البعض من العربان هنا او في أمريكا يريدون مجيء بايدن الى البيت الابيض معتقدين ان بايدن سيكون “المخلص” أو “النبي” المرسل للبشرية. ومن الطبيعي ان يلعب بايدن على ورقة العرب والمسلمين في أمريكا لكي يترجم أصواتهم في صندوق الانتخابات الرئاسية الامريكية. هذه النظرة الضيقة إن دلت على شيء فهي تدل على سذاجة سياسية بإمتياز وعدم فهم لطبيعة التركيبة السياسية للولايات المتحدة ومن هو الحاكم الفعلي لامريكا عندما يأتي الموضوع الى السياسة الخارجية وإستراتيجيتها الكونية.
أمريكا يحكمها حزب واحد مرة يسمى ديمقراطي ومرة يسمى جمهوري والحقيقة ان من يحكم هي الدولة العميقة المتكونة من الشركات الكبرى العاملة في مجال الطاقة الى جانب المجمع الصناعي العسكري والصناعات الملحقة به الى جانب أجهزة المخابرات والاخطبوط المالي من البنوك الكبرى ومصالحها العابرة للقارات وكل الوجوه السياسية التي تأتي الى الواجهة السياسية ما هي الا أحجار شطرنج تحركها مصالح الدولة العميقة ومن يرفض عصى الطاعة يغتال كما حدث مع الرئيس جون كيندي. ولتأخذ من التاريخ السياسي عبرة ففكرة الاستعمار لم ينشئها رئيس دولة او حزب معين بل أنشأته شركات كبرى كانت تبحث عن أسواق لبضائعها وتبحث عن مصادر طاقة ومواد خام لصناعاتها وهذه الشركات أنشأت جيشا من المرتزقة لحماية مصالحها والدفاع عنها حتى خارج الجيش النظامي. وربما خير مثال على ذلك ماذا فعلت وتفعل هذه الشركات في منطقة الامازون وكم عدد النقابيين ومن ينادون بحماية البيئة قتلوا على أيدي مرتزقة الشركات العالمية العبرة للقارات التي تريد استغلال الثروات الطبيعية لتلك المنطقة دون اي إهتمام بالبيئة او صحة القبائل التي تقطنها أو معيشتهم.
لقد جاء اوباما الى البيت الابيض هلل له الجميع وكأنه “المسيح المرتقب” ليخلص العالم من شرور دولة الشر والارهاب التي عاثت في الارض فسادا ومنح جائزة نوبل للسلام في الايام الاولى لدخوله البيت الابيض على “أمل” ان يكون هذا “المخلص” للبشرية جمعاء. والقى خطابه الشهير في القاهرة عن التسامح وضد العنصرية وبشر بعهد جديد…الخ من الهلوسات والشطحات الفكرية والأيدولوجية والانفتاح على العالم الاسلامي.
والسؤال هنا هل قام بأي تغيير حقيقي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتوحشها تجاه الدول الاخرى؟ “بمباركته” دمرت ليبيا عام 2011 من قبل حلف الناتو بقيادة امريكية من تحت الطاولة حتى لا يصطدم مع الكونغرس الامريكي وقتل العقيد معمر القذافي وتحولت ليبيا الى دولة فاشلة يحكمها أمراء الحرب ومجموعات إرهابية وأصبحت بؤرة لاستيراد الارهابيين عند الطلب ومركزا لتجارة أعضاء الانسان والهجرة الغير شرعية الى شواطئ أوروبا. وما زالت ليبيا تعاني للان من نتائج هذا العدوان الوحشي الذي مزق النسيج الاجتماعي في ليبيا.
وبمباركته شنت الحرب الكونية على سوريا لتدميرها وكم مرة خرج على شاشات التلفزيون ليقول أن الدكتور بشار الاسد قاتل لشعبه ويجب أن يخرج من السلطة وان أيامه معدودة. ومرددا مثل الببغاء كلمات “البراميل المتفجرة” نقلا عن المعارضة السورية في الخارج التي كانت تعيش في فنادق السبع نجوم مدفوعة الاجر بالبترودولار.
وهل تغيرت في عهده سياسة القتل والاغتيالات بالطائرات المسيرة من القواعد الامريكية على بعد عشرات الالاف من الكيلومترات؟ بحسب الخبراء لقد إزداد استخدام هذه الطائرات المسيرة عن بعد اضعافا في عهد أوباما عما كانت عليه في زمن بوش الابن. وكم من العائلات قضت نحبها في اليمن وفي أفغانستان من هذه السياسة المجرمة؟ وكم من تجمعات لاعراس تحولت الى مآتم نتيجة هذه الطائرات المسيرة إن كان في اليمن او في أفغانستان؟ ونائبه وبايدن كان يرى ان أفضل حل في العراق هو تقسيم العراق الى ثلاثة كانتونات في الجنوب للشيعة والوسط للسنة والشمال للاكراد. هذا بعض من غيث للذين اصيبوا بالزهايمر السياسي.
نقول كل هذا للحالمين اللذين يعتقدون ان مجيء الحزب الديمقراطي ومرشحه بايدن الى البيت الابيض سيغير من السياسية الخارجية الامريكية في المنطقة أو العالم ونخص بالذكر الطرف الفلسطيني الذي يعتقد ان ما وهبه ترامب الى الكيان الصهيوني تحت ما سمي “صفقة القرن” ستتراجع عنه الادارة الديمقراطية وننصحهم بالرجوع الى حديث بايدن عن أسرائيل واليهود في برنامجه الانتخابي الرئاسي وهو متواجد على الانترنت حتى يدركوا تماما ما الذي ينتظرهم. لا تستمروا في بناء قصورا وأوهاما في الهواء فالادارتين الجمهورية والديمقراطية لا يختلفان في السياسة الخارجية على الاطلاق لانه ببساطة هذه الادارات تنفذ مخططات الدولة العميقة ونقطة على السطر.