لا يزال الصومال يعاني من ظروف إنسانية قاسية ليس فقط بسبب الحروب والصراعات التي أنهكت البلد الواقع بالقرن الإفريقي منذ تسعينيات القرن الماضي، بل أيضا بسبب تذبذب الأمطار في معظم أقاليمه التي يعتمد سكانها على الزراعة.
الأمم المتحدة من جهتها أطلقت تحذيرات متتالية من مجاعة مرتقبة تتربص بأكثر من 4 ملايين صومالي.
في مخيمات النازحين بضواحي العاصمة مقديشو تتوالى الجهود لاستقبال مئات الأسر الفارة من ويلات الجفاف من الجنوب والوسط، مع بدء الشتاء الذي يمتد حتى أواخر مارس/ آذار، بعد ندرة الأمطار الموسمية في العام الماضي.
ويعاني الصومال ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام من قلة الأمطار وعدم انتظامها، فهي موسمية متذبذبة تسقط في موسمي الربيع والخريف، ويقتصر سقوطها في الصيف على المناطق الساحلية جنوبي البلاد.
مأساة حليمة
حليمة نور التي حطت رحالها أخيرا في مخيم “العدالة” بضاحية مقديشو تقول إنها هربت من قرية كونتواري بإقليم شبيلى السفلى (جنوب) بعد جفاف نهر شبيلى، خوفا على حياة أطفالها الذين لا يستطيعون تحمل مشقة الجوع.
عاشت حليمة في السابق تجربة أليمة مع المجاعة، عندما فقدت إحدى بناتها عام 2011 بعدما ضرب الجفاف قريتها، ما قادها هذه المرة إلى الرحيل مبكرا بحثا عن مكان تستطيع فيه تأمين قوت أطفالها، تاركة خلفها مزرعتها وزوجها الذي يرعى ما تبقى من قطيع أغنام نفق بعضه وأتى الهزال على بقيته.
ناقوس الخطر
في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، دق برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة ناقوس الخطر معلنا أن شبح المجاعة عاد ليخيم مجددا على الصومال، إذ يواجه نحو 4.2 ملايين صومالي خطر المجاعة م ما لم تتوفر مساعدات إنسانية للحد من تداعيات هذه المجاعة الفتاكة.
وتتضارب أعداد الفارين من الجفاف في الأقاليم الجنوبية والوسطى الذي يصلون تباعا إلى مخيمات النازحين في ضواحي العاصمة، حيث يصلها يوميا عشرات الأسر معظمهم من الأطفال، بحسب رؤساء المخيمات.
نظيفة أحمد رئيسة مخيم “العدالة”، تقول إن موسم الجفاف تزداد معه أعداد الفارين من القحط معظمهم كانوا يعتمدون على زراعة الخضروات والمحاصيل الزراعية التي لا يمكن زراعتها حاليا بسبب انحسار مياه نهر شبيلى أطول نهر في البلاد جراء ندرة الأمطار.
ومضت قائلة: “استقبل مخيم العدالة في الأسبوع الأول من شهر يناير الفائت نحو 20 أسرة بواقع أسرتين إلى ثلاث يوميا، ما يرفع سقف احتمال وصول عدد أكبر في منتصف الشهر الجاري”.
“كلميى”.. مخيم الموت
لكن الموت ظل يلاحق بالعاصمة بعض من نجوا بحياتهم من الجفاف والمجاعة في قراهم، حيث شهد مخيم “كلميى” في منطقة “جرسبالي”، وفيات هي الأولى لثلاثة نازحين بسبب المجاعة والأمراض حيث توفي طفلان وشيخ طاعن في السن في يناير الماضي بحسب مسؤول المخيم “ورسمى محمد”.
وبحسب “محمد” فإن المخيم حديث النشأة ويؤوي نحو 25 أسرة ولا يتمتع بأدنى مقومات الحياة عكس المخيمات الكبرى التي تشرف عليها الهيئات وتتوفر بها المياه والصرف الصحي، مشيرا إلى أن حادثة الوفاة كانت مفجعة.
ودعا “محمد” الهيئات الإنسانية إلى تقديم مساعدات عاجلة إلى مخيم “كلميى” الذي تحول إلى أرض قاحلة لعدم توفرالمياه فيه، بهدف إنقاذ حياة مئات النازحين الذين يعيشون داخله.
مساعدات عاجلة
بدوره، قال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بيتردي كليرك إن تغير العوامل المناخية وعدم هطول الأمطار الموسمية في العام الماضي بالصومال إلى جانب الحروب والصراعات عوامل تتسبب في نتائج غير محمودة إنسانيا في عام 2019.
والشهر الماضي دعا كليرك خلال اجتماع لتنسيق الجهود الإنسانية، المجتمع الدولي إلى إنقاذ ملايين الصوماليين من ويلات الجفاف عبر تقديم مساعدات عاجلة.
وفي المناطق الشمالية من البلاد، أعلن رئيس هيئة استعدادات الكوارث والتخرين الغذائي لإدارة إقليم “أرض الصومال” (صومالي لاند)، مؤخرا أن نحو مليون و500 ألف شخص مهددون بالمجاعة وبحاجة لمساعدات عاجلة نتيجة قلة الأمطار الموسمية في العام الماضي والإعصار التي ضربت بعض الأقاليم الإدارية.
وحذر المسؤول في تصريحات صحافية من تأزم الوضع الإنساني في بعض مناطق إدارة “أرض الصومال” نتيجة الجفاف ما لم تقدم المساعدات الإنسانية بشكل سريع.
وطالبت الحكومة الصومالية والهيئات الإنسانية المحلية بتوفير 1.08 مليار دولار لإنقاذ حياة 4.2 مليون صومالي يواجهون حالات إنسانية صعبة بسبب شح الأمطار الموسمية العام الماضي.
وبحسب بيان للحكومة فإن نحو 1.5 مليون شخص من أصل 4.2 مليون معظمهم نازحون قرويون يعانون من نقص حاد في الغذاء ويحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة حيث يفتقرون لأبسط مقومات الحياة.
وأكد البيان أنه بفعل تحسن الأمن الغذائي في العام الماضي نتيجة استمرار تدفق المساعدات الإنسانية في البلاد انخفض عدد المحتاجين من متضرري الجفاف إلى 4.2 مليون شخص من أصل 6.2 مليون شخص في العام الفائت، بنسبة تعادل 32 بالمئة.
إلا أن حمزة سعيد حمزة وزير الشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث أكد خلال اجتماع تنسيق المساعدات العاجلة أن المساعدات الإنسانية وحدها لا تكفل إنهاء الأزمة الإنسانية في البلاد ما لم تواصل المشاريع التنمية للحد من هذه الأزمة الإنسانية.
وطالب الوزير الدول المانحة بتعزيز المشاريع الإنمائية مشيرا إلى أن الحكومة الصومالية ستعمل مع الهيئات الإنسانية لتذليل الصعاب التي تعرقل تلك المشاريع.
الاناضول