هذا الاحتمال بدأ يطرحه عدد من المحللين السياسيين في تل أبيب من بينهم أليكس فيشمان في صحيفة «يديعوت أحرونوت» وكذلك في الولايات المتحدة ومن بينهم روبرت مولي المدير التنفيذي لما يسمى «مجموعة الأزمات الدولية- آي سي جي» الأميركية. ويستنتج مولي عدداً من الاحتمالات يرجح فيها أن تلجأ إدارة بايدن إلى تفضيل انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في حزيران المقبل، وبعد ذلك ربما تطرح مسارين للتفاوض، أحدهما للموضوع النووي، والآخر لموضوع تطوير الصواريخ الإيرانية الباليستية.
لكن هذا يعني عدم قيام بايدن بأي عمل في المئة يوم الأولى لرئاسته بل بالمئتين، ولذلك يبدو هذا الاحتمال ضئيلاً.
إضافة إلى ذلك لا يمكن لبايدن أن ينتظر نتائج الانتخابات التي سيعقدها نتنياهو “للكنيست” في 23 آذار المقبل ثم انتظار نجاح الأحزاب بتشكيل “حكومة” ائتلافية، وربما تبدو له مرحلة وجود انتخابات “برلمانية” فرصة للتحرك في عملية التفاوض مع طهران إذا رغب في ذلك طالما أنه يعرف من عهده كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما أن نتنياهو لم يقبل بالاتفاق النووي الذي وقعه أوباما مع إيران عام 2015.
بالمقابل يكشف فيشمان أن انقساماً وقع بين نتنياهو وبيني غانتس وزير الحرب حول صياغة الموقف الذي يتوجب تقديمه لبايدن في موضوع إيران، فقد أبلغ غانتس مستشار “الأمن القومي” لنتنياهو بأن وزارة الحرب ستشارك مباشرة في صياغة الموقف الإسرائيلي ولن تترك هذه المهمة لنتنياهو وحده. وفي مثل هذا الانقسام يرى فيشمان أن بايدن لن ينتظر تل أبيب لكي يقرر تحركه في الموضوع الإيراني.
ومن جانب آخر لم يعد أمام الولايات المتحدة خيارات كثيرة في مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة بعد أن استخدم ترامب معظم الأوراق التصعيدية والعدوانية المباشرة وغير المباشرة من دون أن يحقق أي هدف ضدها، ولم يبق أمام بايدن سوى إيجاد طريق للتفاوض، وربما على مسارين كما يقول مولي، فقد ثبتت إيران وحلفاؤها عدداً من قواعد وعوامل القوة التي لا يمكن للولايات المتحدة تجاوزها، وهي بحاجة لوقت كثير لترميم ما خلفه ترامب من تراجع في القوة والنفوذ الأميركيين في المنطقة وخاصة في تعاملها مع وضع حلفائها الذين تعصف بهم الخلافات، ولذلك يرى الكثير من السياسيين في الحزب الديمقراطي أن بايدن بأمس الحاجة في المئة يوم الأولى من رئاسته إلى إعادة ترتيب أوراقه مع حلفائه في المنطقة ولاسيما مع حلفائه على المستوى الدولي مثل بريطانيا التي ستصبح يتيمة من دون الرعاية الأميركية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، فالنظام العالمي الأميركي انهارت قواعده في نهاية عهد أوباما وازداد هذا الانهيار في عهد ترامب، وفي عالم اليوم لا يمكن وقف عجلة تزايد القدرات الروسية والصينية من جهة، وعجلة تزايد تناقض المصالح بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الكبرى في عهد ترامب، فالكل بحاجة للترميم مع ازدياد التحديات التي تواجهها واشنطن في مهمة استعادة قدرة الاقتصاد الأميركي على المحافظة على مستواه وحصته في الاقتصاد العالمي. وقد بدت أميركا لبعض المحللين في واشنطن وكأنها خارجة مما أحدثته فيها حرب خارجية وحرب داخلية، ما زالت مشاكلها تفرض عقبات كثيرة أمام حلها.
وفي مثل هذا الوضع الانتقالي الصعب لا يمكن تجاهل وجود قوى أخرى ستجد من مصلحتها استغلال الفرص التي يولدها تراجع القوة الأميركية وتزايد مشاكلها الصعبة، ومن المقدر لأطراف وقوى محور المقاومة وحلفائه انجاز تقدم نحو زيادة منعته وقدرة ردعه على طريق تحقيق أهداف شعوبه وسيادة دوله.
كاتب من فلسطين