هؤلاء يرون أنّ اعتقال عدد منهم – وهو قابل للزيادة – وقع على أساس سياسي بحت، دون أن يكون هؤلاء متورطون في جملة من الإتهامات الخطيرة، التي بموجبها أصدرت النيابات العمومية بالمحاكم التونسية أوامر بتوقيفهم، ولا أعتقد أن قرار كهذا كان اعتباطيا، فأغلب الظنّ أن ملفات هؤلاء المعتقلين على ذمّة البحث، ففيها ما يورطهم ويرجّح ثبوت التهم الموجّهة إليهم من طرف النيابة العمومية.

قرار الرئيس قيس سعيد باتخاذ إجراءات أحادية الجانب، نابع عن فقدان ثقته بمن أعاطاهم ثقته، وفي المقابل سعوا إلى خيانته، مثل رئيس الحكومة المقال (هشام المشيشي)، فقد (قال مدير المركز العربي الدراسات السياسية و الإجتماعية بجنيف، رياض الصيداوي، إن الرئيس قيس سعيد انقلب على الانقلاب الذي كان يُعدّ ضدّه يوم 25 جويلية الماضي. وأوضح في مداخلة له اليوم على “الجوهرة أف أم” أن الانقلاب دُبّر له في الإجتماع الشهير، الذي انعقد في منزل رئيس البرلمان، (راشد الغنوشي) بحضور رئيس الحكومة، هشام المشيشي، مرجّحا تورط وزير الدفاع (إبراهيم البرتاجي)، الذي أقاله رئيس الدولة فورا يوم 26 جويلية، إضافة إلى عدد من القيادات الأمنية الأخرى، وأضاف أنه “عندما فشل الانقلاب، حاولت هذه الأطراف شن هجوم مضاد عليه، والتحرك عن طريق قناة الجزيرة، التي كانت ستبث خطابا لرئيس الحكومة هشام المشيشي، يدعو فيه القوات الأمنية إلى رفض قرارات قيس سعيد”. وتابع الصيداوي” أن المخابرات التونسية، وخاصة العسكرية أفشلت المخطط، وتم إغلاق مقر الجزيرة ليس في علاقة بحرية التعبير، لكن بسبب تورطها في عمل مُعادٍ للدولة التونسية”.(2)

ما دفع بالرئيس إلى تعيين امرأة على رأس الحكومة – لعله نابع عن فقدان الثقة بالرجال – ليواصل نهجه في إصلاح ما أفسده المتلاعبون بحقوق ومصالح الشعب، ويبدو أنه قد أذن بفتح ملفات متعددة متعلقة بالإرهاب، ومحاولة الإنقلاب على الحكومة بدأ باغتيال الرئيس(3)، وملف الفساد المالي وهي ملفات حقيقية، كان يجب أت تعطى لها أولوية الحلّ من قبل، ولعلّ أخطر الملفات هو ملفّ الدولة العميقة، التي يسعى إلى إنهاء دورها، والقبض على رأسها المنفّذ (كمال لطيف)(4) الذي كان الجميع يخافونه، ويتهيبون حتى من ذكر اسمه، مسألة اعتقاله لم يفكر فيها أحد قبله، رغم معرفتهم به وبدوره الخطير في البلاد.

وبانفتاح هذه الملفات يبدو أن تونس سائرة نحو اصلاح حقيقي، خصوصا ملف القضاء الثقيل جدا، باستشراء الفساد في هذا المرفق الحساس، فإذا استمرّ تطهيره من القضاة المرتشين الفاسدين، فحتما سيأخذ العدل مجراه في البلاد، ويستعيد كل ذي حق مهضوم حقه، وإذا ما استقام القضاء عم العدل المتقاضين، دون عوائق تمنع من ذلك، وكذلك ينسحب الأمر على بقية المرافق، ولا شكّ في أنّ الرئيس رجل قانون، صادق ونظيف، لا شبهة تعتريه، حتى يُستراب في إجراءاته التي اتخذها، الأيّام القادمة ستكشف أهدافه وتعرّي خصومه، بحيث تسقط جميع إدّعاءاتهم في الماء.

الفساد في تونس بلغ أوجه ومداه، ولا مجال للقضاء عليه بغير مواجهته، وقرار الرئيس قيس سعيد الذي اتخذه بمكافحته كان مصيريا، وعاملا مهمّا سيساعد البلاد على الخروج من ازمة سببها لها الفاسدون الكاتمون على مرافق البلاد والمعرقلون لحظوظها في ان تكون دولة قادرة على تحقيق طموحات شعبها في النموّ الاقتصادي، وبإمكانها منافسة الدول الأخرى بكل جدارة.

المراجع

1 – ما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

 وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا/ أحمد شوقي

https://www.aldiwan.net/quote90.html

2 – الصيداوي يكشف حقائق خطيرة: 25 جويلية ..قيس سعيد انقلب على الانقلاب

https://www.jawharafm.net/ar/article/92/200786

3 – كشف مخطط لإغتيال الرئيس التونسي يثير مخاوف قبل شهر من الإستفتاء

https://www.independentarabia.com/node/344966/

4 – سيرة الملك الخفي .. الحياة الخفية لرجل الأعمال التونسي كمال لطيّف

https://raseef22.net/article/1091918-

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024